ما حقيقة المفاوضات السرية بين أميركا وحركة أنصار الله؟
تمويهاً للواقع والحقيقة، كان الإعلان من قبل الخارجية الأميركية بأنها تخوض محادثات سرية مع حركة أنصار الله اليمنية بهدف إيجاد حلّ للأزمة اليمنية. توقيت ومكان تصريحات مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، جاءا خلال زيارته الى المملكة العربية السعودية، ما يعكس دلالات فرض القرار الأميركي على السعودية المتخبّطة بالهزائم في المستنقع اليمني.
حاول شينكر ان يحدّد ماهية المحادثات أكثر، بقوله بدأنا إجراء محادثات بقدر الإمكان مع الحوثيين في محاولة لإيجاد حلّ تفاوضي مقبول بالنسبة للجميع بشأن النزاع .
ثم أردف يقول نحن نعمل مع المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، ونقيم اتصالات مع شركائنا السعوديين .
تصريح فيه من الغموض ما يدفع الى طرح الكثير من الأسئلة، هل هي محادثات أو مفاوضات؟ وكيف تجري؟ ومَن يُجريها؟ وأين؟ وكيف؟ وما هي الشروط المطروحة؟
وفقاً لمصادر متابعة، فإنّ المحادثات الجارية هي غير مباشرة بين الأميركيين وحركة أنصار الله، ساحتها سلطنة عُمان، ويديرها رئيس الوفد اليمني المفاوض والناطق الرسمي باسم الحركة محمد عبد السلام، بمساعدة عضده الأيمن عضو الوفد المفاوض عبد الملك العجري.
وللتوضيح أكثر، فإنّ ما يجري هذه الأيام، ترتيبات لمفاوضات محتملة، مع مناقشة شروط حركة أنصار الله للقبول بالمفاوضات، فإنْ أذعن الأميركي لها، يبدأ التفاوض وإلا فلا.
تتولى سلطنة عُمان بشكل أساس، المحادثات التمهيدية غير المباشرة، بين الحركة وواشنطن، وتجري الحركة على جنباتها، اتصالات، مع دول أوروبية، تمثل بعضها في لقاء السفراء الأوروبيّين الذي عقد في الخارجية الإيرانية في طهران وقيل إنه يأتي في إطار مشاورات الجمهورية الإسلامية الإيرانية بغية الحلّ السياسي لأزمة اليمن، وشارك فيه وفد إيراني برئاسة مساعد وزير الخارجية في الشؤون السياسية الخاصة علي أصغر خاجي وهو من كبار الدبلوماسيين الهامين ووفد من أنصار الله برئاسة المتحدث بإسم أنصار الله محمد عبد السلام وسفراء ورؤساء ممثليات أربع دول أوروبية هي بريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا.
أعقب ذلك تعيين صنعاء ابراهيم الديلمي، سفيراً فوق العادة ومفوضاً في الجمهورية الاسلامية الإيرانية.
أحداث لا تنفصل عن بعضها لا سيما إذا ربطناها، بلقاء عبد السلام، بنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، وإجرائه اتصالاً بالسفير الصيني لدى اليمن، ثم لقاء بسفير بريطانيا في اليمن مايكل آرون.
اذن، نفي عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله محمد البخيتي لوجود مفاوضات مع الأميركيين، كان صحيحاً، لأنه ليس هناك من مفاوضات مباشرة فعلاً، اما التصريح الأدق بهذا الشأن، فجاء من العجري، بقوله إنه بـ فرض حصول أيّ حوار مع الولايات المتحدة فسيكون باعتبارها جزءاً من الحرب وتملك الكثير من مفاتيح إيقافها ، مضيفاً «إننا ننظر للدعوات الأميركية بنوع من الريبة ونشك في جديتها ودوافعها سواء انتخابية أو للتخلص من ضغوط الرأي العام أو لإبراء الساحة الأميركية».
