التصعيد الإسرائيلي على سوريا... لن يمر دون ردّ

05.06.2019

الغارات المستمرّة على سورية ليست ذات أهداف عسكرية فقط، وليست لتصيّد شحنات سلاح أو استهداف مواقع قيادية لقوى المقاومة وإيران حصراً. فهي في كثير منها لهذا الغرض، لكن على خلفية الإدراك المسبق بمحدودية الأثر العملياتي للغارات في الحد من قدرات المقاومة وسورية وإيران في إنشاء معادلات القوة بوجه «إسرائيل»، لأن الإصرار والمثابرة في مراكمة المقدرات لدى قيادة المقاومة لا مجال للتراخي فيهما، كما هو الحال في غزة واليمن سباق مفتوح وسجال متواصل، يصيب أحد طرفيه مرة ويخيب مرة، والحاصل مراكمة قوى المقاومة للمزيد كماً ونوعاً مما تريد وما تحتاج، وبالتالي مع زمن مفتوح يصير العائد التأخيري الذي تؤديه الغارات بمفعول تكتيكيّ وليس بنتائج استراتيجية، ولذلك يجب النظر إلى الإطار الاستراتيجي للنزال والسجال العسكري.

 الرد على الغارات الإسرائيلية كان دائماً في مدّ وجزر، ففي مرات كانت ردود نوعية وقاسية ومرات كانت ردود تفتح الباب للانزلاق لمواجهات مفتوحة، كليلة الصواريخ على مواقع الاحتلال داخل الجولان المحتل في مثل هذه الأيام من العام 2018، أو عملية مزارع شبعا النوعية في مطلع عام 2015، وفي مرات كان التهديد يتكفّل بلجم التمادي الأميركي والإسرائيلي كحال البيان الذي أصدرته غرفة عمليات حلفاء سورية عام 2017 في تهديد الأميركيين ومطلع عام 2018 بتهديد الإسرائيليين، ومرات كان بنصب أفخاخ للغارات كان أهمها إسقاط الطائرة الإسرائيلية مطلع عام 2018، لكن في مرات كثيرة كانت الغارات تمضي دون ردّ، وكان الأمر عائداً لأحد سببين، إما وجود قراءة لدى سورية وقوى المقاومة بأن الغارات ذات طابع إعلامي تعبوي يشكل الرد عليها مساهمة في تحقيق أهدافها، أو أن الغارات تأتي في توقيت سياسي يرتبط بمحاولة لحرف الروزنامة الإقليمية أو السورية لمحور المقاومة عن معارك أشد أهمية.

 مراقبة المرات التي كان يرد فيها محور المقاومة وشروط توافرها ومستوى الرد فيها، تدحض كل المزاعم عن يد إسرائيلية طليقة في سورية، يكفي لرؤية القيود التي تحيط بها النظر في معاني امتناع «إسرائيل» عن انتهاك الأجواء السورية منذ تاريخ سقوط طائرتها الحربية، لكن هذه المراقبة ستسمح بالتعرف على العناصر التي يرتب توافرها تحقق شروط الردّ التي تخضع لحسابات واستراتيجيات وتكتيكات محور المقاومة، وفي مقدّمتها الحسابات السورية، والتي يشكل كل مسعى إسرائيلي لتعديل قواعد الاشتباك أبرزها، خصوصاً عندما يرتبط بمحاولة تجميع أوراق تفاوضية أو تعزيز وضع تفاوضي في قلب المعادلة المحيطة بالحرب على سورية، أو بمعادلات القوة بين معكسر قوى المقاومة من جهة والمعسكر المعادي الذي تقوده واشنطن وتشكل تل أبيب رأس حربته وحكومات الخليج خلفيته المالية وأداته السياسية.

هذه المرة تأتي الغارات متعددة المرامي، فالمحاولة للتأثير على المعارك التي يخوضها الجيش السوري لا تغيب عنها، لكنها العنصر الأقل حضوراً بالقياس لمحاولات الرد على خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في رسم قواعد الاشتباك المحيطة بقضية التصعيد الأميركي الخليجي بوجه إيران من جهة، وبقضية الصواريخ الدقيقة، التي تقول «إسرائيل» إنها تشن الغارات لمنع نقلها وتموضعها، من جهة أخرى، وهذا ما يجعل الغارات أقرب ما تكون في الزمن السياسي إلى غارات القنيطرة مطلع عام 2015 التي استشهد فيها القيادي المقاوم جهاد عماد مغنية، وجاءت رداً على خطاب مشابه للسيد نصرالله، ومحاولة لفرض قواعد اشتباك جديدة من جهة، وتمهيداً لتحسين وضع «إسرائيل» التفاوضي قبيل التوقيع الأميركي على التفاهم النووي، ما استدعى رداً نوعياً حازماً حاسماً في مزارع شبعا فرض على «إسرائيل» الحديث عن احتواء الغضب وأجبر واشنطن على الاعتراف بالضربة الموجعة والدعوة لعدم التورط في حرب، وربما يتحسس القادة الإسرائيليون الآن رقابهم تحفزاً للصفعة الآتية، في توقيت وسياق ومكان تقرّره قيادة محور المقاومة.