الصراع الأمريكي الروسي على الأرض السورية

08.08.2017

يتصارع الكبار الروسي والأمريكي على الحلبة السورية ويملك كل منهما نقاط قوة ونقاط ضعف على هذه الجغرافية، في محاولة كل منهما لتأمين مصالحه على المدى البعيد، مع تقديمهما الدعم اللازم لكل طرف سواء أكان عبر الغطاء السياسي أو العسكري مستخدمين ما استطاعوا من نفوذ لتحقيق مصالح سياسية وغايات بعيدة المدى على مستوى التواجد العسكري أو المصالح الاقتصادية في سورية من استثمار لنفط وغاز مع الانتباه إلى أن الطرف الذي يدعمه الأمريكي إسلاموي بامتياز يعتمد التطرف وإلغاء الآخر، على حين أن الدولة السورية التي يدعمها الروسي تتبنى فكرا علمانيا يتجاوز المذاهب والأعراق ويعترف بجميع مكونات الشعب السوري.
لقد اعتمدت الولايات المتحدة في عهد باراك أوباما وإدارته على الأكراد و"قوات سورية الديمقراطية" التي تشكل "وحدات حماية الشعب الكردية" عمادها الرئيس، وقدمت لها الدعم اللازم على اعتبار أنها أكثر الفصائل الموجودة تناسب "علمانية" الولايات المتحدة التي تتظاهر بها _وهي في الحقيقة علمانية حسب الطلب وما تقتضيه المصلحة الأمريكية _ إضافة إلى أن "قسد" تؤمن مصالح الحكومة الأمريكية في الشمال السوري براحة بالغة ومن دون "تعب سياسي" كبير، وكانت النية الأمريكية تتجه نحو تقسيم سورية إلى دويلات صغيرة والتي تبدو في الوقت الراهن على وجه كبير من الصعوبة بسبب عدم تأمين مقومات ذلك التقسيم الموعود ففي موضوع الشمال هناك أمرين :
الأول: سيطرة الجيش السوري على جزء هام من مدينة الحسكة
الثاني : الوجود العسكري الروسي بالقرب من مدينة القامشلي
ويبدو التساؤل هنا منطقيا كيف ستتعاطى الولايات المتحدة مع هذين الأمرين فيما لو قررت إعطاء دولة للأكراد في الشمال? حتما سيبدو ذلك ضربا من الخيال في ظل الأمرين السابقين فليس من المنطقي قيام دولة وهناك أجزاء منها بيد حكومة أخرى إضافة لوجود عسكري روسي يتعامل سياسيا مع حكومة دمشق وليس الأكراد،  وكان لافتا محاولة دونالد ترامب عند استلامه السلطة البحث عن فصائل "معتدلة" يعول عليها ولكنه اكتشف حقيقة مفادها أن أقل الفصائل المسلحة السورية تطرفا تتبع الإيدلوجية الإسلاموية وتشكل صلب عقيدتها فيبدو  أنه تقبل الواقع المر واضطر للتأقلم مع التطرف.
وبالحديث عن الروس فقد أرست موسكو حاليا معادلة ردع جديدة في الشرق الأوسط عموما وفي الساحل الشرقي للمتوسط خصوصا، ساعدها في ذلك ثلاثة عوامل هامة:
الأول: إقامة القاعدة الجوية في اللاذقية وأنظمة الدفاع الجوي الحديثة التي لم تكن موجودة سابقا ك s300 و s400
الثاني: وجود القاعدة البحرية في طرطوس التي كانت موجودة أصلا وتفعيل دورها الردعي حاليا
الثالث: استعادة روسيا لدورها السياسي على الصعيد الدولي والإقليمي ونستطيع القول أن الاستعراض البحري العسكري الروسي الذي جرى مؤخرا بالقرب من مدينة طرطوس حمل في طياته رسائل سياسية هامة التقطها الرادار الأمريكي تفيد بأن الروس موجودون وبقوة على المنفذ البحري المتوسطي.
