الاستراتيجية الروسية في الخليج العربي 2
المرتكزات الاستراتيجية لأهمية الخليج بالنسبة لروسية
1_ موقع الخليج الاستراتيجي: تعد منطقة الخليج العربي واحدة من أهم المناطق والبؤر الاستراتيجية على مستوى العالم مرتبطاً بالاكتشافات النفطية الكبيرة التي عرفتها دول المنطقة فتضم منطقة الخليج العربي كلاً من دول مجلس التعاون الخليجي الستة (البحرين والكويت والإمارات وعمان وقطر والسعودية) بالإضافة إلى كلا من إيران والعراق، وإذا كانت منطقة الشرق الأوسط قد تحولت في الآونة الأخيرة إلى واحدة من أكثر بؤر العالم أهمية واضطراباً في الوقت ذاته.
2_ مزاحمة الولايات المتحدة في الخليج: تؤكد الولايات المتحدة الامريكية أن أمن الخليج هو من أولويات الامن القومي الامريكي، فتطلع روسيا إلى أن تتواجد في هذه المنطقة من خلال تواجد حلفاء لها أو تواجد مباشر لها من خلال المصالح الاقتصادية او سياسية عسكرية، وبالتالي فان أي تواجد روسي في الخليج يعد بمثابة تهديد للمصالح الامريكية فتتطلع روسيا للعب دور كبير ومؤثر وهو ما تقوم به حاليا من خلال الدور الكبير في الملف النووي الايراني والتواجد المؤثر في الازمة السورية.
3_ ضرب المصالح الامريكي في الخليج: يمكن القول وبكل ثقة إن العالم اليوم يشهد حرب باردة بين العالم الغربي من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، فالتراجع الامريكي في العراق وافغانستان دفع بالدول الكبرى إلى المطالبة بعالم متعدد الأقطاب ورفض الهيمنة الامريكية على النظام الدولي، فروسيا تسعى للتوسع خارج حدودها الاستراتيجي على حساب المصالح الامريكية من خلال التواجد في الفضاء الامريكي من العالم.
5_ التمحور مع بعض حلفاء الولايات المتحدة في الخليج: تسعى روسيا دائماً الى مغازلة بعض حلفاء الولايات المتحدة الامريكية في الخليج من أجل الحصول على بعض المكاسب الاقليمية، فيمكن القول إن لروسيا علاقة جيد نوعاً ما مع المملكة العربية السعودية في بعض الاحيان، على اعتبارات كثير منها التنسيق في مجالات النفط والتسلح.
6_ الدعم الروسي لأيران: تكمن معضلة الامن في الخليج من خلال التوجه الايراني نحو البرنامج النووي الذي يعتبره الخليج تهديدا فعليا له، فتسعى روسيا من خلال استراتيجية دعم الحلفاء إلى خلق نفوذ غير مباشر لها من أجل اعتبارات أهما امتلاك دور القطب العالمي الذي يجعل في كل منطقة استراتيجية أرضية له، فضلاً عن أهداف ذكرنها سابقاً كمشكلة الطاقة وأسعارها في الخليج.
7_ المكانة العالمية لروسيا: تسعى روسيا بكل الوسائل أن تظهر دورها كقوة عالمية خارقة لكل المشككين من الاعداء والاصدقاء، كما تسعى لكسر عقد الانهزام والانكسار التي حلت بالاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينات من القرن الماضي، فتتطلع روسيا الى ماضيها القديم من خلال إعادة إحياء قوتها الاقتصادية والعسكرية فضلا عن تطلعها للتأثير على مجرى السياسة الدولية وبؤر النزاعات والصراعات الدولية.
8_ تعد منطقة الخليج (الدول العربية) سنية المذهب فالأغلبية الساحقة من المسلمين الروس هم من السنة، وليس لروسيا مصلحة بأن يعتقد البعض أن سياستها الخارجية الداعمة لإيران وسوريا هي "تحيز للشيعة"، وبالتالي يعد العامل الديني من الاسباب الرئيسة وراء اهتمام روسيا في تطوير العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي كما تخشى روسيا من تكرار سيناريوا الشيشان بسبب العدد الكبير من الشباب المسلم الروسي الذين يسافرون للدراسة في مدارس الخليج والشرق الأوسط والذي يقدر عددهم بأكثر من 4000 طالب روسي.