المهمّ في الأمر، أنّ طلب اجراء مفاوضات سرية مباشرة بين السعودية من جهة وحركة أنصار الله من جهة ثانية، جاء بطلب من الولايات المتحدة الأميركية وليس من صنعاء، لأسباب ابرزها:
وصول الإدارة الأميركية الى قناعة بأنّ الحلّ لن يكون عسكرياً في اليمن، وكلما طال الوقت كانت الهزيمة الكبرى للسعودية في الساحة اليمنية أقرب. وترامب يريد إخراج نفسه وأتباعه السعودية والامارات من مأزق اليمن بعد ان بدأت صواعق اليمنيين تحرق المطارات والمواقع العسكرية والمحطات النفطية السعودية والإماراتية، ما يهدّد بإسقاط نظاميهما، وتكون أميركا و اسرائيل الخاسر الأكبر.
الرئيس دونالد ترامب يعمل على ترتيب أوضاعه تمهيداً للانتخابات الرئاسية وهو لا يريد أن يفاجَأ بأيّ طارئ، لذا هو يعمل على إيجاد تسوية «هرب» من أفغانستان مع طالبان، ويكثف جهوده للحصول على نتيجة مع نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ اون، ويكثف الضغوط على طهران، لإخضاعها، ويسرّع في العمل لطرح «صفقة القرن».
أهداف تدركها صنعاء جيداً، ولا تريد أن تبيع لترامب إلا بالأغلى، خاصة أنّ الطلب الأميركي بالمفاوضات يأتي في أعقاب هزائم السعودية في اليمن، وتصدّع وتشقق تحالف العدوان وآخره صراع النفوذ الإماراتي السعودي في جنوب اليمن، وتحوّل اليمنيين من موقع الدفاع الى موقع الهجوم.
أمام هذه الحقائق فإنّ اليمنيين يشترطون قبل بدء المفاوضات:
1 – التأكد من انّ الأميركيين، جاهزون لإنهاء العدوان.
وقال عضو الوفد المفاوض عبد الملك العجري في اتصال أجريته معه شخصياً ، نحن نعتبر التفاوض معهم الأميركيين طبيعي، لأنهم القيادة الفعلية للعدوان مع الرياض، لكن لم تتأكد لدينا جدّيتهم بعد، بأنهم جاهزون لإنهاء العدوان، وليس فقط لإبراء ساحتهم ، وعندما سألته، وإنْ تأكدتم من جديتهم هل تبدأ بعدها المفاوضات؟ أجاب عندها لكلّ حادث حديث .
2- وقف العدوان ورفع الحصار عن اليمن بما فيه مطار صنعاء، قبل البدء بالمفاوضات.
3 – التفاوض لا يكون مع السعوديين بل مع الأميركيين.
4 – توفير مظلة دولية للمفاوضات، دورها، تأمين الضمانات لتنفيذ ما يتمّ الاتفاق عليه، لأنّ ترامب والسعوديين لا يفون بالتعهّدات . وهناك رأي عند بعض مسؤولي حركة أنصار الله أن يُصادق على أيّ اتفاق محتمل في مجلس الأمن الدولي.
بكلّ الاحوال وبمجرد ان تجبر أميركا الراعي الرسمي للعدوان على اليمن منذ خمس سنوات على طلب مفاوضات مع أنصار الله، فهذا يعني:
1 – اعتراف أميركي بحركة أنصار الله كقوة شرعية يمنية، وبأنها قوة تفاوض بشكل ندّي مع الأميركيين لا من موقع ضعف.
2 – إقرار أميركي بأنّ من انتصر في العدوان على اليمن هم اليمنيون وحركة أنصار الله، ولو كانت الغلبة لتحالف العدوان لما اضطر الرئيس ترامب على طلب المفاوضات بل كان أكمل العدوان حتى أكمل القضاء على اليمن وأهله، والدليل انه حصلت مفاوضات عدة مرات سابقاً، وأسفرت عن اتفاقات، وكان ينقضها الأميركي واتباعه في التحالف العدواني.
3 – فشل منظومات الدفاع الجوي الأميركية الأكثر تطوّراً في صدّ وكشف صواريخ أنصار الله البالستية وطائراتهم المسيّرة التي وصلت الى أقصى الأراضي السعودية والإماراتية، واستهدفت مطارات ومواقع نفطية وعسكرية حيوية. وفي المقابل انتصرت وتفوّقت التقنية البالستية اليمنية، والطائرات المسيّرة المحلية الصنع.
اذن حركة أنصار الله لن تبدأ مفاوضات الا إذا ضمنت الحق اليمنيين وإعادة الحق الى أهله.