السعودية و«إسرائيل» تحاولان التعويض بورقة الكرد

13.09.2017

ليس غريباً أن يحتلّ رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني اهتماماً متعاطفاً من الإعلامَين السعودي و»الإسرائيلي»، حتى أنّه لا يكاد ينهي لقاءً مع «فضائية» حتى تستقبله شاشات محطات أخرى.

هناك إذاً، عناية مركّزة من السعودية و»إسرائيل»، وأسبابها مزدوجة تتعلّق أولاً بتراجع المشروع الأميركي مع حلفائه في سورية والعراق، نتيجة للانتصارات العسكرية التي أنجزها الجيش السوري، مدعوماً من روسيا وإيران وحزب الله، وتزامن هذا التغيير الاستراتيجي مع إصرار البرزاني على إجراء استفتاء حول انفصال إقليم كردستان عن العراق في 25 أيلول الحالي.

فيبدو هذا التزامن فرصة دهرية نادرة للتعويض عن خسائر الحلف الأميركي في الإقليم، لأنّ الكرد أيضاً قضية إقليمية يمكن استثمارها للتأثير في مستقبل أربع دول: العراق الذي يشجّع انفصال كردستان عنه على تفتيته إلى كيانات طائفية وعرقية مستقلة، كما يدفع باتجاه تشكيل كانتون كردي في سورية يلبّي مطالب السياسة الأميركية في الإقليم، محرّضاً أيضاً أكراد إيران على المضيّ في اتجاهات تقسيمية.

وبسبب العدد الكبير للكرد في تركيا نحو 15 مليوناً ، بالإضافة إلى 5 ملايين يجمعون بين الانتماءين الكردي والعلوي، فإنّ تركيا مهدّدة جدياً بالتصدّع إلى ثلاث دول، تركمانية وكردية وعلوية.

يمكن هنا الاستنتاج وبموضوعية أنّ التزامن بين الخسارة الأميركية في الإقليم والاستفتاء على الانفصال في العراق، وتحويل الكرد السوريين بديلاً من الجيش الأميركي في التوسّع في مناطق عربية في سورية، ليست أعمالاً كردية صرفة، بمقدار ما تعكس حاجات واشنطن لإعادة تجديد مشروعها بلباس كردي، وهو خطأ كردي يتكرّر تاريخياً وذلك لاستعجال القيادة الكردية بالوصول لدولة مستقلة.

وقد استثمرت بهم واشنطن وتركتهم عند أكثر من تقاطع، ومنذ بدء تحرّك مصطفى البرزاني في 1961، لم يشكّل الأكراد أكثر من ورقة قابلة للاستخدام لمصلحة العاملين الإقليمي والدولي. ومنذ 2003، تاريخ الغزو الأميركي الكبير والدائم للعراق، دعمت واشنطن تمكين الكرد في تشكيل إقليم كامل المواصفات سياسياًَ وعسكرياً واقتصادياً، بدعم سعودي يرى أنّ في إضعاف العراق وتفتيته قوة للسعودية. أيّ كما تفكّر «إسرائيل» تماماً لجهة إضعاف بغداد، وواكبت واشنطن أيضاً إنشاء إقليم سوري كردي فعسكرته تماماً، ودعمته بقوات أميركية وأوروبية مع عشائر عربية، ومنحته دوراً في غزو مدن عربية سورية في الرقة والطبقة ودير الزور، وتحاول دفعه للالتقاء بـ «البيشمركة» العراقيين، لتعطيل وصول الجيش السوري إلى حدوده مع القسم الكردي من العراق. الأمر الذي أدّى إلى تشكّل إقليمين كرديّين مستقلين في سورية والعراق، لم يعلنا انفصالهما بعد، لكنّهما أعلنا عن إدارات محلية مدفوعة بإعلانات صريحة بالرغبة في التقسيم في العراق وكونفدرالية موسّعة في سورية.

الكرد إذن يجولون اليوم في خفايا لعبة الأمم، فهل يكرّرون أخطاء أسلافهم في النصف الأول من القرن العشرين؟