9_ الغاز القطري: تقترن أهمية الغاز القطري بالنسبة لروسيا بأسعار الغاز العالمي فتعد قطر من كبار المصدرين للغاز وهي ثاني مصدر للغاز الطبيعي في العالم، ورابع أكبر دولة منتجة للغاز الطبيعي الجاف في العالم، فروسيا تشهد حرب طاقة مع خصومها الغربيين وحلفائهم وبما أن قطر هي حليف استراتيجي للولايات المتحدة فهي بالتالي تشكل تهديد لأمن الطاقة الروسي، فروسيا تسعى جهدها لأفشال خطة قطر المتمثلة بنقل الغاز القطري الى اوروبا عبر الاراضي السورية، فتسعى روسيا بين الحين والاخر الى التنسيق مع الجانب القطري بخصوص إنتاج الغاز، وبات لروسيا المحافظة على سعر الغاز من الضرورات الاستراتيجية للحيلولة دون انخفاض سعره كانخفاض سعر النفط الذي أثر على الاقتصاد الروسي.
المحور الثاني: محددات الاستراتيجية الروسية في الخليج
عند الحديث عن المحددات الاستراتيجية الروسية، فيمكن القول بأن روسيا شأنها شأن الدول العظمى، توازن بين المحددات المحلية والدولية، وبين الاعتبارات الداخلية والخارجية، بل وتسعى لأن توظِّف السياسة الخارجية بما يتفق ومصالحها الداخلية، وعند الحديث عن الدور الروسي في الخليج، فلا يمكن فهم المحددات دون النظر إلى تاريخية هذا الدور، لا سيما في ظل الحقبة السوفيتية، كمدخل لقراءة الدور الراهن، أو فهم مدى إمكانية إعادة تفعيله، فقد ارتبطت بعض دول المنطقة بعلاقات استراتيجية مع السوفييت، وهي الآن في طور تعميق هذه العلاقات مع وريثته الروسية، وذلك من خلال متابعة المواثيق والمعاهدات المبرمة مع الاتحاد السوفييتي السابق، مع الأخذ بعين الاعتبار اختفاء الطابع الأيديولوجي الذي كان ينطلق منه النظام السوفييتي المنهار، وهذه العلاقات الروسية مع دول المنطقة لا تزال تحتفظ بمرراتها وأسبابها، خاصةً أن روسيا ما زالت تمسك بأكثر من ورقة من أوراق اللعبة السياسية، من خلال علاقاتها المتميزة والتاريخية مع العراق وإيران واليمن وبعض الدول دول الخليج.
هذا القول مفاده أنه ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، فقد شهدت السياسة الخارجية الروسية عملية إعادة هيكلة أصبحت بمقتضاها أكثر واقعية، تقيس تحركاتها واتجاهاتها بحجم ما تملكه من قوة، وبمقدار ما تحققه تلك التحركات والتوجهات من فائدة للمصالح الوطنية الروسية، ويظهر هذا واضحًا من مقولة الرئيس الروسي بوتين عندما أكد على أن "العالم يتغير بسرعة، ومسارات العولمة تخفي أخطارًا متنوعة، فيما الأزمة الاقتصادية والهزات التي تشهدها مناطق من العالم تشجع بعضهم على حل مشاكله على حساب آخرين باستخدام وسائل الضغط العسكري، وبالتالي فإن بروز قوى هدامة في بعض مناطق العالم يهدد أمن الشعوب، كما أن الدول التي تحاول تصدير الديمقراطية، ولا تتوانى عن انتهاك القانون الدولي وسيادة الدول من أجل ذلك تبقى حليفةً لهذه القوى".
وتعتبر منطقة الخليج إحدى تلك المناطق التي تشهد هزات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية وطائفية وعرقية ودينية شديدة التعقيد والخطورة، ففي تلك المنطقة المترامية الأطراف، يوجد العديد من الملفات الحساسة التي تأخذ طابعًا دوليًّا، ولها امتداداتها وتشعباتها، كما أن التعامل مع تلك الملفات لا يمكن بحال من الأحوال أن يتجاهل التداخلات والصراعات ذات الأعاد الاستراتيجية، كونها على تماس مع قضايا تتعلق بمستقبل البشرية بشكل عام، وبمصير العديد من الدول، وبموازين القوى الدولية بشكل أكثر خصوصية.
