التدمير الممنهج للثقافة المحلية عن طريق العولمة...ومقاومة التفكك الإيديولوجي في سوريا
"هم يريدون أن ننسى أوطاننا و قضايانا و تاريخنا و حضارتنا و بث اليأس في نفوسنا من خلال استهلاك عاداتنا و تقاليدنا و تراثنا و ماضينا و حاضرنا، ونحن نقول لهم، لن ننسى دياناتنا السماوية و رسلها و ما حملته من قيم و معتقدات تدعو إلى المحبة والإخاء والإنسانية وبر الوالدين والتسامح والوفاء والتضحية والإيثار ولن ننسى حزبنا وأحزابنا القومية والوطنية ورموزها وما قدموه لهذا البلد من رفعة و منعة وما قدموه للعمال و الفلاحين من ثبات واستقرار وما قدموه للمرأة من مكانة و دور فاعل، عكس الغرب الذي حولها إلى سلعة تباع و تشترى، ولن ننسى مؤسساتنا الوطنية التي تحافظ على حدودنا و على أمننا واستقرارنا، ولن ننسى منظماتنا والدور المنوط بها.
ولن ننسى قضايانا التي دفعنا الثمن الغالي من أجلها في فلسطين والجولان واللواء والأراضي العربية المحتلة، لن ننسى شيوخنا وحكمتهم الكبيرة وعطاءهم المستمر، ورجالنا وقوتهم، وشبابنا المحافظين المتجددين، صنعوه في مجتمعاتنا من فساد و إفساد، لنتذكر أن هناك أشخاص يصنعون من المنصب قيمة كبيرة فمهما كان الكرسي صغير فهم يكبروه ويظلون كبار بعد انتهاء عملهم في هذا المنصب وأن هناك أشخاص مهما كبر الكرسي يصغروه و بالتالي لن ننسى أن نكون أوفياء لك من قدم خيراً لبلدنا في تقييم عقلاني بعيد عن الحقد و الكراهية، ولن ننسى منظوماتهم للإفساد و التهديم والتدمير والأدوات التي ساعدتهم لقتلنا و سلبنا واستنزاف ثرواتنا المادية والمالية والبشرية وأخيرا لنتذكر ونذكر الآخرين أن سورية قلب العروبة النابض، و نبع الإنسانية، يمكن أن تميل قليلاً مع العواصف الكبيرة، و لكن لا يمكن أن تنكسر، لأن انكسارها يعني نهاية العالم و التاريخ".
إن التحول المتسارع الكبير والكثيف نحو الاستهلاك الحالي الهائل نحو الأساسيات أو الكماليات لم يأت من فراغ، وإنما كان نتيجة لاستراتيجيات وضعت من قبل الكوادر المؤهلة والمتخصصة في العالم الغربي، و العالم الامبريالي الليبرالي نتيجة لقراءة و دراسة عميقة ومكثفة لبنية مجتمعاتنا من كافة النواحي، وخاصة النواحي الثقافية والفكرية التي أسهمت في القرن الماضي في تبلور و تكريس و تجسيد مبادئ وقيم وعادات وتقاليد نتيجة تأثير محصلة تفاعل التعاليم السماوية والتطورات الحضارية والتاريخية، معرقلة للفكر الامبريالي الاستعماري بأنواعه المختلفة، وأهدافه الواحدة والمتمثلة في استمرار عملية التبعية المطلقة التامة له، والدونية تجاهه، واستمرار العمل بالمعادلة التي تنص على أننا سوق استهلاكية لمنتجاته من جهة، ومستودع ومركز للمواد الأولية ذات الأسعار الزهيدة التي يجب أن تبقى أولية، ويمنع بمختلف الأساليب والأدوات الوصول إلى تنمية قادرة على الارتقاء، و الاستمرار، والتوازن، بحيث نستطيع الاعتماد على النفس من أجل الوصول إلى الاكتفاء شبه الذاتي الذي يؤدي إلى خلخلة في توازن مجتمعاتهم و انتشار أمراض مدمرة كالبطالة و غيرها، وعلى العكس من ذلك كانت الرؤية الغربية والتي تقول عوضاً عن دراسة مدى حاجة هذه المجتمعات و بدلاً من القيام بدراسة الجدوى الاقتصادية يجب الوصول إلى مرحلة تكون المجتمعات الأخرى سوقاً لتسويق منتجات هذه الآلات بعد أن تبدأ في الإنتاج مهما كان نوع الإنتاج، وبالتالي يجب الوصول إلى اللا وعي ، وإلى الاستهلاك الغرائزي، ومن أجل الوصول إلى هذا الموضوع لا بد من تفريغ المجتمعات الأخرى من كافة القيم و العادات والتقاليد والفنون والاتجاهات الفكرية والإيديولوجية المتجددة، والتي أدت وتؤدي إلى تبلور سياسات تنموية اقتصادية و اجتماعية وثقافية و فكرية، وإلى قيام قوى واقعية عقلانية موضوعية ممانعة لكافة أشكال السيطرة و التبعية و الغزو، إن كان غزواً عسكرياً أو غزو سياسياً أو غزواً ثقافياً أو غزواً فكرياً.
