ماذا وراء استمرار الحشد العسكري التركي في إدلب؟

05.04.2020

غم اتفاق الهدنة الروسي -  التركي بشأن إدلب السورية، تواصل تركيا حشد قواتها العسكرية هناك، إذ ترسل باستمرار مزيداً من القوات والأسلحة والمعدات العسكرية إلى المنطقة عبر معبر كفرلوسين، كما تقيم نقاط عسكرية جديدة مدعمة بأسلحة ثقيلة مع أن مهمة هذه النقاط حسب اتفاق سوتشي تنحصر في أعمال المراقبة، حيث ارتفع عدد نقاطها العسكرية في إدلب إلى أكثر من خمسين نقطة مع أنه حسب الاتفاق كان اثنتي عشرة نقطة فقط، ولعل استمرار الحشد العسكري التركي على هذا النحو، دفع بالمراقبين إلى السؤال عن الأسباب التي تقف وراء ذلك، والأهداف التي تخطط لها تركيا بشان مستقبل إدلب، وكذلك مستقبل اتفاق الهدنة مع الجانب الروسي.

في محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات، يمكن الحديث عن ثلاث سيناريوهات أساسية، وهي:

الأول - سيناريو الاستعداد لمواجهة عسكرية جديدة: ينبع هذا السيناريو من أن اتفاق الهدنة في إدلب هش، وينظر إليه منذ البداية على أنه مرحلي ومؤقت، وفي ظل غياب الثقة بين الأطراف المتصارعة وتناقض استراتيجياتها، فان جولة جديدة من القتال تلوح في الأفق بحسب معظم المراقبين.

وعليه، ثمة من يرى أن الحشود العسكرية التركية تندرج في إطار الاستعداد لهذه الجولة الجديدة من المواجهة، ولاسيما أن الطرف الروسي يؤكد ضرورة الاستمرار في محاربة المجموعات الإرهابية والمسلحة التي تدعمها تركيا وتحاول توظيفها، وسط اتهامات لهذه المجموعات بتقويض الهدنة، ومنع الدوريات الروسية – التركية المشتركة من القيام بمهامها على طرفي الطريق الدولي بين حلب واللاذقية المعروف بـ(M4).

الثاني- سيناريو اقتطاع إدلب: ينبثق هذا السيناريو من استثمار تركيا  استمرار اتفاق الهدنة لتعزيز وجودها العسكري في إدلب ولاسيما في المناطق الحدودية وإدلب المدينة، عبر خلق وقائع عسكرية واقتصادية واجتماعية وأمنية وثقافية جديدة على الأرض، بغية فصل ما تبقى من إدلب عن سوريا، ولعل العنوان الذي تعمل تركيا من أجله لتحقيق هذا الهدف، هو إقامة منطقة آمنة بحجة حماية النازحين، ومثل هذا العنوان قد يحظى بدعم بعض الدول الأوروبية ولاسيما ألمانيا، ومثل هذا السيناريو تريد تركيا تطبيقه في مناطق أخرى من الشمال السوري، وتحديدا المناطق التي احتلتها عقب عملياتها العدوانية الثلاث التي أطلقت عليها "درع الفرات" و"غصن الزيتون" و"نبع السلام"، وهو سيناريو يشبه كثيرا ما جرى في شمال قبرص عندما غزتها تركيا عام 1974، حيث تحتلها منذ ذلك الوقت إلى الآن، بعد أن أعلنت عن قيام جمهورية شمال قبرص التي لم يعترف بها أحد سوى تركيا نفسها.