قبل الولوج الى المحددات الاستراتيجية الروسية في الخليج لابد لنا ان نتطرق الى محددات الاستراتيجية الروسية الشاملة من حيث أن الاستراتيجية الروسية في الخليج هي جزء من الاستراتيجية الشاملة لروسية ، فيمكن القول إن هناك جملة من المحددات التي دفعت روسيا نحو إعادة ترسيم محددات وأولويات سياستها الخارجية فيما يعرف بمبادئ الاستراتيجية الشاملة الخارجية لروسية للفترة من 2013 وحتى عام 2020، تلك المبادئ التي حافظت على مجموعة من الثوابت وغيرت مجموعة من التوجهات مقارنة بما كانت عليه منذ مطلع الألفية، فسياسة روسيا الخارجية تستند تقليدياً إلى الحفاظ على ثلاث قوى لروسيا هي: روسيا كقوة نووية، وكقوة كبرى في العلاقات الدولية، وكقوة مؤثرة في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وتم إضافة بعداً جديداً يقوم على التخلص من نتائج الحرب الباردة التي تم التعامل على إثرها مع روسيا باعتبارها الطرف المنهزم بهدف استعادة ما خسرته على الساحة الدولية، حيث تركزت هذه المحددات على أن تقوم سياستها الخارجية على انتهاج سياسة برجماتية منفتحة، وتحقيق وحماية أمنها ومصالحها القومية دون الانزلاق في أية نزاعات أو مواجهات، والتعاون مع كل دول العالم علي أساس مبدأ المساواة والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ومراعاة الدور المحوري للأمم المتحدة، وسيادة القانون الدولي، وتعزيز السلم والأمن والاستقرار العالمي، ويمكن القول أن أهم ما جاء في تلك المحددات للسياسية الخارجية الروسية ما يلي:
1_ انتهاج سياسة تهدف إلى خلق نظام دولي مستقر على أساس أحكام القانون الدولي، ومبادئ المساواة والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول.
2_ أن تظل الأمم المتحدة مركزاً لتنظيم العلاقات والتنسيق في السياسة الدولية من خلال الالتزام بميثاق الأمم المتحدة، وتفعيل دور مجلس الأمن في صون السلم والأمن الدوليين، والعمل على ضمان أن تؤخذ قرارات فرض العقوبات بشكل مشترك من قبل المجلس مع الأخذ بعين الاعتبار مدى فعاليتها في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين وضمان عدم تدهور الوضع الإنساني.
3_ سيادة القانون الدولي من خلال توحيد تفسيره وتطبيقه والالتزام بأحكامه، خاصة عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، وتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية، واحترام السيادة والسلامة الإقليمية للدول، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ورفض التدخلات العسكرية وغيرها من أشكال التدخل في شئون الدول ذات السيادة.
4_ أن العالم في حاجة لنظام دولي متعدد الأقطاب وليس نظام أحادي تحتكره قوة واحدة تتحكم في مصير العالم وفقاً لما يتوافق مع مصالحها الضيقة، دون الاكتراث بمصالح العالم ودون الاكتراث بالقواعد والقوانين الدولية المنظمة.
5_ الاندماج وتوسيع المشاركة في المنظمات والاتفاقيات الدولية، والتعاون في إطار دولي من أجل تعزيز الأمن الدولي بكافة أشكاله العسكرية والاجتماعية والاقتصادية من خلال العمل على الحد من التسلح ومنع الانتشار النووي ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة ومناهضة التمييز ومحاربة التطرف والتعصب وضمان الأمن البيئي وغيرها.
6_ أن تحقيق سياسة خارجية متوازنة في عالم مستقر يتطلب انتهاج أشكال ومناهج عصرية بما فيها الدبلوماسية الاقتصادية وما أطلق عليه "القوة اللينة" بما تشمله من مجموعة من الآليات التي تعتمد على إمكانيات المجتمع الدولي في المجال الإعلامي والإنساني وغيرها من الإمكانيات البديلة لأساليب الدبلوماسية الكلاسيكية.
7_ أن روسيا على استعداد لاستخدام القوة ضد أية محاولة للإضرار بمصالحها وأمنها القومي، وأن أي تهديد نووي أو يعادل التهديد النووي ستجابهه بضربة نووية ضد مصدر هذا التهديد. وهو البند الذي يعد أبرز البنود الجديدة ضمن الوثيقتين الحاكمتين للسياسة الخارجية الروسية.