هذه القوى القادرة على أن تكون القائدة لإبداع مجتمعاتها و استمرارية النمو والتنمية واستقلالية القرار، فهنا مكمن المعادلة الواقعية التي يجب تغيرها بنظر الامبريالية المتلونة حسب التطور التاريخي، و حسب الواقع و الظروف المختلفة للفرائس المرغوبة، بأهداف واحدة و أساليب مختلفة تراعي الاصطفاء الحاصل بين هذه القوى عبر الزمن ، هذا الاصطفاء الذي يراعي تركز رؤوس الأموال و قوتها، فمن طبقات برجوازية إلى سياسات رأسمالية إلى ما بعد رأسمالية إلى ليبرالية إلى ما بعد ليبرالية و كذلك تنوع الأدوات مع المحافظة على الأكاذيب التي تصف هذه القوى الامبريالية بالمتحضرة عند شعوبها المسلوبة الإرادة و التفكير باستبدال الغزو المباشر والسرقة والنهب المباشرين بأشخاص تابعيين، و من ثم و بعد التفرد العالمي لجزء من هذه القوى فكان لابد من وحدانية القرارات عبر ما يسمى بالعولمة المصبوغة بالأمركة و يتم ذلك عن طريق إضفاء الصفة القانونية العالمية لهذه السياسات عبر اختراع مؤسسات دولية مسيطر عليها تكون جاهزة لاتخاذ القرارات المناسبة التي تكرس المعادلة التي يعملون ضمنها، ولا يسمحون لأحد بتجاوزها.
فمن الناحية السياسية سخروا الأمم المتحدة فإن عجزوا عن الإجماع تجاوزوا القرار و قاموا بالعمليات التي تناسب مصالحهم وغزوا العراق و دمروا و نهبوا و قتلوا بما يناسب فكرهم الحاقد الذي يعتمد على المصلحة، بحيث يدمروا البنى التحتية من اجل إعادة بناءها من قبل شركاتهم مما يجعل العراق تحت وطأة الديون من جهة و يخلق فرص عمل لشركاتهم و يكرس تحكمهم بثرواته و خصوصاً الثروات النفطية، ويدمروا آثاره التي تدل على عمق المنطقة تاريخياً مقابل تاريخ غير معروف لا حضاري و سطحي لهم فسرقوا و نهبوا آثار العراق و كذلك إعادة التنمية في هذا البلد إلى ما دون الصفر بعد أن قطع مراحل متقدمة في التنمية بكافة أشكالها و من ثم يعودوا إلى هذه المؤسسة لتبني قرار بمفعول رجعي وهكذا تكون عاقبة من يحاول أن يغير بالمعادلة و يحاول أن يتجاوز الحدود المسموح بها في مجال التطور الفكري و الإيديولوجي و الاقتصادي وحتى لو كان صديق الأمس و لكنه خرج عن السيطرة وحتى لو كانوا هم من ورطوه في الكثير من الحروب و الغزو المستمر وحتى لو كانوا هم من صنعوا منه المارد القوي الخطير على مصالح جميع المحيطين و لكنه في استفاقة تاريخية أو في تكتيك معين بتلمس الوقت المناسب للسير بما نؤمن، أو في وقت استشف منه أن الامبريالية في طريقها للتخلص منه إتباعاً لسياستها في استهلاك الأشخاص القائمة على اختيارات دقيقة لأشخاص يملكون مؤهلات تناسب تطلعاتهم، و من ثم تلميع هؤلاء الأشخاص، و دعمهم بما يناسب الدور المنوط بهم، و بما يناسب مصالحهم طبعاً هذا ليس من باب الاتهام بالعمالة.
