ما هو المطلوب من الحراك في لبنان؟
يزدادُ تأثير الدور الخارجي على الحراك في لبنان بشكل يبدو الجزء المطلبي منه، تائهاً الى حدود الضياع السياسي والاغتراب عن الواقع الوطني.
ما يؤكد هذه الإشكالية هو الصمت المطبق لأهل الحراك انفسهم على سلسلة مواقف أميركية وأوروبية وإسرائيلية تتعلق بدورهم وأهدافهم الى جانب تسلل قوى داخلية لبنانية اليهم تنفذ حركات شارعية خاصة بها، تخدم إصرارها على قيادة الطبقة السياسية الطائفية، انما بسلسلة مواربات لغوية توحي وكأنهم من قلب الحراك.
وهذا يهدّد استمرار الحراك كحركة مطلبية تريد إلغاء الطائفية السياسية والفساد السياسي وتطمح الى قانون انتخابات على اساس الدائرة الوطنية الموحّدة.
البداية هنا، مع آخر برامج العمل الاخوية التي أطلقها سفير أميركا السابق في لبنان جيفري فيلتمان على منبر الكونغرس، مشيداً بالحراك اللبناني على اساس انه قوة محلية تريد انتزاع لبنان من مخالب الإرهاب الإيراني وسلاح حزب الله. واعتبر ان لبنان مهدّد بالانهيار السياسي والاقتصادي إذا لم يستجب سياسيّوه لمطالب الحراك وأولها حكومة تكنوقراط ونزع سلاح حزب الله وحماية اسرائيل عبر تطبيق القرار الدولي 1701 الذي ينص على سحب كل ما له علاقة بحزب الله من خط الحدود مع فلسطين المحتلة بعمق لبناني الى حدود الستين كيلومتراً متوعّداً بوقف الاستثمارات الغربية والخليجية في لبنان ومنع توظيف اللبنانيين في الخليج، وتوقيع عقوبات اقتصادية قاتلة على لبنان، لأن المطلوب بموجب فيلتمان، حكومة تكنوقراط من اهل الحراك اللبناني بقيادة سعد الحريري تمنع حزب الله من التدخل في موضوع اتفاق إسرائيلي لبناني على اقتسام آبار النفط عند الحدود البحرية للبنان مع الكيان المحتل، مع تسليم الحفر والاستثمار لشركات أميركية والتعهد بإبقاء النازحين السوريين على الأراضي اللبنانية والامتناع عن أي علاقات مع سورية.
هذا ما يريده فيلتمان، فهل هذا هو مشروع الحراك اللبناني، كما يقول فيلتمان؟ وهل يقبل هذا الحراك بعريضة وقعها 240 نائباً من الكونغرس الأميركي طالبوا فيها بضمان أمن إسرائيل ؟ وبالتالي تجريد حزب الله من سلاحه وإسقاط ما أدعوه من مشروع إيراني في الشرق الأوسط.
كما أن إسرائيل أيدت الحراك اللبناني، وكذلك السعودية التي تصرّ على انتخابات مسبقة في بلاد الأرز، علماً بأن آل سعود لا يعرفون معنى الانتخابات ولا يطبّقونها في بلدانهم حيث الوراثة والقرون الوسطى والحرية بحد السيف هي السائدة حتى إشعار آخر.
لناحية اوروبا، فإن معظم بلدانها تريد تسوية سياسية في لبنان إنما على قاعدة أمن إسرائيل البري والمهدّد من إرهاب إيران وسلاح حزب الله.
لذلك عندما اقترح أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بضرورة انفتاح لبنان اقتصادياً على الصين وروسيا وإيران، إنما كان يردّ على تحذيرات أميركية بشكل مسبق، كانت ترده معطياتها من مصادر دولية، وبالفعل يعتبر الخبراء أن الدواء في اقتراح السيد الوحيد الذي بوسعه مجابهة التهديدات الأميركية والحرص على سيادة لبنان واستقراره.
وإذا كان هناك قسم أساسي من الحراك ينتمي الى الفئات الطبقية الوطنية فإن القسم الأكبر من منتحلي صفته، يعملون على تدمير الاستقرار الوطني الذي بناه حزب الله بمجابهة اسرائيل منذ 1982 حتى 2016، وتحالفه مع العماد عون في كنيسة مار مخايل الشهيرة، التي أمنت هذا الاستقرار حتى 2019 وسط اضطرابات كبيرة تجتاح العالم العربي بأسره والجوار المباشر.
وهذا واضح في تسلل أحزاب القوات اللبنانية والاشتراكي والمستقبل الى الحراك، وسيطرتها على اسمه، وإقفال طرقات المقاومات التي تربط بيروت بالجنوب والبقاع على أيدي جماعات جنبلاط الاشتراكية وخط الرينغ – الكورة من قبل القوات لصاحبها جعجع، أما اخطر الحركات فاستعمال مناطق صيدا والبقاع الغربي وعكار وطرابلس كنقاط للتجييش المذهبي عبر انتحال اسم الحراك والاختباء في عباءته من قبل حزب المستقبل. فكلما تضايق الحريري في مفاوضاته وابتعدت عنه رئاسة الوزراء كان يضخ سياسات التحشيد في هذه المناطق ويؤلبها مذهبياً.
للتوضيح، فإن هذه الأحزاب طائفية ومتّهمة بأكبر فساد سياسي في تاريخ لبنان ومرتبطة بالخط السعودي الأميركي، وبعضها لديه روابط مع اسرائيل .
لذلك فإن أضعف الإيمان من الجناح الأصلي للحراك أن يصدر بياناً يستنكر ما قاله فيلتمان والكونغرس والسعودية مصراً على سلاح المقاومة ودورها في الاستقرار الوطني وهزيمة الارهاب.
كما أن على الحراك أن يتبرأ من التسلل الجنبلاطي الحريري الجعجعي الكتائبي، معلناً أنه لا يقبل بأي تحالف مع هذه القوى الطائفية التي تستثمر في الأحياء والأموات والأوطان ومصالح الطبقات والفئات.
وبذلك يستطيع الحراك أن يطالب بالتغيير السياسي ويصدقه الجميع عندما يرفض الادوار الطائفية الكامنة، ونصائح فيلتمان وتحيات اسرائيل ، وبوسعه التيقن أن سلاح المقاومة حريص على الأمن الوطني والحقوق السياسية والاقتصادية والطبقية والاجتماعية لكل اللبنانيين.