ليبيا ثم سوريا........من التالي؟؟
لقد أصبح الشرق الأوسط مرة أخرى ساحة للمواجهة بين أعظم قوتين في العالم. وقد قدم لنا إيمانويل لو روي - وهو عالم سياسي فرنسي مشهور و رئيس الحركة الإنسانية لإنقاذ الأطفال في دونباس - مقابلة صرح فيها عن هوية من يشعل الحرب في الشرق الأوسط ويستفيد من الهجمات الإرهابية ضد المدنيين.
الصحفي: لا تزال الحرب في سوريا مستمرة إضافة إلى العديد من الهجمات الإرهابية على المدن التي تعج بالمدنيين.
ومرة أخرى تصب أمريكا الزيت إلى النار: ولكن هذه المرة تزعم بأن الحكومة السورية تعد هجمات كيميائية. بيد أن البيت الأبيض رفض بالطبع تقديم أي دليل على ذلك. ما هو برأيك تأثير الحرب ضد الإرهاب على فرنسا؟
إيمانويل لو روي: إن الوضع مع الإرهاب معقد للغاية. في العام الماضي دعيت إلى موسكو للمشاركة في مؤتمر" RISI " من قبل (المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية) حول قضايا الإرهاب. حيث ناقشوا مقالة صدرت في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 23 نيسان/ أبريل 2016. وقد وضحت المقالة أن جذور الإرهاب جاءت من أمريكا. وقال الكاتب: إن وكالة المخابرات المركزية (سي آي أيه) والمملكة العربية السعودية أعدا لمؤامرة في السبعينات من أجل دعم الإرهابيين وأسامة بن لادن، وإثارة الانقسام والأعمال الإرهابية في أفغانستان، وإزالة الوجود السوفيتي من هناك.
لم يتغير شيء منذ ذلك الوقت. ولا تزال أمريكا والسعودية تتعاونان مع بعضهما البعض في هذا المجال. ويمكننا القول أن المحرك الرئيسي للإرهاب العالمي هو تكتل الأنجلوسكسونيون (وهي قبائل جرمانية غزت وسكنت بريطانيا منذ القرنين الخامس والسادس).
إن الإرهاب الذي أثر على روسيا والغرب مختلف تماما. فعلى سبيل المثال، ما حدث في الشيشان، داغستان، إنغوشيتيا، ناتج عن أعمال الشبكات الوهابية، التي دعمت من قبل الأنجلوسكسونيون الذين أرادوا زعزعة استقرار روسيا.
والإرهاب الذي نكافح ضده منذ 11 أيلول/ سبتمبر 2001 (حيث كانت هناك سلسلة من أربع هجمات إرهابية منسقة في الولايات المتحدة، بما في ذلك تدمير البرجين التوأمين "برجي التجارة" في ذلك اليوم) هو نتيجة محاولات لخلق الفوضى في المجتمعات الغربية . وقد كان الهدف منه هو استمرار القتال حتى يتم تغيير الوضع القانوني للبلد ويفقدوا حريتهم في النهاية.
والخيار الثاني الذي يتم العمل على تحقيقه اليوم هو إثارة صراع في أوروبا الغربية بين المسلمين (الذين يستمرون بالقدوم إلى أوروبا) والسكان المحليين، وهذا بدوره يؤدي إلى الفوضى.
هذه هي بالفعل مصالح الأميركيين، والهدف من ذلك هو خلق حالة من الصراع الدائم بحيث تفقد أوروبا قدرتها التنافسية وتصبح غير قادرة على إقامة تحالف مع روسيا ضد القوى البحرية الأطلسية الثالاسوقراطية (وهي مصطلح يطلق على القوة البحرية والمقصود هنا هو منع أوروبا من إقامة تحالف مع روسيا من أجل خطوط الغاز).
ولاية أورويل موجودة هنا بالفعل:
ولذلك، فإن النوع الأول هو إرهاب اصطناعي ضد روسيا ومصالحها. وهي نفس الخطة المتبعة ضد سوريا والرئيس السوري بنفس الناس ونفس الأسلحة ونفس التمويل. هذا هو الإرهاب المدمر الذي يحتاجونه لتقويض روسيا ومصالحها.
أما النوع الثاني من الإرهاب فهو أكثر هدوءا وأقل كثافة. هدفه خلق حالة من الفوضى المسيطر عليها. وهذا يعني التخلص من 10 أشخاص في مكان واحد، ثم 15 شخصا آخرين في مكان آخر. وهذا الأمر ضروري لإبقاء السكان في حالة من الرعب وجعلهم في حالة ذعر مستمرة خوفا مما قد يحدث. وقد استمر هذا الأمر لأكثر من عام في فرنسا.