الثالث- سيناريو التخلص من الجماعات "الإرهابية": ينبثق هذا السيناريو من أن تركيا لن تتجرأ على الدخول في مواجهة عسكرية مع روسيا، بل أن روسيا لن تتهاون مع أي تحرك عسكري تركي على الأرض. وعليه، ثمة من يرى أن مسار التعاون الروسي – التركي سيستمر في إدلب، وأن الترجمة العملية لهذا التعاون في المستقبل سيكون بعمل مشترك ضد جماعات "إرهابية" وعلى رأسها تنظيم "حراس الدين" الذي قيل أن الأجهزة الأمنية في البلدين تبادلت مؤخرا المعلومات بشأن التنظيم، ومثل هذا الأمر جاء أساسا في اتفاق الهدنة عندما نجحت روسيا في انتزاع تعهد من تركيا بتطهير المناطق على طوال الطريق الدولي بين حلب – اللاذقية من الجماعات المسلحة، وإلى حين تحول هذا التعاون إلى آلية مشتركة فإن تركيا ستعزز حشودها العسكرية في إدلب بهدف الإطباق على هذه الجماعات مستقبلا من جهة، ومن جهة ثانية لمحاولة إلزام الجانب الروسي بآلية لوضع حد للفصائل الإيرانية التي عززت من نفوذها في ريفي إدلب وحلب ولاسيما في بلدة سراقب، وهو ما قد يزيد من أهمية التعاون بين الجانبين التركي والروسي في شمال غربي سوريا.

روسيا التي تلعب دور ضابط الإيقاع بين الأطراف المتصارعة في إدلب، تبدو أقرب إلى السيناريو الأخير، فهي تريد مواصلة التعاون مع تركيا لا للتخلص من الجماعات "الإرهابية" والمسلحة في إدلب فحسب بل تريد الذهاب إلى أبعد من ذلك، إذ أنها تفكر في العمق بكيفية إعادة العلاقة بين أنقرة ودمشق من خلال العودة إلى اتفاقية أضنة ولو بصيغة معدلة لترتيب الوضع الحدودي بين البلدين، لكن الرغبة الروسية هذه قد لن تتحقق بسهولة وذلك لثلاثة أسباب:

الأول - الأطماع التركية في شمال سوريا وشرقها، وسعيها الدائم إلى تحديد مستقبل سوريا السياسي عبر الجماعات المرتبطة بها ولاسيما جماعة الإخوان المسلمين، في إطار أجندتها الإقليمية.

الثاني: إيران التي تتجه إلى تعزيز نفوذها على الأرض في مواجهة تداعيات الاتفاق الروسي – التركي على دورها في سوريا، إذ تحس إيران أن الاتفاق الذي جرى من دونها يستهدف بشكل أو آخر دورها ونفوذها في سوريا، ولذلك تعزز من وجود فصائلها العسكرية هناك، تحضيرا لجولة جديدة من القتال حين تحين الظروف وترى فيها مناسبة لبسط مشروعها هناك. وهو ما قد يخلق اصطفافات إقليمية جديدة بالأزمة السورية.

الثالث: الموقف الأمريكي الذي يبدو أقرب إلى الرفض للاتفاق الروسي – التركي، ولعل هذا ما يفسر الرفض الأمريكي لمحاولة موسكو دفع مجلس الأمن الدولي للمصادقة على الاتفاق بغية جعله اتفاقا دوليا، ولعل الرفض الأمريكي للاتفاق ينبع من مساره الإقليمي على العلاقات الأمريكية – التركية وتعزيز النفوذ الروسي أكثر وليس من مفهوم تحقيق حالة من الاستقرار والهدوء في إدلب.     

في الواقع، بغض النظر عن السيناريوهات السابقة والدلالات الإقليمية والدولية لها، فإنه من الصعب الاعتقاد بأن الحشود العسكرية التركية هي لمجرد القضاء على الجماعات المسلحة و"الإرهابية" خاصة وأن هذه الجماعات مرتبطة بها وتدار من قبلها، وعليه ثمة من يرجح أن هدف تركيا له علاقة بوجود مخططات تركية تتلخص بالبقاء طويلا في سوريا بحجج وذرائع مختلفة، مستفيدة من التفهم الروسي لأجندتها هذه على قاعدة المصالح العليا التي تربط بين البلدين.