ماذا وراء اضطرابات إيران
ثلاثة مواقف نافرة تدفع إلى الاعتقاد بوجود أدوار خارجية تفاقم حدّة الدوافع الداخلية للاضطرابات المندلعة في إيران.
ومع استبعاد نظرية المؤامرة التي يعتمد عليها المتآمرون عادةً لإخفاء أدوارهم المشبوهة، لا بدّ من التساؤل عن دوافع اهتمام الرئيس الأمريكي ترامب بهذه الاضطرابات، ولماذا يبشّر بضرورات التغيير لأسباب لـ«ديمقراطية» حسب زعمه، فيما تحمي بلاده معظم الدول الدكتاتورية والوراثية واللاغية شعوبها في العالم؟!
وهي للإشارة، من أكثر الدول دموية في سحل شعوبها.. وكيف نتعامل مع إصرار رئيس وزراء كيان العدو لـ«الإسرائيلي» على ضرورة إسقاط الحكم الحالي في إيران لتقيم لـ«إسرائيل» علاقات صداقة مع الحكم الجديد؟
أمّا ثالثة المصائب، فهي السعودية والإمارات اللتان تطلقان حملة إعلامية على مدار ساعات اليوم بكامله لتأجيج الفتنة في إيران بأبعاد مذهبية وعرقية وقومية. وتعرض مشاهد لاضطرابات وعمليات قتل حدثت في بلدان أخرى، كما تعمل على تركيب مقابلات وحوارات مع أشخاص غير معنيين تقدّمهم على أنّهم قادة الاضطرابات في إيران ولا يقيمون فيها أي على طريقة ما فعله الإعلام الخليجي والغربي في أحداث سورية والعراق وتونس وليبيا؟
لا يريد هذا العرض نفي وجود الأسباب الداخلية للاضطرابات في إيران، فهي حقيقية ولها أسبابها الاقتصادية المنطقية، لكنّه يرفض إغفال الدور الغربي الخليجي في محاولة تأجيجها وتحويلها لتصبح أداة في قطع العلاقة بين طهران والإقليم، ولأسباب لا تتعلّق أبداً بالشعب الإيراني ومصالحه، بقدر ما ترتبط بمحاولات إنقاذ النفوذ الأميركي لـ«الإسرائيلي» الخليجي، المحصور في زاوية ضيقة بسبب التحالف بين إيران وسورية والعراق وروسيا وحزب الله. هذا الحلف الذي هزم التحالف الأميركي السعودي لـ«الإسرائيلي» في لبنان وسورية والعراق، ويهدّده في مناطق أخرى.
فهل هناك حركة مطلبية حقيقية في بلاد الخميني؟
نعم هناك حركة مطلبية تحاول التعبير عن الضائقة الاقتصادية التي تضرب بلادها بأساليب ديمقراطية، وهي التظاهر! ولا سيّما أنها تقاطعت مع امتناع المصارف الإيرانية عن دفع بعض المستحقات المالية لأصحابها. ولهذه المصاعب الاقتصادية دواعيها الداخلية والخارجية المتشابكة. فعودة البلاد إلى طبيعتها تتطلّب إعادة بناء الأسس التحتية وتجديد كل شيء فيها تقريباً، لأّنها بلد محاصر منذ أكثر من أربعة عقود. وهذه العمليات تتطلب الاستمرار في التقشّف حتى بدء الإنتاج الداخلي والخارجي، وتترافق عمليات التجديد مع انهيار أسعار النفط إلى أقلّ من النصف، مع عجز إيران عن استعادة حصصها القديمة في أسواق النفط المسطو عليها من قِبل السعودية بـ لـ«قرار أميركي». فالرياض تبيع نحو عشرة ملايين برميل نفط يومياً، مقابل ثلاثة ملايين لإيران التي يزيد سكانها عن أربعة أضعاف السعوديين.
ولأنّ نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستهدف منذ تأسيسه في 1979 من قِبل الحلف الأميركي الإسرائيلي الخليجي، فقد وجدت طهران نفسها مضطرة للخروج إلى الإقليم في حركة موضوعية للدفاع عن ثورتها.
لا بدّ من العودة إلى حرب صدام حسين عليها بدعم أميركي خليجي استمرت عشر سنوات، والهجمات الأميركية المباشرة جيمي كارتر والحصار المضروب حولها منذ أربعة عقود، ومقاطعتها منذ ذلك التاريخ واحتجاز أرصدتها في مصارف العالم نحو 150 مليار دولار والحملات الإعلامية، وتلك الموصولة بوسائل الاتصال الاجتماعي التي لم تهدأ مرة منذ 1990. كل ذلك جعل طهرات تقيم حلفاً لـ«منيعاً» حمى بعض منطقة لـ«الشرق الأوسط» من النفوذ الأميركي لـ«الإسرائيلي»، وبالتالي الخليجي. ووقاها شرّهم في آن معاً، بدليل أنّها اليوم الدولة الإقليمية الأولى التي تنحو في أوقات ليست ببعيدة لتصبح قوة دولية.