و لكن الظروف التاريخية والعالمية المحيطة تفرض علينا موافقة و لو غير معلنة بشكل مباشر على الأشخاص بعد دراسة متعمقة لشؤون البلدان الداخلية و للمصالح الخاصة بالغرب و لمصالح القوى المنافسة، ولكن الكثيرون ناوروا ثم ساروا بما يمليه عليهم عمقهم التاريخي والقومي والوطني والديني فكان لا بد من الإقصاء عبر الاغتيال أو عبر الإبعاد أو عبر افتعال المشاكل و الفتن، ومن أجل عولمة الاقتصاد بما يناسب مصالحهم صنعوا المؤسسات الاقتصادية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والتي تهدف إلى فرض سياسات اقتصادية و اجتماعية واحدة على بلدان مختلفة ذات بنية اقتصادية واجتماعية و سياسية وثقافية مختلفة على مبدأ دواء واحد لجميع الأمراض، فلابد أن يؤدي إلى زيادة الأمراض أو إلى الوفاة، وكان الهدف المخفي لهذه السياسات منع استمرارية و توازن و استقلال التنمية المستمرة المتوازنة و المستقلة التي تؤدي إلى مخرجات تجعلنا نعتمد على ذاتنا و نبتعد عن استهلاك منتجاتهم، و هذه السياسات تقوم على تخفيض الرسوم الجمركية إلى درجة الإلغاء من أجل منع الحماية للصناعات الوطنية من جهة، ومن أجل إخلال توازن الميزان التجاري من أجل زيادة استيراد الكماليات والبضائع بعد أن يكون هناك تهيئة عن طريق خلخلة الثقافة وتسطيح التفكير، وكذلك رفع الدعم عن المنتجات وتثقيل كاهل المواطنين بضرائب ذات كمية كبيرة و أنواع عديدة و متجددة بما يؤدي إلى زوال الطبقات الوسطى حاملة وحامية التراث الفكري و العقائدي و موازنة المجتمع، و تهيئة الظروف لصراعات قادمة تأخذ مناحي كثيرة.
كذلك كان أحد فروض هذه المؤسسات الاقتصادية المعولمة هو تقليل سيطرة الدولة، وذلك لأن هذه الدول قادرة على إعادة التوازن للحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية نتيجة التطور التاريخي والعقائدي والايديولوجي الاصطفائي المتراكم وهنا يكمن أحد أهم الأهداف التي حاولت فرضها وهو الوصول إلى استهلاك المؤسسات الوطنية المتجددة و المتطورة بما يحافظ على وحدة و قوة و منعة البنيان الداخلي، وهذه المؤسسات التي لعبت دور الموازن و المستثمر الخير بما يناسب الظروف الموضوعية في الفترات الزمنية المختلفة، مما أوصلنا إلى ما نحن عليه من أمن و استقرار و تنمية و تطور وأسس تنموية واعدة فكان لابد من العمل على خلخلة هذا الاستقرار و تهديم هذه الدعائم التنموية، فلذلك يجب تحجيم دور هذه المؤسسات وسد الفراغ الحاصل من وراء هذا التحجيم بصنع مؤسسات خاصة دورها حماية مصالح من أوجدها و هذا أخطر ما كان يسعى إليه، طبعاً من فكر بهذا الفكر فهو قاصر و سطحي التفكير، و لكن يمكن أن يكون قد أفاد من حيث لا يدري باتجاه زيادة تمسك الغالبية العظمى من المواطنين و القوى الوطنية و الفكرية و الاجتماعية بهذه المؤسسات و تبلور شعور قوي و شبه عام بضرورة المحافظة على هذه المؤسسات المتجددة و الموازنة للمحافظة على وحدة و منعة و استمرارية تطور البلدان.
