مصير فلسطين وشعبها من صفقة القرن

11.06.2019

تقول التكهنات إن الولايات المتحدة الأمريكية عازمة على الإعلان عن "صفقة القرن"، التي سيجبرون عليها الفلسطينيين والعالم أجمع، في وقت قريب.

وإذا كانت المعلومات المسرّبة إلى الصحافة بشأن ما يسمى بـ "صفقة القرن" صحيحة، فإننا نتحدث هنا لا عن قرار سياسي، وإنما عن عملية إعداد لتطهير عرقي للفلسطينيين، لأن رفض "الصفقة"  لن يتبعه وقف كل المساعدات الاقتصادية للفلسطينيين من قبل الغرب فحسب، وإنما وعود من الولايات المتحدة الأمريكية بإيقاف أي مساعدات من أي طرف كان.

سوف تكون العواقب، بطبيعة الحال، وخيمة. وأي احتجاج أو مقاومة من جانب الفلسطينيين، بما في ذلك المقاومة المسلحة، سوف يواجهها الجيش الإسرائيلي منفردا أو بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية.

وسوف تصبح النتيجة مقتل الكثيرين من أفراد الشعب الفلسطيني، ونزوح آخرين من الأراضي التي يعيشون عليها الآن، لتصبح تلك بمثابة نكبة ثانية. وأخاف أن يكون هذا هو الهدف الحقيقي وراء "صفقة القرن"، وليس تسوية قضية الأرض، الهدف الرسمي المعلن لـ "الصفقة".

في واقع الأمر، فإن مشكلة الأرض ليست قضية مهمة بالنسبة لإسرائيل، فتعداد السكان اليهود لن يزيد بالقدر الذي تصبح فيه هذه المشكلة جوهرية. لكن المشكلة الأساسية والوجودية بالنسبة لإسرائيل هي المشكلة الديموغرافية، والزيادة السكانية المرتفعة للفلسطينيين مقارنة باليهود. فتعداد السكان الفلسطينيين يزداد أسرع بكثير من زيادة تعداد السكان اليهود، ولا يدور الحديث هنا عن الفلسطينيين في الضفة الغربية فحسب، وإنما أيضا عن مواطني إسرائيل من العرب. ومع مرور الوقت، ووفقا لأي شكل من أشكال التعايش بين الشعبين في دولة واحدة، فإن إسرائيل سوف تصبح حتما في يوم من الأيام دولة فلسطينية. ولا أرى حلا لإسرائيل كي تحافظ على الهوية اليهودية للدولة، على المدى البعيد، سوى اللجوء إلى شكل من أشكال التطهير العرقي للفلسطينيين.

مما لا شك فيه أن الفلسطينيين قد تعرضوا لطهو على نار هادئة، لمدة طويلة، حتى أن أحدا منهم لم يعد يلاحظ كيف أصبحوا يقبلون تدريجيا بشروط مجحفة، لم يكن ياسر عرفات في بداياته يحلم بها في أسوأ كوابيسه. لكن الشعب، والقيادات الفلسطينية غير مستعدين في الوقت الراهن للقبول بشروط "الصفقة" المقترحة.

كان من الممكن، بعد حوالي 50 عاما من استمرار التصاعد التدريجي لحرمان إسرائيل الفلسطينيين من حقوقهم يوما بعد يوم، أن يوافق الفلسطينيون، بل وأن يطلبوا أنفسهم بكل سرور الشروط المقترحة في "صفقة القرن". لكن هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، أولا، في طريقها للأفول، وليس لدى إسرائيل أي ثقة في أن تستطيع الاستمرار في انتهاك حقوق الفلسطينيين بعد 10 سنوات من الآن بنفس الوقاحة. ثانيا، يمكن أن يلعب العامل الديموغرافي دورا حاسما، فلا يعطي إسرائيل لا 50 عاما، بل ولا حتى 20-30 عاما لتنفيذ مخططاتها. لذلك تتعجل تل أبيب لتسوية القضية الآن، حيث قد يفوت الأوان فيما بعد.

وفي ظل الوضع الراهن، تبدو تل أبيب على استعداد لتقبل أي تطور محتمل للموقف الراهن. فإذا تطورت الأمور نحو الانفجار، بإمكانها اللجوء لأي، وربما لأكثر الحلول جذرية، طالما حافظت واشنطن على دعمها الكامل وغير المشروط لإسرائيل. وإذا وافق الحكام العرب على "الصفقة" فسوف تتأجل الكارثة بعض الشيء، وتضخ مليارات الدولارات من دول الخليج إلى ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، ثم لن تلبث الأموال أن تنتهي، وحينها سوف تنفجر القنبلة السكانية على أية حال، وساعتها نعود إلى الحل الجذري.

لا أعتقد أن إسرائيل تعيش وهم أن "صفقة القرن"، التي تفتقر إلى أبسط شروط العدالة، بإمكانها أن تؤدي واقعيا في نهاية المطاف إلى تعايش سلمي بين الفلسطينيين واليهود. فالتعايش السلمي ليس أحد أهداف "صفقة القرن"، بل إن مصطلح "الصفقة" ذاته يعني منطقيا وجود طرف مقابل، وهو في هذه الحالة حكومات الدول العربية، وليس شعوبها. إن الشعب الفلسطيني لن يقبل بـ "الصفقة"، بل وأجازف بالقول، إنه حتى وإن قبلت حماس والفصائل الفلسطينية هذه "الصفقة" (وهو أمر مستحيل)، فسيأتي بدلا منهم آخرون. فالطبيعة لا تقبل بالفراغ، وإذا ما انتهكت حقوق الشعب، وقبلت قيادات قديمة بهذه الانتهاكات، فدائما ما ستظهر قيادات جديدة توحد الغاضبين، حال استمالة القيادات القديمة أو ركونها إلى الهدوء.

من وجهة نظري، وإذا كانت إسرائيل تفكر بشكل واقعي (وهي تفكر كذلك على الأغلب)، فإن "صفقة القرن" ليست سوى استفزاز بهدف تصعيد الأزمة نحو "الحل النهائي" للقضية الفلسطينية.

ومع شديد الأسف، فإن الفلسطينيين لا يملكون أي وزن في هذه اللعبة، ويستند مصيرهم الآن بالكامل إلى الصراع الدائر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا حول النظام العالمي الجديد. ففي عالم القطب الواحد ليس لدى الفلسطينيين أي فرصة، أما في عالم متعدد الأقطاب سوف تتاح لهم هذه الفرصة. ويتعين على القيادات الفلسطينية أن تحدد استراتيجياتها، اعتمادا على أملهم في الوصول إلى هذا النظام العالمي الجديد، والوقت الذي سيظهر فيه هذا النظام.

وإذا لم يظهر نظام عالمي متعدد الأقطاب، فلن يكون أمام الشعب الفلسطيني سوى الاختيار بين الاختفاء من على وجه الأرض إما بهدوء وإما ببعض الصخب.

أما إذا تمكنت روسيا والصين من تغيير العالم إلى عالم متعدد الأقطاب، وكنت في مكان الفلسطينيين، لسعيت إلى اكتساب الوقت الآن، واتخذت أي خطوة من شأنها الحفاظ على الشعب الفلسطيني، والأرض إلى وقت لا يكون فيه الفلسطينيون وحدهم في هذا الصراع، ولا تلعب الولايات المتحدة الأمريكية الدور الذي تلعبه الآن. عموما، هذه مهمة لن تكون سهلة.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف