التدخل في انتخابات الدول.. تاريخ أميركي حافل بالمؤامرات
في الوقت الذي تتكرر فيه اتهامات الولايات المتحدة الأمريكية لروسيا بالتدخل في الانتخابات الأمريكية 2016، نستعرض عليكم حلقات من التاريخ الأمريكي الطويل في التدخل بانتخابات الدول الأخرى.
واحدة من الروايات الأكثر إثارة للقلق في الحملة الانتخابية الأمريكية 2016، هي مزاعم تدخل الكرملين. في الأسبوع الماضي، اتهمت الولايات المتحدة رسميًا الحكومة الروسية بسرقة وتسريب الرسائل الإلكترونية للجنة الوطنية الديمقراطية والحسابات الفردية لشخصيات بارزة في واشنطن.
الوثائق التي سرب البعض منها موقع "ويكيليكس"، أدت إلى تصريحات صاخبة تشير إلى أن موسكو متحمسة لفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي أغضبت تصريحاته حلفاء واشنطن الأوروبيين التقليديين، وأثارت الشكوك بمستقبل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، عدو روسيا.
رفض كبار المسؤولين الروس مزاعم إدارة أوباما. وفي مقابلة مع قناة CNN مؤخرًا، نفى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مزاعم التدخل باعتبارها "سخيفة"، على الرغم من أنه قال إنه كان "ثناءًا" أن تشير واشنطن بأصابع الاتهام إلى موسكو.
الولايات المتحدة لديها تاريخ موثق حافل من التدخل، وفي بعض الأحيان أوقفت طريقة عمل الديمقراطيات في أماكن أخرى. بل احتلت وتدخلت عسكريًا في رقعة كاملة من دول البحر الكاريبي وأمريكا اللاتينية، وأثارت الانقلابات ضد الشعوب المنتخب.
وتشمل الحلقات الأكثر صخبًا الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق في العام 1953 – الذي تم استبدال حكومته بنظام ملكي استبدادي موال لواشنطن – والإطاحة واغتيال الزعيم الكونغولي باتريس لومومبا في العام 1961، والإطاحة العنيفة بالرئيس التشيلي الاشتراكي سلفادور الليندي، الذي نحيت حكومته جانبًا في عام 1973 عن طريق انقلاب عسكري من قبل الجنرال أوغستو بينوشيه.
على مدى عقود، اعتبرت هذه الإجراءات من ضرورات الحرب الباردة، وهي جزء من الصراع العالمي ضد الاتحاد السوفياتي ووكلائه اليساريين المزعومين. من أبرز صناع هذه الأحداث جون فوستر دالاس وهنري كيسنجر، وقد تبنيا سياسات عدوانية سرية لوقف مد التهديد الشيوعي المزعوم.
أحيانًا كانت تلك الأجندة تتقاطع بشكل واضح مع مصالح التجارة الأمريكية، ففي 1954 أطاحت الولايات المتحدة برئيس غواتيمالا اليساري جيكوبو آربنز الذي تحدي الهيمنة الواسعة لشركة United Fruit Co الأمريكية للفواكه، بسنِّه قوانين زراعية في صالح المزارعين في غواتيمالا. وعلى إثر ذلك، قدم جهاز الاستخبارات المركزية الدعم لديكتاتوريات يمينية على مر نصف قرن.
أنذاك، كان تشي غيفارا الشاب في زيارة إلى غواتيمالا في العام 1954، وقد تأثر بشدة بالإطاحة بآربنز. وكتب لاحقًا لوالدته أن الأحداث دفعته إلى ترك "سبيل العقل"، وأن الأمور باتت في حاجة إلى ثورة جذرية، بدلًا من الإصلاح السياسي التدريجي.
بصرف النظر عن التحريض على الانقلابات والتحالفات مع المجالس اليمينية، سعت واشنطن للتأثير أكثر على الانتخابات في كل ركن من أركان العالم.
العالم السياسي دوف ليفين يشير إلى أن "القوتين العظميين تدخلتا في 117 تجربة انتخابية في جميع أنحاء العالم في الفترة بين عامي 1946-2000 – بمعدل مرة في كل تسعة انتخابات تنافسية.
في أواخر أربعينات القرن الماضي، عملت وكالة الاستخبارات المركزية على الإطاحة بالأحزاب اليسارية والاتحادات العمالية في غرب أوروبا.
ودعمت الولايات المتحدة في عام 1948 حكومة الديمقراطيين المسيحيين المركزية في إيطاليا في الانتخابات أمام التحالف اليساري المدعوم من أقوى الأحزاب الشيوعية في أوروبا. قدم عملاء الاستخبارات الأمريكية ملايين الدولارات لحلفائهم الإيطاليين وساعدوهم على تنسيق حملة دعائية سرية غير مسبوقة ضمت تزوير وثائق لتشويه سمعة القادة الشيوعيين.
وقال مارك وايت، ضابط وكالة المخابرات المركزية، الذي تولى المهمة، وشارك بعد ذلك في أكثر من عقدين في الدعم المباشر للحزب الديمقراطي المسيحي "كان لدينا أكوام من المال الذي سلمناه إلى سياسيين محددين، لتغطية نفقات السياسية، ونفقات حملاتهم، والملصقات". وفي تشيلي، منعت الولايات المتحدة الليندي من الفوز في الانتخابات في عام 1964.
وتجدر الإشارة إلى ما ذكره تقرير لجنة التحقيق في مجلس الشيوخ في منتصف السبعينات، الذي بدأ في فضح دور وكالة الاستخبارات المركزية في انتخابات الخارج، من أنه "تم إنفاق ما مجموعه أربعة ملايين دولار على خمسة عشر من مشاريع العمل السري، بدءًا من تنظيم سكان الأحياء الفقيرة وتمرير أموال للأحزاب السياسية".
حينما لم يكن متاحًا هزيمة الليندي في صناديق الاقتراع في عام 1970، قررت واشنطن الاطاحة به بأية وسيلة. كسينجر قال ساخرًا "لا أرى سببًا للوقوف مكتوفي الأيدي، بينما نشاهد بلدًا يعتنق الشيوعية بسبب عدم مسؤولية شعبه".
بعد نهاية الحرب الباردة، أظهرت الولايات المتحدة عملياتها السرية إلى العلن مع منظمات، مثل "الصندوق الوطني من أجل الديمقراطية"، الذي يسعى إلى تعزيز المجتمع المدني والمؤسسات الديمقراطية في جميع أنحاء العالم من خلال المنح والمساعدات الأخرى. ومع ذلك، النقاد الأمريكيون يرون اليد الأمريكية في مجموعة من الانتخابات الأخيرة، من هندوراس إلى فنزويلا لأوكرانيا.
وفي الوقت نفسه، لا تقتصر مزاعم التدخل الأجنبي في انتخابات الولايات المتحدة على "المؤامرات الروسية". ففي أواخر التسعينات، هيمن شبح الأموال الصينية غير المشروعة على المخاوف بشأن تمويل الحملات الانتخابية الديمقراطية.
وذكر بيتر كورنبلا، مدير محفوظات الأمن الوطنية بجامعة جورج واشنطن، في مقابلة معه أجرتها صحيفة "نيويورك تايمز" عام 1997: "إذا كانت الصين قد حاولت بالفعل التأثير في الانتخابات الأمريكية، فهذا يعني أن الولايات المتحدة الآن تتجرع الآن نفس الكأس. الصين فعلت أقل من مجرد محاكاة النمط الأمريكي من التلاعب والرشوة والعمليات السرية للتأثير على المسار السياسي في بلدان لا تعد ولا تحصى في جميع أنحاء العالم".