ماذا يعني خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي بالنسبة لروسيا

21.06.2016

ربما تكون روسيا المستفيد المحتمل من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ينبغي أن يحدث هذا في نهاية المطاف - وإليكم السبب:
رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ووزير خارجيته فيليب هاموند يحثان البريطانيين في الاستفتاء على التصويت لاستمرار عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي، زاعمان أن روسيا (جنبا إلى جنب مع الدولة الإسلامية في العراق والشام) ستكون أحد المستفيدين الرئيسين إذا انسحبت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وانطلاقا من هذه التعليقات، يحصل الإنسان على انطباع بأنه تم البدء بهذا الاستفتاء كله بطريقة ما بقصد توجيه الاتهام لروسيا. مع أن موسكو لم تعرب عن أي رأي حول هذا الاستفتاء، ولم تقم في أي حال بأية محاولة  للتأثير على الرأي العام في المملكة المتحدة.

فقط بالرجوع إلى تاريخ سابق حول هذه المسألة، يمكن الحصول على فهم كامل لهذه الحالة العامة. في عام 2013، قدم ديفيد كاميرون وعدا بإجراء مثل هذا الاستفتاء في محاولة لاسترضاء المتشككين بأوروبا في حزبه، وبالتالي تجنب الانقسام الداخلي في الحزب عشية الانتخابات البرلمانية في عام 2015. والحقيقة هي أن بعض الأعضاء من النخبة في حزب المحافظين كانوا دائما يدافعون عن السيادة البرلمانية ضد إملاءات القوى فوق الوطنية في بروكسل، ولا يمكن للحزب في حال انقسامه الفوز في الانتخابات. وكان الهدف الثاني لوعد كاميرون بإجراء هذا الاستفتاء هو منع تدفق الناخبين المحافظين إلى حزب الاستقلال في المملكة المتحدة، برئاسة نايجل فاراج. كان من السهل جدا إعطاء مثل هذا الوعد، خاصة أن استطلاعات الرأي كانت تشير باستمرار إلى احتمال وجود "تعليق للبرلمان"، وهذا يعني تشكيل حكومة ائتلافية. في مثل هذه الحالة، مسألة الاستفتاء ستكون غير ذات صلة.

لذلك فاز حزب المحافظين في الانتخابات وعلى ديفيد كاميرون الآن الوفاء بوعده. وبهذه الطريقة فإن رئيس الوزراء في محاولته حل مشاكل الحزب التكتيكية، وضع المصالح الإستراتيجية للبلد في خطر. قال انه يعتقد اعتقادا راسخا أن بريطانيا يجب أن تبقى في الاتحاد الأوروبي. وحتى الآن يشكل اللجوء إلى الخطاب المعادي لروسيا محاولة لاستخدام "تهديد عدو خارجي"، من بين حجج أخرى، لحمل الناس على التصويت لصالح عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت نفسه، فإن استطلاعات الرأي تظهر أن البريطانيين قلقون بمعظمهم حول الهجرة المنفلتة من دول الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، هم على قناعة بأن عدد المهاجرين القادمين إلى البلاد أكبر بمرتين مما هو عليه الحال في الواقع. وهم يعتقدون أيضا أن مساهمة المملكة المتحدة في ميزانية الاتحاد الأوروبي هي أربعة أضعاف المبلغ الفعلي. الأعمال التجارية الكبيرة تقف إلى جانب البقاء في الاتحاد الأوروبي.

التأثير الاقتصادي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على روسيا
من وجهة النظر الاقتصادية، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يؤثر بشكل كبير على التجارة الثنائية الروسية البريطانية والعلاقات الاقتصادية. حيث أن حجم التجارة الثنائية ليس له تلك الاهمية الكبيرة، بسبب العقوبات الاقتصادية المتعلقة بأوكرانيا. وبغض النظر عن ذلك، سلاسل التوريد والإنتاج التي تربط بين البلدين محدودة. ومع ذلك، يمكن أن تكون الخسائر الاقتصادية غير المباشرة كبيرة جدا بالنسبة لروسيا.
على سبيل المثال، فإن روسيا لا تقف على الحياد فيما يتعلق بوضع مدينة لندن كمركز مالي، حيث أسهم الشركات الروسية الرائدة ـــــ (غازبروم، روسنفت، لوك أويل، سبيربنك وتاتنفت، يجري تداولها في لندن بشكل يومي.
يمكن لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن يؤثر سلبا على اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، التي أنشأت معها روسيا شبكة من الاتصالات (مثل هولندا وقبرص، وكلاهما لديها علاقات اقتصادية وثيقة مع بريطانيا). وكذلك قد يؤثر سلبا على احتياطي الذهب والعملة في روسيا، في حال انخفض اليورو في القيمة.

التأثير السياسي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على روسيا
من الناحية السياسية، روسيا قد تستفيد من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لأن بريطانيا تتبنى في الاتحاد الأوروبي الموقف الأكثر صرامة ضد روسيا، جنبا إلى جنب مع بولندا ودول البلطيق. إذا خرجت بريطانيا، هذا سيؤثر على موقف الاتحاد الأوروبي ككل، ويؤدي إلى تخفيف لهجة الخطاب المعادي لروسيا.من ناحية أخرى، فإن بريطانيا ستعمل بلا شك على تعزيز "علاقتها الخاصة" مع الولايات المتحدة - والولايات المتحدة لها نفوذ كاف تماما على الاتحاد الأوروبي.
في الواقع، حالة عدم اليقين من الوضع والتحول في ميزان القوى داخل الاتحاد الأوروبي سيكون له تأثير سلبي على روسيا. وهل تهيمن ألمانيا تماما على الاتحاد الأوروبي في المستقبل؟ هل سيؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى تأثير الدومينو الذي من شأنه أن يؤدي إلى التوترات السياسية في تلك البلدان الأوروبية وفي مواقع قريبة جدا من روسيا.
بالنسبة لروسيا، مثل هذه الأسئلة ليست فقط للاهتمام الأكاديمي. وبالتالي، فإن هذا الادعاء بأن روسيا لديها "مصلحة" في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو مجرد خدعة من قبل أولئك الذين هم على استعداد لاستخدام أية وسيلة لتبرير أهدافهم، وفي نفس الوقت، خلق العقبات في المقام الأول.
كما تجدر الإشارة إلى أن البرلمان البريطاني سيصوت هذا الخريف، على تحديث نظام الردع النووي "ترايدنت" في البلاد. ونتيجة لذلك، فإن شدة الخطاب المعادي لروسيا ستبقى مرتفعة - على الأقل حتى هذا الخريف.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يلعب فيها كاميرون مثل هذه اللعبة المحفوفة بالمخاطر - في عام 2011، كان هناك استفتاء على النظام الانتخابي، وبعد ذلك في العام 2014، كان هناك استفتاء على استقلال اسكتلندا. قبل أسبوعين فقط من الاستفتاء الاسكتلندي، انقسم المؤيدون والمعارضون للاستقلال بشكل خطير، كان من الممكن أن يقود رئيس الوزراء كاميرون، البلاد إلى الانهيار. نجح كاميرون في كلتا الحالتين، في تحقيق نتائج متسقة مع مواقفه السياسية. هل سينجح في المرة الثالثة؟