الاستراتيجية الروسية في الخليج العربي 1

20.03.2017

يمكن القول ان لروسيا دور جيوستراتيجي كبير في الخليج العربي بالنظر إلى ما تنوبه من إرث الاتحاد السوفيتي والذي ظل يحتل مكانة القطب العالمي،‮ ‬في ظل عالم ثنائي القطبية لأكثر من نصف قر‮ن، ‬وعلى الرغم من حقيقة انتهاء صراع القطبية،‮ ‬وظهور نظام دولي مضطرب نتيجة تعدد مراكز القوى فيه ، ‬تبنت روسيا مواقف في سياستها الخارجية أحيت التطلعات بعودة نظام دولي يتمركز على اكثر من لاعب دولي، ‬فالدور الروسي في منطقة الخليج يمكن اعتباره فعال ومؤثر في التوازنات الاستراتيجية، فلا يمكن اغفال الدور الروسي في الملف النووي الايراني وذلك الدور الروسي في الازمة السورية التي تشكل البوابة الاستراتيجية للوجود الروسي العسكري والسياسي في المنطقة، ‮‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬فقد عادت روسيا لتلعب دوراً فاعلاً وتتخذ مواقفاً واضحةً في العديد من القضايا الدولية والإقليمية، ساعدها في ذلك وجود قيادة متطلعة وواعية للأولويات الوطنية وقادرة على تنفيذ سياسات الدولة بكفاءة، وتحقق طفرة اقتصادية مكنت روسيا من الاستقلال بسياستها الخارجية، ولقد ساعدت التطورات الحادثة في منطقة الخليج والشرق الاوسط على بروز متغيرات إقليمية جديدة، من المتوقع أن تعيد تلك المتغيرات ترسيم خريطة القوي والتحالفات في المنطقة.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