وهذا له تكلفته المادية التي أسهمت إلى جانب الحصار الخارجي ومصادرة الأموال، في خلق أزمة اقتصادية داخلية، لكنها ليست بنيوية، بل مفتعلة لأنّ المال الإيراني المحتجز وبدء الحصول على عائدات لاستثمارات وعودة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها، من شأنهما العودة السريعة إلى نهضة اقتصادية جذرية غير ريعية كحال أنظمة الخليج التي تعتاش على عائدات النفط فقط، فيما تمتلك إيران نظاماً صناعياً إنتاجياً يلبّي قسماً لا بأس به من احتياجاتها، وغازاً ونفطاً ومياهاً وأراضٍ خصبة، تصل مساحتها إلى مليون و600 ألف كيلومتر مربع، القليل منها صحراوي، اي عكس حالة بلدان الخليج.
للإشارة فقط، فإن التقسيم الطبقي لإيران يكشف أنّ طبقتها الوسطى تصل إلى أربعين في المئة، وهذه نسبة تقارب المعدلات الأوروبية، وقابلة للارتفاع إلى ستين في المئة مع بدء الحصول على عائدات الإنتاج والأموال المحجوزة في مصارف أميركية وأوروبية.
المستهدف إذاً هو السياسة الخارجية الإيرانية التي لا تروق للأميركيين وحلفائهم في الخليج و»إسرائيل». وهؤلاء لا يأبهون إذا ما استحصل الإيرانيون على مكاسب اقتصادية، بقدر ما يصرّون على إبقاء الإيرانيين في وضعية العجز الاقتصادي لاستثمار تحرّكاتهم في وجه نظامهم السياسي. لأنّ المطلوب هو رأس إيران لـ«المتورّطة» حسب مزاعمهم في تدمير القيم الديمقراطية، وهي قيم تنشرها واشنطن في السعودية والإمارات والأردن و»إسرائيل» وبلدان أخرى بتعميم أساليب المجازر والقتلى… والتاريخ القديم والمعاصر شاهد.
ما يمكن استنتاجه هنا، وجود سبب داخلي يحاول الخارج استثماره في حربه السياسية على طهران. وهذا سهل بسبب وسائل الإعلام الكونية المخترقة للحدود والمكان، ووسائل الاتصالات الاجتماعية المتنقلة من سرير إلى غرفة نوم وركن وزاوية.
هناك أيضاً الأساليب الاستخبارية المباشرة التي تجيد صناعتها الاستخبارات الأميركية و»الإسرائيلية» والسعودية … وهذه تعتمد في إيران على ناقمين سياسيين على النظام منظمة مجاهدي خلق ومتضررين اقتصاديين وأجنحة سياسية من الدولة نفسها تريد احتكار السلطة الى جانب إمكانية استفادتها من التعدد العرقي والقومي الإيراني بلوش عرب أذري تركماني والمذهبي سنة وشيعة مع وجود زهيد للمسيحيين واديان إيرانية، لذلك بإمكان هذه المخابرات تجنيد بضع مئات فقط من إيرانيين ناقمين يندسون داخل التظاهرات ويقومون بأعمال شغب وقتل في حق الشرطة والمتظاهرين في آن معاً لتأجيج الموقف ويبدو أن هذا ما يحصل.
لكن ما يفاجئ النفوذ الأميركي هو الهدوء الرسمي الإيراني اللاجم أنواع قمع بوسع استخدامها من المتورطين الذين يعملون في خدمة الخارج.
إيران إلى أين؟ إنها ذاهبة الى مزيد من اكتساب مناعة للتعامل مع الاضطرابات بشقيها الداخلي والخارجي.
إن توقيت الدعم الغربي الخليجي لـ«الإسرائيلي» لهذه الاضطرابات دليل قوي على حرص أميركي على تدمير القضية الفلسطينية واحتواء انتصارات المقاومة في الشرق الأوسط من بوابة إيران.
لذلك تحتوي إيران ما يجري داخل بلادها وعينها الساهرة ترصد الإقليم بمزيد من الحرص على الدفاع عن المقاومة التي تغرز سكينها في عين النفوذ الأميركي في العالم الإسلامي وتستعدّ للانتصار عليه نهائياً.