ماذا لو رضخت سوريا للإملاءات الأمريكية؟

ماذا لو رضخت سوريا للإملاءات الأمريكية؟
03.06.2020

في ظل غلاء المعيشة الذي تسبب به الحصار والعقوبات المفروضة على الشعب السوري، والذي ساعدت عليه محاربة العملة الوطنية السورية كما فساد الفاسدين وجشع بعض التجار، ومع اقتراب تفعيل القانون الأمريكي " قيصر"، يتساءل بعض السوريين ألم يكن بالإمكان التنازل قليلا لتحاشي ما وصلنا إليه؟

لا بد من التنويه إلى أننا لسنا هنا لِندافع عن القيادة السورية مع أنها جديرة بذلك، فصمودها العسكري الذي حافظ على بنية الدولة ووحدة أراضيها باستثناء بعض المناطق التي لن يطول احتلالها، والصمود الاقتصادي والخدمي في الكثير من المفاصل المهمة كالتعليم والطبابة والخدمات المجانية أو شبه المجانية وغير ذلك، ولكننا سنضيء على بعض النقاط، ونقارن مع بعض الحالات السابقة لدول ولزعماء قدموا تنازلات مهمة للأمريكي، وماذا كانت النتيجة للدول وللزعماء معا.

دعونا نبدأ من القناعة السورية التي لخصها الرئيس السوري بشار الأسد عام 2010، حيث قال "إن تكلفة الصمود والمقاومة مهما بلغت تبقى أقل بكثير من تكلفة الخضوع والاستسلام"، من هذا المنطلق فإن سوريا التي كانت تعرف أنّها في سلم الاستهدافات الأمريكية، منذ أن رفض الرئيس الراحل حافظ الأسد اللحاق بالبقية، والتوقيع مع "إسرائيل" على ما سمي معاهدات سلام، والتي لو وقعت عليها سوريا لكانت مُعاناتها كمُعاناة الأردن وفلسطين الآن من انقلاب إسرائيلي على الاتفاقيات وضم للمزيد من الأراضي، منذ ذلك الوقت كانت القناعة السورية بأن الأمريكي ومَن معه سيواصلون استهدافها، وفي هذا السياق أتى اتهامها بقتل رفيق الحريري عام 2005، وذلك لافتعال مواجهة مع الجيش السوري في لبنان، لأنهم توقعوا أن ترفض القيادة السورية إخراج الجيش من لبنان ولكن خاب توقّعهم، لذلك أتت الخطوة الثانية المُتمثّلة بالحرب الإسرائيلية على المقاومة اللبنانية عام 2006 ومحاولة زج الجيش السوري فيها بشكلٍ مباشر، وما رافق هذين الحدثين الصاخبين من أحداث أقل صخبا، مثل التشويه الإعلامي والعقوبات المتواصلة منذ عقود وغير ذلك من وسائل الضغط.

من خلال ذلك أدركت سوريا أن الحرب عليها أصبحت أمرا لا مفر منه، كما أدركت أنها ستكون أمام خيارين، أولهما هو أن تستسلم وترضخ للإملاءات الأمريكية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتحمل تبعات هذا الاستسلام الذي لن يوقف استهدافها حتى تحقيق الهدف الصهيوني بتدمير وتقسيم الدولة السورية، والخيار الثاني هو أن يعمل الأمريكيون للوصول إلى نفس الهدف ولكن بالقوة، ولذلك قررت القيادة السورية الذهاب إلى خيار ثالث وهو الرفض والمقاومة، وجاء الرفض السوري نتيجة قراءة دقيقة للسلوك الأمريكي في مثل هذه الحالات، وقناعة بأن الأمريكي كلّما حصل على تنازل سيطلب تنازلا آخر، حتى الوصول إلى نهاية المُخطط. ولو استعرضنا التاريخ الأمريكي الحديث ورأينا ماذا حل بالقادة وبالبلدان التي رضخت للرغبات الأمريكية. لتأكّدنا من صحة القراءة وصواب القرار.

في عام 1980، أي بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، أوحت الولايات المتحدة الأمريكية للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بأن يشن حربا على إيران، ودعمته بواسطة أدواتها الخليجية بكل وسائل الدعم، ولم تكن غايتهم أن ينتصر أحد الطرفين، بل كانت تدمير الجيشين والدولتين معاً، ولاستكمال تدمير الجيش العراقي والدولة العراقية أوحت لصدّام حسين باحتلال الكويت، فكان ذلك الاحتلال مُبرِّراً للقضاء على القسم الأكبر من الجيش العراقي، وذلك بقرار أممي وبمشاركة معظم دول العالم وبقيادة أمريكية، ليأتي بعدها اختلاق موضوع السلاح الكيميائي الذي كان مُبرّرا لاحتلال العراق وجعله دولة فقيرة تتنازعها الولاءات والقوميات والطوائف، وكانت نتيجة كلّ ما قدّمه صدّام حسين هي أن تقوم الولايات المتحدة بإعدامه صبيحة عيد الأضحى عام 2006، وذلك في رسالة واضحة لكلّ الزعماء العرب والمسلمين.

ولو مشينا في الأحداث قليلاً سنجد أن الولايات المتحدة تخلت عن الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، الذي كان أداةً أمريكية، لِيصبح رئيسا مخلوعا يموت ويدفن في غير دولته، ولِتصبح تونس دولة تتنازعها التيارات والأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

أما في مصر فإن رئيسها الأسبق حسني مبارك كان حريصا على تنفيذ كل الرغبات الأمريكية، فأصبح سجينا قبل أن يموت، وعادت الأوضاع في مصر أسوأ مما كانت أيام مبارك.

نفس الأمر ينسحب على السودان ورئيسها السابق عمر البشير الذي قدم أهم تنازل، حين تخلى عن الجنوب ليكون محمية إسرائيلية.

ولو عرجنا على اليمن، التي لم يشفع لرئيسه السابق علي عبد الله صالح الرضوخ للأمريكي، ولم يشفع لليمن فقره وسوء أوضاعه، لأن المطلوب كان القضاء على حركة "أنصار الله" التي تحمل نَفَسا معاديا لـ"إسرائيل"، حتى لو كان الثمن تدمير اليمن على مَن فيه.

أما ليبيا فالوضع مختلف بعض الشيء، مع أن الرئيس السابق معمر القذافي تنازل عن كل الأسلحة الكيميائية الليبية، وعن البرنامج النووي، وعن القضية الفلسطينية، عن جبهة الصمود والتصدي وكان في الطريق لتقديم المزيد، لكن ذلك لم يمنع من قتله وتوزيع مشاهد القتل ليراها العالم ويعتبر ويخاف، وحال ليبيا الآن يعرفها الجميع.

وهنا نسأل سؤال العارفين، كيف يمكن أن يكون مصير سوريا، التي ناصبت العداء لـ"إسرائيل" منذ نشأتها، وخاضت معها الكثير من المعارك، ودعمت كل المقاومات التي انتصرت على "إسرائيل" في أكثر من موقعة، والتي تُعتبر الشوكة التي يصعب كسرها أو اقتلاعها من الحدود الشمالية لفلسطين؟