و بذلك فإن الهدف المأمول و الذي تعمل عليه القوى الامبريالية أو المحصلة المرغوبة هو عدم استقرار المجتمعات من اجل تهيئة الظروف المناسبة لصراعات دائمة تمنع التنمية و استكمالاً للأهداف التي يؤمنون بها، و هي استمرار هذه الدول كسوق للأسلحة التي لا بد أن تتحول إلى خردة مع الزمن و كذلك لاستمرار المعادلة الأساسية التي ساروا و يسيروا عليها و التي تنص على بقاء الدول الأخرى بمختلف التسميات، كمستودع للثروات وحامي لها و سوق لتصريف منتجاته و دون مرحلة الإبداع و الإنتاج الذاتي، و بالتالي منع أي تنمية من تجاوز حاجز معين، و بالتالي نسف مقومات التنمية و منع استمرارها و توازنها و استقلالها, هذه الأهداف بقيت و إن اختلفت الأدوات لتطبيقها، فالدول الأخرى هي المصدر للمواد الأولية سواء عن طريق النهب و السيطرة عبر الاستعمار المباشر أو عبر الوكلاء و الإتباع، و بعد التطورات المتسارعة و انعكاس آثار هذه التطورات على بنية مجتمعاتهم التي بنوها من خلال سلسلة من الأكاذيب التي تخدم طبقة المال مؤكدة المقولة: إن هناك حقيقة لا يمكن إغفالها ، تؤكدها سيرورة التاريخ ، وهي بروز فئة ، أو شريحة متذبذبة أثناء انتقال المجتمعات البشرية من تشكيلة اجتماعية إلى تشكيلة أخرى كذلك أثناء التحولات السياسية ، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية التي تمر بها المجتمعات، أو الهزات التي تتعرض لها فتسعى جاهدة وبشتى الوسائل إلى تحقيق مآربها الذاتية، مستغلة التناقضات القائمة و من أجل ترتيب البيوت الداخلية للبلدان المستهدفة لا بد من تغيير العادات و التقاليد و القيم و تفريغ الإيديولوجيات من أجل الوصول إلى بناء ثقافي فكري إيديولوجي هش، إسفنجي و لا يمكن أن يتم ذلك إلا وفق برامج و سياسات مكثفة و متعددة بأدوات مختلفة و بالتالي لا بد من الغزو الثقافي لهذه البلدان و هنا لا بد لنا من التفريق بين هذا الغزو و بين حوار أو تبادل الحضارات أو الثقافات.
فبالنسبة للحوار فإن امتنا قد أفادت الكثير في الماضي و استفادت من الكثير من الحضارات في السابق و استطاعت أن تدخلها إلى بنيتنا الثقافية و الفكرية و العلمية بما قوى و متن البناء، فنحن نسعى إلى هذا الحوار البناء و نعمل له و من أجله لما فيه مصلحة بلداننا.
فالثقافة الغربية تحمل الكثير من القيم و الأفكار الإيجابية التي تساعد و تساهم على استمرارية تنميتنا الذاتي ولكن هم لا يعملون على نقلها إلينا و يعرقلونا من الاستفادة منها، أمّا في الغزو الثقافي فإن الأمة المستهدفة بالغزو تُغذى بأمور سلبية وثقافة ضارَّة، فيريدون تحويلنا من الحياة الاجتماعية التي قامت على كون الأسرة اللبنة الأساسية للبناء القوي إلى التفتيت و التهديم القائم على الفردية و على أن المال هو أساس الحياة و معيار التقييم فيها و على تسطيح التفكير و بالتالي لا بد من تهديم القيم الإنسانية القائمة على الإخاء و المحبة و الوفاء و الإيثار و الكرم و المروءة والرجولة و الشجاعة و التضحية و القيادة و الإبداع و الابتكار وصلة الرحم واحترام الكبير و رضا الوالدين و التضامن الاجتماعي و ما نشأ عنها من عقلانية و موضوعية و ثبات و صلابة و عمق في التفكير، فعلى سبيل المثال: عندما بدأ الغزو الثقافي الأوروبي لبلدنا، لم يصطحب الأوروبيون معهم قيماً من قبيل روحية احترام قيمة الوقت, الشجاعة والإقدام, تحمل الأخطار في مواجهة الأمور و روحية التدقيق والمثابرة في البحث العلمي، ولم يريدوا لشعبنا أن يتربى على هذه القيم ويتبعها، لكي لا تكون شعوبنا شعوباً تتحلى بالمسؤولية و بالمسابقة في الانكباب على العمل ولا أن تتصف بالمثابرة العلمية,كلّ الذي جلبوه إلى هذه البلاد هو التحلّل والإباحية الجنسية و شجعوا الطائفية و المذهبية و صراع القوميات و حولوا العبادات إلى عبادة المال, و بالتالي فثمة فارق كبير بين الغزو الثقافي وبين التفاعل أو التبادل الثقافي.
