العراق ميدان الحروب المقبلة!

14.03.2020

تتلاحق القرارات الأميركية بخصوص وضع قواتهم العسكرية في العراق، بشكل لا يخشون فيه من أي اتهام لهم باحتلاله.

فهم بالفعل محتلّون يُصدرون قرارات حاسمة معتمدين بتفتيته الى وجود مكوّنات ثلاثة متصارعة وشبه منقسمة بأبعاد عرقية وطائفية وجغرافية.

وهذا ينسحب على الرئاسات العراقية الثلاث الجمهورية «الكردية» والحكومية «الشيعية» والنواب «السنية» التي توالي سياسات مذاهبها، وبالتالي مناطقها بما ينتج ضياعاً للقرار الوطني الموحّد والتصاقاً بالسياسات الدولية والإقليمية.

هذه هي الوضعية التي يستفيد منها الأميركيون منذ احتلالهم للعراق في 2003، مرغمين سلطاته الدستورية في مراحل لاحقة بالاعتراف بهم في معاهدات الجديدة بأنهم قوى مساندة للدولة العراقية من أجل مكافحة الارهاب من جهة، ولتدريب القوات العراقية من جهة ثانية.

لكن هذه المهام لم تنته وكان يتوجب على الأميركيين الرحيل في 2013، ولم يفعلوا، بذريعة ان الارهاب لا يزال منتشراً حتى أنهم زادوا من قواتهم وقواعدهم في العراق وخصوصاً تلك المنتشرة على حدوده مع سورية.

بأي حال ليس هناك انتشار عسكري أميركي في بلاد غريبة من دون وظائف سياسية. وهذا يسري على العراق ايضاً.

بما يفرض الربط بين الحركتين الأميركيتين العسكرية والسياسية في بلاد الرافدين والجوار السوري.

فهل يمكن تجاهل زيارة الرئيس الأميركي ترامب لقاعدة أميركية في العراق من دون التقائه بالرؤساء العراقيين؟ صحيح أن هذا السلوك استخفافيّ بأصحاب الارض، لكن هناك ما هو أخطر ولم يكترث له السياسيون والعراقيون ولم يتجرأوا على انتقاده وهو تصريح لترامب اثناء «تسلله» الى العراق، يقول فيه إن بلاده باقية في العراق لادارة شؤون المنطقة وتبعه وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان بزيارات مماثلة أكملت ممارسة السياسة الاستخفافية الأميركية بالحكومات العراقية.

أما الخطوة الثالثة فترجمها الأميركيون على شكل تحصين عالي المستوى والمناعة لمقارهم الدبلوماسية في بغداد وكردستان وتزويد قواعدهم بأسلحة نوعية مع عديد ملائم.

وواكبوها بتعطيل متعمد وواضح لتشكيل أي حكومة عراقية جديدة إلا بمعادلة «مدبرة» تستطيع تعطيل أي مشروع لإخراج القوات الأميركية من العراق.

هناك أيضاً ما هو اخطر… وهو الاعلان الأميركي الصريح عن المباشرة بتزويد قواعدهم العسكرية بشبكة صواريخ متنوعة شديدة التطور للدفاع الجوي والقصف البري، هذا الى جانب إحداث ربط شديد ومحكم بين قواعدهم عند الحدود العراقية مع مناطق شرق الفرات السورية عبر دير الزور الى الحسكة والقامشلي والحدود السورية العراقية لناحية الشرق.

وتشير معلومات دولية أكيدة ان هذا الخط الأميركي له اهداف جيوبوليتيكية وسياسية واقتصادية.

