معنى عيد الميلاد في التقاليد الأرثوذكسية والكاثوليكية

27.12.2017

يجب في البداية أن أوضح بعض الأمور، أولاً: أنا لست مسيحياً أرثوذكسياً. وعلى الرغم من أنني أعرف عن المذهب الأرثوذكسي أكثر مما يعرفه الغربيون أنفسهم، فإنني لا أعتبر نفسي خبيراً.

ثانياً: أنا لست من الروم الكاثوليك. أنا أنغليكاني. ونحن لا نعتبر أنفسنا مثل البروتستانت، بل نعتبر أنفسنا تابعين للتقاليد الكاثوليكية الحقيقية، ونرى أن كنيسة روما أصبحت فاسدة وترفض إصلاح نفسها. ولكن لن أستطيع الحديث عن الكاثوليكية بشكل عام.

لذلك، اسمحوا لي أن أخبركم ما أعرفه عن معنى عيد الميلاد لدى التيار المسيحي المعتدل حول العالم.

عيد الميلاد هو فترة الأمنيات، ويصادف في الانقلاب الشتوي الذي يكون أقصر نهار في السنة. ويُعتبر عيد الميلاد أملاً وخلاصاً كبيراً للعالم بأسره.

لقد أمضيت الأشهر القليلة الماضية أدرس الكتاب السادس لفرجيل "الإنياذة"، وأكثر ما صدمني في هذا الكتاب هو الرغبة المطلقة في الأمل لدى الديانات الوثنية في العالم القديم. كانت هذه الديانات محصورة بالعرق والطبقة، ولم يكن هناك أي حكم روتيني يعاقب الشر ويكافئ الخير.

ولكن المسيحية غير ذلك تماماً، فهي تعطي الفرصة للخلاص لجميع الناس بغض النظر عن عرقهم أو الطبقة الاجتماعية. هذه الرسالة مميزة، وحتى إذا لم تكن مؤمناً بالله فلا يمكن أن ننكر أنها كانت رسالة ذات تأثير مفيد على الأجزاء من العالم التي انتشرت فيها. 

لذلك إذا كنت مسيحياً ستحتفل بعيد الميلاد على أنه اليوم الأكثر قداسة في السنة. يُعتبر عيد الميلاد بالنسبة للمسيحيين الغربيين أكثر أهمية من عيد الفصح، ولكن أعتقد أن العكس صحيح في العالم الأرثوذكسي حيث يميلون إلى التركيز أكثر على صلب المسيح وقيامته. ويُعتبر عيد الميلاد بالنسبة للمسيحيين الغربيين هو اليوم الذي تتحقق فيه جميع الآمال والوعود. وأعتقد أن جوهر عيد الميلاد هو نفسه بالنسبة لمسيحيي الشرق والغرب.

وكما قلت سابقاً، فإن التركيز الرئيسي في التقاليد الأرثوذكسية هو على عيد الفصح.

أنا لا أقول إن عيد الفصح ليس مهماً بالنسبة لنا، أو إن عيد الميلاد ليس ذو أهمية بالنسبة للأرثوذكس، ولكن قد يكون سبب التركيز المختلف على هذه المناسبات العظيمة تاريخياً.

كانت المسيحية الغربية حتى القرن العشرين دين النصر والنجاح، وكانت دين الحضارة التي واجهت عدداً من التحديات الخارجية في العصور الوسطى، والتي نجحنا في التغلب عليها. وكانت الدين الذي انتشر تأثيره على العالم كله. ولهذا السبب تُعتبر المسيحية دين النصر.

وكان مذهب المسيحية الشرقية محاصراً منذ القرن السابع. فقد أخذت الفتوحات الإسلامية مصر وسوريا وشمال إفريقيا من المسيحيين. بدأت الإمبراطورية البيزنطية تفرض سيطرتها في القرون الوسطى، ولكن عادت السيطرة الإسلامية مرة أخرى وأخذ المسلمون الأراضي الأساسية في الإمبراطورية البيزنطية. ولكن الأمر الأكثر رعباً والأكثر سوءاً في رأيي، هو انقلابنا نحن اللاتين على البيزنطيين، فقد أحرقنا القسطنطينية ودمرنا الإمبراطورية.