ما حاول الروس تمريره في أستانة5 وأفشله الأمريكيون عن سابق قصد وإصرار من ناحية عقد اتفاق لجنوب غرب سورية تحت مظلة أستانة، يظهر للعلن بشكل واضح لا لبث فيه نفوذ الإدارة الأمريكية و"غرفة الموك" على فصائل الجنوب وأن النظام التركي لا يستطيع التأثير فعليا على "الجبهة الجنوبية"، وأنه يمتلك النفوذ في الشمال لا الجنوب، فجاء اتفاق هامبورغ تحت عباءة روسية أمريكية وبدرجة أقل أردنية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هو وضع جبهة النصرة الإرهابية بالنسبة لاتفاق الجنوب في ظل غياب الكلام عنها في تفاصيل ذلك الاتفاق وكيف ستكون علاقة فصائل الجبهة الجنوبية بها وموقفهم منها، وكيف ستحل الولايات المتحدة تلك المعضلة في حال كان هناك إرادة سياسية حقيقية لدى الولايات المتحدة فيما خص الجنوب، ونستطيع وصف التقارب الأمريكي الروسي فيما يخص اتفاق هامبورغ ب"التقارب الحذر" فالروسي والأمريكي حذران تمام الحذر من تقاربهما الجديد في جنوب غرب سورية.
أما فيما يتعلق باتفاق الغوطة الشرقية، فلقد منحت موسكو الحكومة المصرية شرف استضافة ذلك الاتفاق لتعطيها بذلك دورا سياسيا هاما في هذا الملف بالتحديد "ملف الغوطة الشرقية"، بما يجعل هناك توازنا للأدوار الإقليمية في الملف السوري مع عدم امتلاكها -مصر- لأي نفوذ عسكري داخل سورية، كما أن مصر استفادت من علاقاتها الجيدة مع النظام السعودي في هذه الفترة وإعطاء نظام آل سعود الضوء الأخضر ل"جيش الإسلام" في التجاوب مع مصر كوسيط والقبول به، وتحاول روسيا إعطاء الاتفاق زخما كبيرا ومسارا منفصلا عن سياق أستانة ومشاورات عمان واتفاق هامبورغ، وإرسال رسائل سياسية توحي بأن ما حصل في القاهرة يختلف عن أستانة وهامبورغ من الناحية السياسية ولكن في الحقيقة ما كان اتفاق الغوطة ليحصل من دون رضى السيد الأمريكي وبموافقته، فاتفاقا الجنوب والغوطة هما ثمرة ما أسميته سابقا "التقارب الحذر" بين الولايات المتحدة وروسيا اللذين ما يزالان يعيشان "صراعا من نوع آخر" يناسب القرن الحادي والعشرين ويحاكي تطوراته.
يتبادر إلى الأذهان سؤال منطقي وواقعي، على ماذا سيحصل الأمريكي في منطقة الفرات وخاصة بعد تقدم الجيش السوري بشكل كبير في ريف الرقة الجنوبي، والتقدم الكبير الذي أحرزه في البادية وتحريره مدينة السخنة وهدفه بفك الحصار عن دير الزور التي لطالما اعتبرها الأمريكيون منطقة نفوذ لهم، وعلى ما يبدو فإنهم -الأمريكيون- سيفشلون في السيطرة على تلك المدينة في ظل ضعف القدرات القتالية العسكرية للقوات التي تقاتل تحت مظلتهم في الشرق السوري ما يسمى ب"جيش مغاوير الثورة" وبدا واضحا أن القيادة السورية لن تسمح للأمريكي ببسط نفوذه في دير الزور وتشاطرها في ذلك الدولة الإيرانية التي تقدم كل الدعم لمنع الأمريكي من تحقيق هدفه، فطموح الأمريكي كبير لكن أدواته على الأرض صغيرة نسبيا لا تكفيه لتحقيق هذا الطموح في السيطرة على دير الزور التي تعد حيوية سواء نفطيا أو بقربها من العراق وما تحاول واشنطن فعله من تقطيع للمحور الجديد الذي بدأ بالظهور في الشرق الأوسط(محور طهران بغداد دمشق الضاحية الجنوبية) .