فالتفاعل الثقافي يُعبّر عن ضرورة تحتاج إليها الشعوب، فليس ثمة شعب من الشعوب يستطيع الاستغناء عن الإفادة من معارف الشعوب الأخرى. والثقافة والمسائل التي تندرج في العنوان الثقافي هي من بين ذلك، لقد كان مسار التاريخ كاشفاً أبدا عن حالة التفاعل هذه ويشهد عليها، فالعلاقة بين الشعوب والتواصل فيما بينها قادت إلى التفاعل فيما بينها على صعيد آداب العشرة، الأخلاقيات العامة، العلم، شكل اللباس، طراز الحياة، اللغة، المعارف، والدين، وهذا النوع من التفاعل يفوق في أهميته عملية التبادل الاقتصادي والتجاري.
و لكن في هذه الأيام تتفشى العديد من الأمراض السارية نتيجة غزوهم و لإقحام أفكارهم و معتقداتهم تتغلغل في المفاصل الرئيسة في المجتمع، مما انعكس على الكثير من المخرجات الفكرية و الثقافية، فظهر نمط من المثقفين وظيفتهم الأساسية استهلاك الثقافة والترويج لها دون ارتباط جدي بقضية بعينها و بعيداً عن مشاكل و هموم الوطن تسألهم فيقولون إبداعهم شخصي لا يهمهم انعكاسه على الوطن الذين يعيشون به و تربوا به فضلوا الأموال على القيم رضوا أن يكونوا تابعين بدلاً أن يكونوا وطنين محترمين فلا يمكن لتابع أن يكون وطنياً مهما لمع و سلطت الأضواء عليه، وعبر السيرورة التاريخية وعبر الأدوات الكثيرة التي سخرت من أجل تحقيق أهداف تلك المجتمعات حيث تحولت هذه الأهداف من أهداف دول إلى أهداف طبقات ما بعد رأسمالية تسيطر على العالم من خلال تحكمها برأسمال من جهة و تحكمها بمؤسسات صناعة القرار في بلدانها و في العالم و من خلال تجسيد انتصارها من خلال ما سمي العولمة و التي تبنت الولايات المتحدة الأمريكية نشرها حيث اقترنت باسمها فسميت الأمركة، و كان هدف هذه الحملة و التي انقاد وراءها بعض المفتونون بالغرب لأنه غرب و بالتالي الهدف تدمير و تحطيم البنى الثقافية المتأصلة نتيجة التراكم التاريخي و بالتالي الهدف هدم البنيان التنموي عبر الهدم الثقافي من اجل الوصول إلى مجتمعات متأزمة متصارعة لا تملك هوية لاعتبارين شعور بالنقص التاريخي الحضاري اتجاه هذه الحضارات المتجذرة المتأصلة و خاصة في المنطقة العربية و الإسلامية نتيجة تزاوج الأفكار و العادات و المعتقدات الذي أوصل إلى بنيان صلب قاد عملية بناء أرست أساس قوي لمشاريع تنموية مستقلة متوازنة متطورة في شتى المجالات الفكرية و الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية، عجز الغرب عن عرقلتها بالطرق السلمية عبر الحرب الإعلامية بأدوات هزت المعسكر الاشتراكي خلال الحرب الباردة.
