مُعادلة نصر الله الرُباعية هي البداية فقط!
حين بدأت الحرب في سوريا، وبدأ حزب الله ينظر لها باعتبارها طعنة في ظهره، لم يكن هذا الهاجس حكراً على الحزب وحده؛ بل تلمّس كل اللاعبين الإقليميين تهديداً أو فرصةً – كلٌ بحسب موقعه ومصالحه ـ وتصرّفوا وفقاً لها، حتى أن الحزب كان يعتبر نفسه في آخر قائمة المُتدخّلين حين اتّخذ قراره بإرسال عناصره إلى سوريا.
أثار الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله حول المُعادلة الرُباعية شهيّة المُعلّقين والمُحلّلين. سريعاً تم وضع المعادلة قيد التصويب على خلفيّة الانقسام المحلي والإقليمي والدولي حول سوريا. وكحال الاستراتيجية الدفاعية والكثير من مسائل "الأمن القومي" في لبنان تضيع القيمة وسط الجدل السياسي العقيم. ليس الإعلان عن هذه المُعادلة جديداً. سبق أن أعلنها حزب الله بالفعل لا القول حين قرّر الدخول في الحرب السورية. يمكن الرجوع في الزمن إلى ما قبل ذلك أيضاً. عند كل استحقاق مع إسرائيل كانت سوريا ترفد فيه المقاومة بما يلزم.
ما بين الأمس واليوم لم تتغيّر المُعادلة. المُتغيِّر هو "الربيع العربي" و"داعش" وأخواتها. هذه المُتغيّرات التي تلتقي في ظاهرها على كَسْر الحدود، لكنها تكرّس قيام كانتونات مذهبية وطائفية كان لا بدّ في مواجهتها من توحيد جهود المُتضرّرين منها؛ أو مَن يرون في أنفسهم مُستهدَفين مباشرةً بها. عند تأسيسه، لم يتردّد حزب الله في إخفاء تطلّعاته الأممية، مدفوعاً بعقيدته الثورية التي استمدّها من "الثورة الإسلامية في إيران". لازمت أدبيات الثورة و "نُصرة المُستضعفين" خطابات الحزب وبياناته من دون أن تتعارض في سنوات الاحتلال الإسرائيلي مع المصلحة الوطنية، أو قُل مع مصلحة شريحة واسعة من الشعب اللبناني إذا ما سلّمنا جدلًا بأن لقاء اللبنانيين على مسألة جامِعة يُعدّ أمراً استثنائياً ويكاد يكون نادراً في التاريخ.
حين بدأت الحرب في سوريا، وبدأ حزب الله ينظر لها باعتبارها طعنة في ظهره، لم يكن هذا الهاجس حكراً على الحزب وحده؛ بل تلمّس كل اللاعبين الإقليميين تهديداً أو فرصةً – كلٌ بحسب موقعه ومصالحه ـ وتصرّفوا وفقاً لها، حتى أن الحزب كان يعتبر نفسه في آخر قائمة المُتدخّلين حين اتّخذ قراره بإرسال عناصره إلى سوريا.
في تلك اللحظة تحديداً خرج الحزب من العباءة اللبنانية ليحافظ عليها! ومنذ تلك اللحظة أعلن الحزب بفعله انتقال الحرب المُقبلة مع إسرائيل إلى مستوى مختلف تتشابك فيها الساحات وتتداخل، بعد أن كانت الصورة الثلاثية الشهيرة لبشّار الأسد وأحمدي نجاد والسيّد نصر الله في دمشق قد فعلت فعلها في الوعي الإسرائيلي ودقّت ناقوس خطر غير معهود، باتت الحاجة الإسرائيلية معها إلى تمزيق الصورة أمراً حيوياً. سرعان ما أعاد تدخّل الحزب في سوريا تثبيت الحدود الجغرافية بحضوره المباشر. بعض الصالونات السياسية في لبنان صارت تتحدّث عن اتّساع مساحة لبنان في مرحلة من المراحل! نقلت إسرائيل ساحة الصراع مع الحزب إلى سوريا، فكان لزاماً عليه أن يبني حضوره فيها مع الأخذ بعين الاعتبار تهديد العدو المُستعدّ لكسْر الحدود الطبيعية الأصلية للمعركة في سبيل تعزيز ردعه.
لا يولي المُعترضون على الحزب أيّ وزنٍ للعامل الإسرائيلي عند تقويم تجربته وخياراته في سوريا. إستعادة أسباب ذهاب حزب الله إلى سوريا والحديث عن الدور الإسرائيلي هناك ودلالاته يختصر الكثير من عناء الشرح. هذه الإستعادة كانت لتكون كفيلةً بإسقاط أيّ جدل شبيه بما هو حاصل اليوم حول المُعادلة الرُباعية. يمكن تكرار المقياس نفسه على المُعادلات الخُماسية والسُداسية أيضاً.
قبل أسابيع قليلة تحدّث السيّد نصر الله عن فتْح جبهات في المعركة المقبلة مع إسرائيل وعن استقدام مُقاتلين من ساحات أخرى. بطبيعة الحال نال هذا الكلام نصيبه من النقد والشتم أيضاً. لكن الحملات عليه لم ترقَ إلى مستوى ما يُثار اليوم حول المُعادلة الرُباعية. هذا مفهوم بفعل حساسية بعض اللبنانيين إزاء الأزمة السورية وبقاء الأسد رئيساً. منذ 11 عاماً على أقلّ تقدير، والسياق الذي يسير فيه الصراع في المنطقة يؤشّر إلى بداهة قيام حلف عسكري بين مكوّنات عراقية ولبنانية ويمنية وفلسطينية لها مصالح أكيدة بالدعم الإيراني والسوري، بل ترى في هذا الدعم سبباً لقوتها ووجودها.
بهذا المعنى فإن المُعادلة الرُباعية تمتلك من المرونة ما يجعلها قابلةً للتوسّع والتمدّد وفق ما تفرضه تحرّكات المحور المُقابل.
المصدر: الميادين نت