ليبيا.. بوابة روسيا الجديدة اعلى أوروبا
استضافت ألمانيا مؤتمراً دولياً شاركت فيه 12 دولة، وممثلو خمس منظمات دولية، يهدف إلى دفع أُسُس السلام قُدُماً في ليبيا، والتوصّل إلى آليةٍ لوقف إطلاق النار تمهيداً لبدء مسار حلٍ سياسي.
ومن أبرز ما توصَّل إليه المؤتمِرون في برلين، الالتزام التام بالتوصّل إلى حلٍ سلمي للأزمة في ليبيا، وتعهّد قادة الدول المُشارٍكة في المؤتمر بعدم التدخّل في الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا، وكذلك دعم حَظْر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.
وبالرغم من الآمال التي أشاعتها أجواء المؤتمر وقول السيِّدة أنجيلا ميركل إن "الحل في ليبيا سياسي وليس عسكرياً"، إلا أن الدعم الدولي والإقليمي لكلا الطرفين، بالإضافة إلى القرار الذي اتّخذه البرلمان التركي بالموافقة على مُذكّرة تفويض رئاسية لإرسال قوات تركية إلى ليبيا، لدعم الحكومة المُعترَف بها دولياً في طرابلس برئاسة فايز السرّاج، بالإضافة إلى انتشار صوَر وفيديوهات عبر وسائل التواصُل الاجتماعي، تُشير إلى نقل مقاتلين سوريين ينتمون إلى الجيش السوري الحر من إدلب إلى ليبيا للمُشاركة في القتال، بالإضافة إلى تدخّلٍ روسي عسكري عبر مجموعات من المُرتَزقة (مجموعة فاغنر) لدعم حفتر... كلها، تؤكِّد أن مسار الحل السياسي سيكون بعيداً، وأن السيناريو السوري قد يكون هو المُرجَّح.
وعليه، ما هي الأهداف التي قد تدفع روسيا إلى تكرار السيناريو السوري في ليبيا؟
بالرغم من أن الروس يُعلنون أنفسهم كوسيطٍ مُحايدٍ في ليبيا، إلا أن الدعم الروسي للجنرال حفتر بات واضحاً عبر فيتو روسي في مجلس الأمن. وقد يكون للروس أهداف عدَّة في التدخّل في القضية الليبية اليوم، أهمّها:
أولاً، إن النجاح الذي حقَّقوه في سوريا، يُغري الروس للتدخّل في أماكن أخرى في العالم، وقد شهدنا الدعم الذي قدَّمه الروس للرئيس الفنزويللي نيكولاس مادورو والذي كان من جُملة الأسباب التي دفعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التراجُع عن التهديد بالخيار العسكري.
ثانياً، يشعر بوتين بالحاجة إلى التدخّل في ليبيا والتأثير على الأحداث فيها بعد "الخطأ الاستراتيجي" الذي ارتكبه الروس خلال عهد الرئيس ميدفيديف بالامتناع عن مُمارسة حق الفيتو في مجلس الأمن، لمَنْعِ إقرار القرار 1973، والذي أتاح لحلف الناتو التدخّل عسكرياً في ليبيا والإطاحة بالقذافي.
ثالثاً، بالإضافة إلى قيمتها الاستراتيجية في شمال أفريقيا، ووجودها على البحر المتوسّط، تشكِّل ليبيا بلداً هاماً للدول الأوروبية، خاصة لإيطاليا، التي تُعاني من الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسّط انطلاقاً من ليبيا. إن قُدرة الروس على تكرار السيناريو السوري في ليبيا، وتكريس النفوذ الروسي هناك كضامِنٍ للاستقرار، يشكِّل رافِعة للروس في أية مفاوضات مُستقبلية مع الاتحاد الأوروبي القَلِق أمنياً.
رابعاً، لطالما تحدَّث الروس عن سعيهم لمُحاربة الإرهاب المُتطرِّف خارج الحدود الروسية، وقبل وصوله إلى الداخل، وهو ما يجعل خيار التدخّل العسكري مقبولاً ومُحتَملاً. واقعياً، ومن دون إغفال العامل الإرهابي، إن احتمال أو إمكانية تأسيس قاعدة عسكرية روسية في ليبيا، تُضاف إلى قاعدة حميميم في سوريا، يجعل الروس مُنافسين خطرين لحلف الناتو في المتوسّط.
خامساً، كما باقي الدول الأخرى، يطمح الروس إلى استثماراتٍ هائلةٍ في النفط الليبي. خلال عهد القذافي، قام الروس بشَطْب مليارات الدولارات من ديون ليبيا التي تعود إلى الحقبة السوفياتية في مقابل منحه الضوء الأخضر لشركات النفط الروسية لدخول قطاع الطاقة. في أواخر شباط/فبراير من عام 2017 ، وقَّع رئيس المؤسَّسة الوطنية الليبية للنفط اتفاقية تعاون مع شركة "روسنفت". يطمح الروس اليوم إلى حصَّة أكبر من تلك الاستثمارات.
في المُحصِّلة، لا شكّ أن للدول الكبرى خياراتها واهتماماتها في ليبيا كبلد نفطي وذي موقع استراتيجي، لكن ما يجعل القضية الليبية تختلف عن السورية، ويُقلِّل من قُدرة الروس الاستفراد بالنفوذ الدولي فيها، هو تبايُن التحالفات الدولية مع القوى المحلية، فالغرب مُنقَسِم في ليبيا بعكس ما كان عليه في سوريا، والدول الإقليمية التي تتصارع على زعامة العالم السنّي، مُتباينة الأهداف في ليبيا بعكس بداية الأزمة السورية، وهو ما يجعل قواعد اللعبة تتبدَّل وتختلف عما كانت عليه في سوريا.