و بالتالي فإن الاستمرار وفق هذا الإطار سوف يقود إلى تجسيد و تكريس قوى بخلفيات مختلفة و متقاطعة وطنية و قومية و إنسانية و إسلامية هذه القوى التي فيما سبق كانت أن وجهت ضد بعضها البعض على الرغم من التقاطعات الكبيرة من نواحي شتى فهي تسعى إلى الإنسانية بشتى قيمها و معانيها , تسعى إلى المساواة و الإخاء إلى الإيثار إلى الولاء للوطن و قد تختلف في أمور ضخمت أو أضيفت إلى ممارساتها بعيداً عن الفكر، و بالتالي أصدقاءهم السابقون و أدواتهم التي استخدموها في معركتهم ضد الاصطفاف السابق ما بين معسكرين، أصبحوا أعداء اليوم المعرقلين لمشروعهم نتيجة أمرين الاستفاقة المتأخرة والفراغ الكبير الذي حل بالعالم بعد مرحلة البناء الجديدة التي تبناها الاتحاد السوفيتي وبالتالي لابد من ملء الفراغ بأسلوب جديد يخدر شعوبهم من جهة و يجعلهم في رهبة دائمة و الخلخلة و الضغط على الحكومات و خاصة انه كان هناك بعض الدول التي لم تتأثر فيما حدث و امتصت الصدمة نتيجة إتباع أفكار و ليس التبعية لدول، فأصبحت محور الشر الاتهام الصرح و الواضح و بدأ استثمار الأدوات التي تسعى إلى المساهمة في تسطيح الفكر و منع الإبداع و التفكير العميق, فسخروا بعض الأقلام المغرضة من المرتزقة المأجورين أو التابعين أو الدونيين و الذين يسمون نفسهم التنويريين أو الليبراليين على الرغم من جهلهم بمعرفة ما يسمون أنفسهم به لتمرير تضليلهم وتحقيق أحقادها الدفينة، المزمنة عبر الإعلام المرئي ، والمسموع ، معتمدة على الأدلة المفبركة – و مسبقة الصنع – وإلصاق التهم بالآخر ، واستخدام عبارات التهديد ، والتشهير ، بالإضافة إلى تلويث الفن بتصدير الفنون الهابطة للقضاء على الأصالة التي تتمتع بها مجتمعاتنا و الإكثار من الأفلام الإباحية و الدعايات التي تعتمد الجسد و الخداع البصري و التسويق لكتابات و روايات و أشعار لا تحوي إلا بعض العبارات التي تخدش الحياء و عندما تنتقد يكلموك عن الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان و حرية المرأة التي حولوها إلى جسد يباع و يشترى، و حولوا الشرف إلى المقدار الذي تملكه من الأموال.
لكن لم تخلوا الساحة لهم كما ظنوا فظهر نمط آخر من المثقفين، ملتزم، عقلاني، متفهم للدور التاريخي للمثقف، والمهام الملقاة على عاتقه في تحليل حاضر المجتمع، وتحديد مشكلاته بوعي تاريخي، وتوعية الناس بتلك المشكلات، وتحديد أهداف المجتمع وبلورة وعيه حول تلك الأهداف، وإشاعة وتأصيل الثقافة الجادة، والعمل على عقلنة المجتمع بعقلنة السلوك والحياة اليومية والمؤسسات والفكر، ومواجهة سلبيات الواقع ، ونقدها لقناعته أن الإصلاح هي مهمة الجميع ، ويتطلب مشاركة الجميع في عملية التنمية الشاملة، لكنه انطلق من هذه الاعتبارات ، كمثقف حامل الرسالة الأخلاقية دونما مواربة أو زيف، للكشف عن وجه الحقيقة في هذا الزمن المزيف، هذه هي مهمة المثقف الملتزم، الواعي لمسؤولية رسالته دونما تزلف أو نفاق ، والمدرك لضرورة ردم الهوة