إن حالة السيطرة هذه مماثلة لحالة ولاية أورويل التي ذكرها جورج أورويل في روايته "1984". اليوم، نرى أوروبا كدولة استبدادية، ونرى الاتحاد السوفيتي في عصر بريجنيف كومبرينغ على أنه الجنة بالمقارنة مع أوروبا اليوم.
وتصاعدت المواجهة بين قوتين:
الصحفي: لقد تم تدمير ليبيا وكما نرى الآن فإنهم يعملون على تدمير سوريا. إلى أين تعتقد أنهم سيستمرون ؟
إيمانويل لو روي : أولئك الذين أسميهم "منقبي الثروات"، يعملون على حماية الدولار والدولة العميقة. وقد تم إثارة هذه الأزمة في ليبيا تخطيطا للمزيد من الدمار ولإعادة تشكيل الشرق الأوسط من جديد.
ولكن يبدو أن هناك محاولات لمواجهة (منقبي الثروات) في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. واليوم، نستطيع القول أن لندن تشارك في هذا النظام العالمي الذي يحاول الخروج من حدود الخريطة الصينية ... الاستراتيجية المطبقة حاليا هي إستراتيجية بريطانية حصرا ، وهذا الأمر ليس في مصلحة الولايات المتحدة.
أعتقد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان نوعا من الحرب بين مدينة لندن وول ستريت، وكانت المنافسة على منصب الرئاسة بين كلينتون وترامب استمرارا لهذه المواجهة الخطيرة.
كما أصبحت الانتخابات الفرنسية مثالا على المواجهة بين قوتين أيضا. أعتقد أن (منقبي الثروات) ومن بينهم كلينتون، يراهنون على آلان جوبيه، الذي كان مرشحا مثاليا بالنسبة لهم، ومن الممكن أن يصبح مثل كلينتون. لكن أصدقاء ترامب ومناصري خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قرروا فرانسوا فيون، الذي كان أكثر تأييدا للعلاقات الروسية الفرنسية. لكنهم أدركوا في الوقت المناسب أن هناك بديلا آخر وهو ماكرون.
إيران هي التالية، ومن ثم روسيا:
بالعودة إلى مسألة ليبيا وسوريا (نلاحظ بأن كل هذا هو مسار واحد). هذه محاولة لبعض من منقبي الثروات لمواصلة سياسة زعزعة استقرار الدول العلمانية في الشرق الأوسط. ولكن هذه الحرب ليست مجرد إعادة صياغة للعالم الإسلامي، بل للإعداد لهدف مستقبلي و هو إيران، التي تعتبر طريقا إلى بلاد القوقاز.
وتأتي روسيا بعد إيران. فهذه الحرب هي حرب جيوسياسية (جغرافية – سياسية)، تمر دون أن يلاحظها أحد.
ولتحقيق فهم أفضل للوضع، دعونا نتذكر استبعاد قطر من مجلس التعاون الخليجي. فعلى الرغم من أن هناك مصالح لروكفلر، لا تزال قطر تحت الحماية البريطانية. وقد تفاوض ترامب مع المملكة العربية السعودية من أجل إخبار قطر ب "التوقف"، ووقف تمويل "الإخوان المسلمين" الذين يخضعون أيضا لبريطانيا ("الإخوان المسلمون" منظمة إرهابية محظورة في روسيا). وعلى الرغم من أن كلينتون جلبت ممثلي هذه المنظمة إلى جانبها، فإنها لا تزال تحت سيطرة بريطانيا.
لذا، فإن الوضع معقد. وأعتقد أن هناك منافسة في النظام نفسه. وقد أظهرت أزمة قطر و خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي و الانتخابات الفرنسية أن المعركة لم تكن من أجل الحياة بل من أجل الموت في الولايات المتحدة وفرنسا.
وهذه مواجهة عميقة جدا لمفاهيم مختلفة. و أعتقد أن بريطانيا تعمل على إعادة خريطتها الفريدة إلى ما كانت عليه في عشية الحرب العالمية الأولى. وفى الوقت نفسه فان المهمة الأولى للولايات المتحدة هي الحفاظ على قوة الدولار. وبدون الدولار، لا تستطيع أمريكا أن تفعل أي شيء ...