هناك تشابه في سلوكهم يرتبط أولاً في جريهم خلف قوى استعمارية بريطانيا وفرنسا والآن الولايات المتحدة الأميركية ، وينكشف ثانية في تحالفاتهم العلنية مع «إسرائيل» عدوّة العرب، مهما تقسّموا وتفتتوا، بالإضافة إلى تحوّلهم أداة في خدمة آل سعود الذين يريدون استخدامهم في صراعاتهم العربية والإقليمية. لكن لهذا الدور ارتدادات عميقة في قوى الإقليم، لن تسمح لهم بالوصول إلى مآربهم.. فهناك بالنسبة إلى هذه القوى فارق بين مصلحة الكرد ومصالح القوى الإقليمية والدولية التي ترعى تحرّكاتهم. هناك أولاً العراق المتضرّر من الاستفتاء الكردي المرتقب في شماله لأسباب عدة. إنّه استفتاء يعكس نزعة لفصل قسم من العراق التاريخي عن العراق الأمّ، علماً أنّ حدود هذا العراق العباسي والمملوكي والعثماني كانت تصل منابع نهر دجلة، التي فصلها العثمانيون عنه وألحقوها بسلطتهم العثمانية ولاحقاً بتركيا الأتاتوركية، وما تهجير السريان والكلدان من تلك المناطق إلا لضرورات الهيمنة الديموغرافية التركمانية الحديثة، ولا بدّ لهذا الانفصال من أن يشجّع على تفتيت العراق مذهبياً وطائفياً، ملتهماً قسماً لا بأس به من نفط العراق ومياهه. أمّا المتضرّر الثاني فهي إيران، التي تعتبر أنّ النفوذين السعودي و «الإسرائيلي» في كردستان العراق المحاذية لها، من شأنهما أن يتسبّبا باضطرابات في صفوف أكرادها وبعض القوميات الأخرى.

وكذلك سورية، التي تعتبر أنّ الأكراد فيها هم بمعظمهم من أكراد تركيا فرّوا منها نتيجة لاجتياح الجيش التركي الأتاتوركي لمناطقهم في مطلع القرن الماضي. لكنّ لتركيا الضرر الأكبر، فهي الأكثر تعرّضاً للتهديد بسبب تجذّر الحركة المطالبة للانفصال فيها بزعامة حزب العمال الكردستاني وزعيمه أوجلان القابع في سجون أنقرة تحت التعذيب والاضطهاد. والموضوع التركي حساس بسبب التوازنات السكانية الدقيقة، فإلى جانب 15 مليون كردي تركي، يوجد عشرون مليون علوي، بينهم خمسة ملايين من أصول كردية، الأمر الذي يعني أنّ نصف سكان تركيا قابلون للانفصال بشكل أو بآخر.

لمجمل هذه العناصر، تشكّل الورقة الكردية مشروعاً إقليمياً بديلاً بعد الخسارة الأميركية المتصاعدة في سورية والعراق، وبالتالي لبنان واليمن. ويحرك هذه الورقة السعودية «الإسرائيلية» التقاء مصالحهما في وجه الصعود الإيراني وخسائرهما الكبيرة في بلاد الشام وصولاً إلى العراق واليمن. ما جعل من تحالفهما أمراً سهلاً، خصوصاً بعد سعي الرياض لإنهاء القضية الفلسطينية بشكل علنيّ.

إلا أنّ المدير الفعلي لهذا الحلف الجديد، لا يزال واشنطن التي تزعم أنّها ترفض الاستفتاء على انفصال كردستان، وتترك للرياض وتلّ أبيب الإعلان عمّا تضمره. أليست واشنطن هي التي أمّنت لكردستان كلّ الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية الملائمة لإعلان دولة مستقلة؟ وهكذا اتّضح أنّ السياسة الأميركية تريد إرجاء الانفصال لوقت تسمح فيه للكانتون الكردي في سورية بالإمساك بمنطقة تبدأ من حدود تركيا مع سورية، وحتى حدود العراق مع سورية أيضاً، بشكل يحاذي مناطق شرق نهر الفرات.

فهل يقع الكرد في الخطأ التاريخي نفسه متوهّمين أنّ السياسة الأميركية تعمل من أجلهم، أو تقبل بالتقاء المصالح بينهم وبينها؟

لماذا ينسى الكرد أنّ تركيا عضو في الحلف الأطلسي، بوسع بإمكاناتها الكبيرة خنق المشروع الكردي بالتعاون مع متضرّرين آخرين في الإقليم؟ الأمر الذي يوضح أنّ هناك صعوداً للجناح الأميركي في القوة الكردية، يريد تأمين مصالح بلاده أولاً، ويعرف أنّ هناك قوة روسية لن تسمح بالتمادي في المشروع الكردي الإقليمي، ما يعزّز وقوف موسكو مع مشروع فدرالي يمنع تقسيم الدول الوطنية في المنطقة، وهذا ممكن على أساس فدرلة الدول بما يضمن تمثيل الكرد لخصوصياتهم التاريخية.

فهل يتمعّن الكرد في التاريخ وينسحبون من محاولات جعلهم أداة معادية للعرب والإيرانيين والأتراك؟

إنّ مثل هذه القراءة جديرة بسحبهم من تجاذبات لعبة أمم تبحث عن أدوات وضحايا في إطار سيناريوات معدّة سلفاً.

ومع الاعتراف بحق الكرد في التعبير عن ثقافاتهم الخاصة، لا بدّ من تأكيد أنّ ما يجري ليس سعياً أميركياً سعودياً إسرائيلياً لتحصيل حقوق الكرد، بقدر ما يجسّد سعي واشنطن لتأمين حطب لفتنتها الجديدة في المنطقة على أمل أن لا يكون الكرد ذلك الهشيم القابل للاحتراق بالوقود الأميركي – السعودي «الإسرائيلي».