بين الخطاب والممارسة : المتخلي عن الرؤى الطوباوية و الطروحات المجردة التي فقدت مبررات وجودها ، ولا تستجيب للحاجات المتجددة للمجتمع ، فهو حارس للقيم الإنسانية والمدافع عنها ، المؤمن بالعدالة وفكرة العدل و المساواة، وهنا نتساءل كيف استطاع الجزء السلبي من الثقافة الغربية أن يتسرب إلى وجودنا بمثل هذا الشكل و لم نستفد من الإيجابي منها، مع أننا نملك إمكانية الاختيار, ما هو حاصلٌ الآن أن سهام و قنابل الثقافة الغربية تغزونا وتنفذ في وجودنا من خلال الراديو والتلفزيون وكتب الموضة والموديلات والمجلاّت، ومن خلال الموج الدعائي والصخب الإعلامي. و هكذا نجد أن الامبريالية ذات المشاريع الدائمة و المتجددة في زمن الاندحار و في زمن الانتصار تسعى إلى كيان عالمي متخلخل لا أخلاقي من خلال برامج و سياسات و أدوات تهدف إلى تلويث جميع القيم و المعتقدات الدينية و هذا ما نجده في حملتها ضد الإسلام و اختراع أدوات بعيدة عن الإسلام لتشويهه و إرهاب شعبها و لكن يبقى الإسلام جوهرة بيضاء تشع على طول الزمان و في حملتها لتفريغ الإيديولوجيات من محتواها و خاصة تلك التي تنادي بالفكر الاشتراكي و العدالة الاجتماعية لما ساهمت فيه من بنى قوية و صلبة و لكنها بالتأكيد ستفشل لأن هذه الإيديولوجيات متجذرة في النفوس و متوارثة عبر الأجيال و ستظل حقوقنا في فلسطين و الجولان و الأراضي العربية المحتلة ثابتة عبر الزمن غير قابلة للاستهلاك ولكن ليس بالكلام فقط تواجه هذه المشاريع التدميرية.
و بالتالي نقول ما العمل ؟.
هل نقف متفرجين أم يجب علينا القراءة العميقة و المواجهة و خاصة أننا من شاركنا في إفشال و تأجيل مشروعهم المدعو الشرق الأوسط الكبير تحت أقدام أبطالنا و مقاومينا و لكن هذا لا يعني أنهم تراجعوا عنه لذلك لا بد من العمل الجاد و الدؤوب الذي تشارك به جميع القوى و الفعاليات الثقافية و الفكرية و الدينية و الاجتماعية و الاقتصادية ذات الاتجاه العام أو الخاص من أجل المحافظة على الوحدة الوطنية و تكريسها بشكل عقلاني يلتقي مع العاطفي و لذلك لا بد من: مواجهة مبرمجة و قادرة على التصدي لهذا الغزو المدمر و المحطم و الكارثي النتائج لانعكاسه على قيم و مثل و عادات و تقاليد و أخلاقيات الأفراد و بالتالي يؤدي إلى تدمير اللحمة و التماسك الاجتماعي من خلال القضاء على جميع الأسباب التي صهرت و شكلت مجتمعات موحدة متماسكة محافظة في نواحي و متجددة في نواح أخرى و كانت الأسرة هي الأساس أو اللبنة الرئيسية في قوة البنيان الذي أوصلنا إليه و هي نفس المؤسسة التي توجه إليها الأسهم لقصفها و تدميرها فوصلنا إلى أشباه أسر، فأصبحت المنازل فنادقاً للأفراد و مكمناً للأزمات المالية و الاقتصادية المتلاحقة و للنكبات الاجتماعية المتواصلة و أصبح احترام و رضا الوالدين موضة بائدة و الديمقراطية كما يسمونها و التي لا تبتعد عن اللا أخلاق أصبحت مبرر للكثير من التصرفات التي يؤديها الأولاد لوالديهم ، و هنا كان بداية التصدع.