لجهة الجيوبوليتيك فإن الاستمرار باحتلال هذه البقعة السورية العراقية تجعل الأميركيين على تماس مباشر مع تركيا والدولة السورية والعراق الرسمي في بغداد والجنوب، والسعودية لناحية الإنبار العراقية، وفي مواجهة إيران في كل مكان تقريباً وحيث توجد قواعدها في كردستان العراقية الى الكويت والبحرين والإمارات وعمان والسعودية وقطر، بما يمنع انهيار النفوذ الأميركي من منطقة الشرق الأوسط بكامله مع مواصلة خنق إيران ومنع روسيا من التمدد «السوفياتي الطابع». والحد من التوغل الصيني، يكفي ان هذا المشروع يجهض سياسياً تأسيس دولة عراقية قوية ذات دور إقليمي ويمنع استكمال الدولة السورية لسيادتها على كامل أراضيها، اي مشروع للتمديد للازمتين العراقية والسورية والاستيلاء على مساحات واسعة جداً هي الأكثر استراتيجية للمشروع الأميركي الجديد.

اقتصادياً يسيطر الأميركيون عبر هذه المساحة العراقية – السورية التي يمسكون بها على آبار النفط الاساسية في كردستان وشرق سورية وشمالها.

أليس هذا ما استشعره الرئيس التركي اردوغان، فحاول إشراك بلده في اللعبة الاستعمارية الأميركية، عبر تحاصص ثلاثي بين القوى الأكثر فاعلية في تلك المنطقة وهي الأميركية والروسية والتركية؟

يكفي هنا عرضه للأسباب التي دفعته الى هذا الاقتراع، وهي على حد زعمه ضرورة بناء مساكن للنازحين السوريين في الشمال والشرق بما يكشف عن استيعابه للمخطط الأميركي مع محاولة بناء منطقة حاجزة داخل الحدود السورية بعمق ثلاثين كيلومتراً يوطن فيها نازحين من جنسيات مختلفة، في مسعى لتغيير ديموغرافي بإبعاد الأكراد السوريين الى الداخل، فتصبح لأردوغان اهداف عدة: تفتيت سورية وطرد الأكراد والهيمنة على النفط مقابل طموح أميركي للسيطرة الجيوبوليتيكية بالاحتلال والسطو على النفط وتركيب أنظمة ومحاولة منع التراجع الأميركي.

بأي حال هذا ما يريده الأميركيون والأتراك.

فما هو الرد العراقي – السوري وبالطبع الإيراني. ومن خلفهم الردود الروسية – الصينية؟

إن كل هذه القوى المعنية تدرك ان الأميركيين يقطعون التواصل السياسي والاقتصادي بين العراق وسورية وإيران وروسيا بشكل مقصود.

لكنها تعي أيضاً ان معركة ادلب هي واحدة من الوسائل السورية – الروسية لمنع تحقيق المشروع الأميركي التركي في الشرق.

بما يوضح أسباب الإصرار الأميركي على منع استكمال عملية تحرير إدلب، مفسراً دواعي هذا الصراخ التركي المستمر.

لكن ما يتسبب بقلق فعلي، هو الوضع العراقي المطلوب منه مؤازرة السوريين إنما داخل العراق وليس خارجه، وذلك لأن الضغط على الأميركيين على طول المساحة المصرين على الإمساك بها يؤدي الى خسارتهم لمشروعهم، وتخفيف وقع عقوباتهم على إيران، بما يمنح الروس ظروفاً مناسبة للدخول في مجابهة فعلية في سورية وغيرها.

هذا إذا وثقوا بوجود وحدة وطنية عراقية تمهّد الشرعية السياسية لدورهم في العراق.

العراق إذاً هو النقطة الاستراتيجية التي يريد منها الأميركيون رعاية الخليج وخنق إيران وتفتيت سورية ومراقبة تركيا، والبدء بمشروع تأسيس دويلات كردية من إيران والعراق وسورية وربما تركيا.

لذلك فإن الميدان العراقي مرشح لصراعات قوية عراقية وإيرانية وأميركية وكردية وتركية وروسية، وربما اشتركت فيها قوى أوروبية.

فيبقى أن وحدة العراقيين هي وحدها الكفيلة بلجم هذه الحروب أو الانتصار عليها. وهذا يتطلّب الخروج من العرقية والطائفية والإيمان بأن الأميركيين لا يعملون الا في خدمة مصالحهم ويستعملون الآخرين حطباً لإضرامها.