واجهت روسيا بعد انتقال مركز الأرثوذكسية من القسطنطينية إلى موسكو العديد من الصعوبات التي لا نهاية لها. وتعرضت للتهديدات من الغزاة الخارجيين. وجاءت الكارثة الرهيبة للشيوعية التي قُتل من خلالها الآلاف من الكهنة وظُلم الملايين من المؤمنين. وظلت الأرثوذكسية على الرغم من هذا كله صامدة وازدهرت من جديد.

كان للصعوبات والتحديات الرهيبة التي واجهتها الأرثوذكسية تأثير كبير على الطقوس والتوحيد الأرثوذكسي. 

ولأن الإيمان المسيحي الأرثوذكسي هو تحت التهديد المستمر، فكان التركيز الرئيسي لهذا الفرع من المسيحية على رسالة عيد الفصح. وتعني تلك الرسالة أن الموت واليأس قوبل بقيامة مجيدة ومستقبل أكثر جرأة. 

بالنسبة لنا في الغرب، فإن حاضرنا جيد بما فيه الكفاية. ويبدو في الشرق أن المستقبل الأفضل يلوح في الأفق. وهذا هو رأي بالنسبة للفرق في النهج بين الأرثوذكسية والمسيحية الغربية حول المناسبات الدينية العظيمة.

إذا لم تكن مسيحياً أو لا تؤمن بالله، فيجب أن يبقى عيد الميلاد يوماً للاحتفال الرسمي والفرح، بسبب الأثر المفيد للمسيحية حول العالم. 

أصبح عيد الميلاد في الغرب، لسوء الحظ، احتفالاً مُحرجاً. ويمكن اعتباره عيد "المامون"، حيث كان مامون إله وثني للمال. فليس هناك أي عنصر ديني في الاحتفال السائد لعيد الميلاد، بل هو مجرد مهرجان للتسوق، الذي ستشتري فيه أشياء لا تحتاجها وتعطيها لناس لا يحتاجونها أيضاً. فقد أصبح عيداً لمشاهدة هراء التلفزيونات، وحضور تمثيليات مسرحية مبتذلة، والأكل والشرب أكثر من اللازم.

سنحتاج إلى كتاب كامل لشرح سبب تحول الأمور إلى هذا المنحى، وهناك العديد من الأسباب التي جعلت عيد ميلاد على شكله الحالي، ولكنها معقدة جداً.

وأخذ عيد الميلاد شكله الحالي في أوائل القرن التاسع عشر في إنكلترا مع فكرة شجرة عيد الميلاد، وهدايا وبطاقات عيد الميلاد. هذه هي ابتكارات العصر الفيكتوري وستجدها في أعمال "تشارلز ديكنز".

كانت هذه هي أوصاف عيد الميلاد كما كان يُحتفل به في أيامه، ولكن مع بعض الدعاية في كتاباته. فلم يكن يقول كيف يتم الاحتفال بعيد الميلاد، بل كيف يجب الاحتفال به. ولأن "تشارلز ديكنز" كان كاتباً مؤثراً، قد تعتقد أن أجواء الاحتفال بعيد الميلاد في إنكلترا وأمريكا وكل بلد يتحدث الإنكليزية هي من اختراعه.

كان عيد الميلاد دائماً مهرجاناً مهماً، ولكن الطريقة التي نحتفل بها الآن هي اختراع فيكتوري. وربما كان اختراعاً جيداً ولكن يؤسفني كثيراً الاستغلال التجاري الشديد لهذا العيد خلال الخمسين سنة الماضية. هذا التسويق هو واحد من الأشياء التي ندين بها لأمريكا.