أهمية الخليج في الاستراتيجية الروسية
   يمكن الجزم بنضوج الفكر الاستراتيجي في السياسة الخارجية الروسية في الخليج التي تقوم على مبدأ الكثير من العمل والقليل من الكلام، فمنظري الاستراتيجية الروسية يدركون الاهمية العالمية لمنطقة الخليج وخصوصا أهميته الاستثنائية للولايات المتحدة الامريكية التي تعدها روسيا العدو الاخطر لها، والحقيقة أن روسيا ليست غريبة عن الخليج، فلديها فهم قوي للفروق الدقيقة الإقليمية، فضلًا عن المدارس الأكاديمية والخبراء المهمين المختصين في دراسات المنطقة، وقد أثبتت مهارة في البناء على الأخطاء الأمريكية، هناك شكل من أشكال التواصل الذي تعنيه مجموعة من العوامل المؤثرة في الفكر الاستراتيجي الروسي، من هذه العوامل الممرات المائية، المعابر البرية، الاعتبارات الدينية، إضافةً إلى العامل الاقتصادي، هذه العوامل دفعت بالاهتمام الروسي نحو جنوب متنوع حضاريًّا ودينيًّا وثقافيًّا، وفيه من العناصر التي تعتبر مصدر جذب للاهتمامات السياسية، وكون عدة ملايين من أبناء روسيا يدينون بالإسلام، فإن أسبابًا داخلية روسية تدفع هذه الأخيرة إلى تعزيز التواصل بينها وبين بلدان الخليج.
    أدركت روسيا أهمية الاستفادة من الموقع الجيوسياسي الإيراني لمواجهة التغلغل الامريكي في المنطقة، فضلاً عن مواجهة النفوذ التركي في آسيا الوسطى من خلال منع ضم بلدان آسيا الوسطى لأحلاف مع تركيا والتي بدورها سوف تهدد المكانة الاستراتيجية لروسيا وايران، فهما يتخوفان من قيام ما يسمى "تركيا الكبرى"، ما قد يؤدي لسيطرة حلف الأطلسي على المنطقة،  بحكم تركيا عضوًا فاعلاً في هذا الحلف منذ عشرات السنين، وبالمقابل، استفادت إيران من علاقاتها الجيوسياسية مع روسيا، خاصةً بعد أن صارت قوة إقليمية كبيرة في الشرق الأوسط ووسط آسيا، وبعد أن استراحت من خصومها الأَلِدَّاء طالبان في أفغانستان، وصدام حسين في العراق- على يد القوات الأمريكية عام 2011 و2013.
   كما أن التأثير الجيوسياسي بين روسيا الاتحادية و إيران لا يخلو من تأثيرات وانعكاسات على الدور الروسي والسياسة في الخليج، وبالتالي فأن تعاظم الدور الإيراني يثير اهتمام السياسة الخارجية الروسية، وهو ما حصل بوضوح بعد تولي الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد سدة الحكم في إيران على مدار ثماني سنوات، حيث لم يكن لروسيا قوة تأثير على القيادات الإيرانية بشكل كبير، إضافةً إلى ذلك، فإن الامتداد الإيراني في الأساس ينافس الطموح الروسي في الوصول للمياه الدافئة على البحر المتوسط، كما أن الاستراتيجية الروسية في الخليج تثمن الدور الكبير لتركيا للتطلع نحو الخليج والشرق الاوسط فتشهد حاليًّا نوعًا من التقارب والتعاون الحذر المتبادل وذلك نظرًا للتراكمات التاريخية ذات الخلفية الصراعية التنافسية التي لا زالت تلقي بظلالها على تلك العلاقات خصوصاً علاقة تركيا بالغرب فضلا عن الازمة السورية التي تمثل نقطة الخلاف الاستراتيجية، فتحاول روسيا الاستفادة من موقع الجغرافي لتركيا التي باتت ممرًّا إجباريًّا لروسيا نحو المياه الدافئة، وطريقًا بريًّا لصادرات روسيا لدول الشرق الأوسط وأوروبا على وجه الخصوص، لاسيما من الغاز الطبيعي، حيث إن نحو50% من تجارة روسيا الخارجية تمر عبر المضايق التركية.
كما ان لروسيا  علاقات جيدة مع البحرين الحليف الامريكي منذ فترة طويلة وموطن الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية مثيرة للاهتمام، ففي ظل القيود الاقتصادية الحالية، فإن روسيا تبحث عن مصادر جديدة للدخل، وبالتالي تعتبر البحرين كشريك رئيس في منطقة الخليج، حيث تهيمن على جدول الأعمال الثنائي شؤون الطاقة والاستثمار والقطاعات المالية وأنشأت الدولتان علاقتهما الجوية المباشرة الأولى، حيث أصبحت شركة طيران الخليج البحرينية الناقل الرئيس على الرغم من التهديدات بالوقوع تحت طائلة العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد روسيا.
كما يمكن القول ان مرتكزات التأثير الاستراتيجية لروسيا تتمحور على اربع محور رئيسية:
1_ الملف النووي الإيراني:  في مقدمة تلك القضايا التي تهم روسيا في الخليج والشرق الاوسط  فقد ساندت روسيا منذ البداية إيران في امتلاك برنامج نووي ، ورفضت أية عقوبات أحادية الجانب من القوى الكبرى باعتبارها خرقاً للقانون الدولي وانتهاكاً لسيادة إيران، وهو الموقف الذي لا تزال تصر عليه روسيا حتى بعد التوصل إلى اتفاق جنيف بشأن الملف النووي الإيراني نوفمبر الماضي، وتعتبر روسيا أن اتفاق جنيف الذي يسمح بعمليات تفتيش أوسع نطاقاً تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية يعزز الثقة في الخليج والشرق الاوسط ويبدد بعض المخاوف من انتشار الأسلحة النووية كونه اتفاقاً جماعياً في إطار الشرعية الدولية ويضم كافة الأطراف المعنية، وكونه يؤكد في ذات الوقت على تخفيف العقوبات المفروضة على إيران، وحقها في القيام بنشاط نووي سلمي لإنتاج اليورانيوم لمحطاتها النووية ومفاعلاتها للأبحاث وللمفاعلات التي تنتج نظائر مشعة للاستخدام الطبي والإنساني، ومنذ التوصل لهذا الاتفاق الذي تعتبره روسيا نجاحاً لدبلوماسيتها في إطار احترام القانون الدولي، فإنها تعمل على لعب دور في ضمان التزام إيران والغرب ببنود الاتفاق.
2_ النفط والغاز: تعد منطقة الخليج من اهم مناطق تمركز الطاقة فصادراتها تشكل نسبة كبيرة للاستهلاك العالم وبطبيعة الحال ان عماد الاقتصاد الروسي يتعمد بشكل كبير على تصدير النفط والغاز وبالتالي فان صلب الاهتمام الروسي في المنطقة يرتكز على التنسيق المباشر والغير مباشر مع دور المصدر للبترول من اجل الحفاظ على اسعار النفط ومنعها من الانخفاض، كما تكمن المخاوف الروسية من عودة السيناريو  السابق بانخفاض اسعار البترول الذي شكل سبب رئيس لسقوط الاتحاد السوفيتي  وهو ما قامت به الولايات المتحدة في الآونة الاخيرة بضرب الاقتصاد الروسي من خلال خفض سعر النفط في العالم بالتنسيق مع السعودية العربية.