و على الرغم من ذلك فإن ما أصاب جزء من البنيان غير صعب على العلاج من خلال سلسلة متكاملة من الإجراءات التي تتكامل و تتعاون في تنفيذها المؤسسات الرئيسية للتنشئة الاجتماعية بحيث:
- إعادة الاعتبار لمؤسسة الأسرة التي تشكل نواة بنية المجتمعات و الأساس لتكوين و تكريس العادات و التقاليد و القيم و الأخلاقيات الايجابية القادرة على مواجهة الغزو، و أن تكون ا|لأسرة المنطلق لتنظيم الاستهلاك بما تقتضيه الحاجات الأساسية و الضرورية لا أن ترزح تحت الديون من أجل اقتناء بعض الكماليات التي لا تحتاجها من اجل الظهور الاجتماعي و بالتالي لا بد من العودة إلى موازنة الأسرة للصرف الشهري بحيث تعتمد على عقلنة الصرف، كذلك إعطاء الوقت اللازم لمتابعة تربية الأولاد و ملاحظة تصرفاتهم و توجيههم بما يحافظ على التنشئة السليمة لهم - مؤسسات التعليم بمختلف مراحلها و كوادرها من خلال أساليب و قيم مهنية و مناهج قادرة على تعليم الانضباط بكافة أشكاله و إعادة الاعتبار للكثير من القيم و العادات التي أصبحت المؤسسات التعليمية مركز محوها و اندثارها، فالتعليم تربية و أخلاق و من ثم مناهج علمية .
- أن يأخذ رجال الدين الدور الأساسي لتكريس القيم و الأخلاقيات و العادات الايجابية التي جاءت بها الديانات السماوية و أن قيمة الإنسان بأعماله و أخلاقة و ليست بأمواله و سلطاته, و أن تصبح الأماكن الدينية منابر للتآخي الإنساني و للعلاجات الاجتماعية بدلاً من الانخراط في مواضيع أخرى بعيدة عن الرسالة الأساسية .
- و لوسائل الإعلام و الأدوات الثقافية بمختلف أنواعها دور كبير و هام و أساسي في التصدي إلى الدعاية المركزة و إلى الإبهار البصري التي تسعى من خلاله المراكز الامبريالية العالمية إلى استهلاك قيمنا و إلى سلب مواردنا و إلى تشجيع و تعميم الانحراف اللا أخلاقي البعيد عن مجتمعاتنا من خلال التركيز على إثارة الغرائز و تشويه القيم و الأخلاق التي نؤمن بها تحت عباءة الديمقراطية و حقوق الإنسان، و من خلال أفلام إباحية عبر الفضائيات أو المواقع الالكترونية و الصحف و تشويه الحقائق و القيم و تسطيح الفكر و عبر استئجار الكتاب و المخربين و دعم القواد و المسخفين التنويرين، و بالتالي هناك دور كبير ملقى على وسائل الإعلام المرئي و المسموع و المقروء و الالكتروني من خلال سياسة هادفة إلى دحض حملاتهم و تكريس قيمنا و أخلاقياتنا و عاداتنا و اصطفاء ما يمكن أن نستفيد من الغرب و من تقدمه العلمي بما يخدم مجتمعاتنا و بالتالي السعي لتكريس قيم العطاء و الوفاء و الرحمة و الاحترام و العطف و الإبداع و الابتكار و المبادرة بدلاً من الدعارة و الفردية و العنف و الوحدانية و الانتماء المالي و الجشع و الطمع و بالتالي تسليط الضوء على الأصالة التي يتمتع بها مجتمعنا في كافة المجالات و على الرجال و النساء الذين قدموا بسخاء، و على تكامل المجتمع الذي يعتمد على شيوخنا و رجالنا و شبابنا و نسائنا و أطفالنا و لكل دور يقوم به لا ينتهي ما دام هناك حياة و التذكير دائماً أن استهلاك الأشخاص من أخطر أنواع الاستهلاك و أن الإنسان بما يقدمه لمجتمعه و لوطنه، و أن التضحية هي من السمات التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من كبرياء و صلابة فتحية للدماء الطاهرة و للعرق الكثيف و للجهود الجبارة التي حافظت على وحدة و كرامة و قوة و مناعة و صلابة بلداننا، و تحية لكل من يكون الوفاء دليله في تصرفاته ,و الوطن رهانه، و الإنسانية منارته . " كلما ازدادت قرقعتهم و خرمشتهم و علا نباحهم فلنعرف أننا نسير على الطريق الصحيح "