  3_ الأزمة السورية:  فتعتبر بخلاف باقي دول التحولات العربية الأسرع في تحديد الموقف الروسي حيالها فلم تنتظر نتائج حركات التغير العربي بادرت روسيا بإعلان دعمها للحكومة السورية، وأن مستقبل سورية يجب أن يحدده السوريون بأنفسهم، ورفضها للتدخل الخارجي في الشأن السوري خشية تكرار السيناريو الليبي، وتعتبر الأزمة السورية الآن القضية الأولى بالرعاية في السياسة الخارجية الروسية وذلك لعدة اعتبارات:
أ_ متانة العلاقات الروسية السورية التي يرجع تاريخها الى حقبة الاتحاد السوفيتي، الذي كان يعد سوريا حليف استراتيجياً في المنطقة
ب_ التواجد العسكري الروسي في ميناء طرطوس البحري المطل على البحر المتوسط، والذي يوفر للجانب الروسي نفوذاً سياسياً وعسكرياً، وتعمل روسيا على عدم خسارة هذا التوجه بكل الوسائل والامكانيات.
ج_ الموقع الجيواستراتيجي لسوريا خصوصاً أنها تطل على البحر المتوسط، فضلاً عن قربها الجغرافي من اوروبا ودول حلف الاطلسي والتي تعتبره روسيا ضرورياً من أجل إعادة الهيبة الروسية في النظام الدولي.
د_ الإدراك الروسي للدور السوري الفعال في المنطقة، خصوصاً في دعم حركات المقاومة المسلحة في لبنان وفلسطين والعراق، يجعلها دولة ذات ثقل سياسي في المنطقة، وبالتالي ضرورة تقديم الدعم والمؤازرة للحكومة السورية.
و_ ان حركة التغير لا تتوقف عند سوريا فقط وانما ستنتهي الى تغير خارطة الشرق الاوسط بما يضمن هيمنة الولايات المتحدة شبه الدائمة على المنطقة.

4_ المواقف الروسية حيال قضايا الشرق الأوسط: تتعلق بشأنها الداخلي بقدر ما تتعلق برؤية روسيا للمنطقة ومنظومة مصالحها فيها، فعلى الصعيد الروسي الداخلي، فهي تتوجس خيفة من صعود الحركات الإسلامية، خشية أن ينعكس ذلك على المناطق الانفصالية في شمال القوقاز كالشيشان وداغستان، كما تجذَّر داخل روسيا رؤية مناهضة للثورات عموماً منذ "الثورات" الملونة في شرق أوروبا التي أتت بأنظمة معادية لها، خوفاً من أن ينعكس ذلك على محيطها الجغرافي الذي قد يأتي في غير صالحها، فضلاً عن أن استقرار الشرق الأوسط وخلوه من النزاعات وبالقطع من أسلحة الدمار الشامل، يضمن لروسيا استقرار حدودها الإقليمية الجنوبيةـ ومن الناحية الثقافية، فإن روسيا يقطنها ما يزيد عن 20 مليون مسلم، وهو ما يعطي المنطقة وزناً نسبياً مهماً بالنسبة للأمن القومى الروسي.