الرقة بعد البوكمال معادلة المرحلة المقبلة
ما جرى في كردستان العراق بمواجهة مشروع الانفصال لم يكن مجرد ردّ على عناد رئيس الإقليم الكردي في العراق مسعود البرزاني وطموحاته الشخصية، والموقف الإيراني الذي ترجم انخراطاً مباشراً في إسقاط الانفصال الكردي لم يكن مجرد دفاع عن الأمن الوطني الإيراني، كما هي الحال بالنسبة لتركيا، التي لعبت إيران دوراً في طمأنتها واستنهاضها، لقد تصرّفت إيران في ذروة التصعيد بينها وبين واشنطن على خلفية القناعة بأنّ الانفصال الكردي هو الاختبار الأهمّ لموازين القوة بينها وبين الأميركيين، وقالت لروسيا التي كانت تتصرف بحذر تجاه الحركة الكردية، إنها ستخوض معركة إسقاط الانفصال حتى النهاية مهما كانت الكلفة.
النتائج التي ترتّبت على المواجهة مع مشروع الانفصال زادت اليقين الإيراني بأنّ التصعيد الأميركي بالوكالة واللعب على حافة الهاوية ليسا إلا حرباً نفسية، والانهيار السريع لمشروع الانفصال ثبّتا المعادلة الإيرانية القائمة على اعتبار أنّ المناطق التي تسقط بيد المشروع الأميركي إنما تسقط لأنّ مَن يُفترض بهم المواجهة يتهرّبون منها تفادياً للمواجهة، وظناً منهم بأنهم سيلاقون حرباً أميركية إنْ فعلوا العكس. وأرادت إيران أن تثبت لهؤلاء بأنهم إذا تشجّعوا وقاموا بواجبهم في المواجهة فإنّ أميركا هي مَن سيتراجع تفادياً للمواجهة، وهذا ما حصل.
يقارب الإيرانيون ملف أكراد سورية بهذه الرؤية، ويعتقدون أنّ الاستعمال المفرط للعنوان الكردي من الجانب الأميركي في سورية للالتفاف على دور الجيش السوري في بسط سيطرته على أراضيه بوجه سيطرة داعش، قد بلغ حداً لم يعُد يجوز السكوت عنه، وأنّ صيانة وحدة سورية وسيادتها، وفتح ملف الوجود العسكري الأميركي غير الشرعي في سورية، والمتغطّي زوراً بعنوان الحرب على داعش، سيسقط مع تحرير البوكمال، ويجب أن يدرك الأميركيون أنه لا بقاء للغطاء الكردي الذي يريدون الاحتماء به لتبرير المزيد من البقاء غير القانوني وغير الشرعي في سورية، ويسعون لفرض تقسيم موضوعي لسورية عبره، لذلك تقوم المعادلة الإيرانية التي عرضت على الحلفاء ولقيت قناعتهم وقبولهم، بالتنسيق مع الدولة السورية، على عنوان، الرقة بعد البوكمال وكركوك.
–الرسالة التي وجّهها مستشار الإمام علي الخامنئي للشؤون الدولية الدكتور علي ولايتي من بيروت، تحت عنوان الرقة بعد البوكمال، وتأكيده أنّ محور المقاومة سيتجه لتحرير الرقة بعد تحرير البوكمال، ليست مجرد رسالة بل إعلان موقف عملاني، يختصر ما سيجري لاحقاً، ولا يقتصر مضمون الرسالة على مخاطبة أكراد سورية بأخذ العبرة من تجربة أكراد العراق واستخلاص معاني السير وراء الخداع الأميركي، ولا هي رسالة للأميركيين فقط، بأنّ زمن رحيلهم من سورية قد اقترب، وأنّ عليهم البدء بحزم حقائبهم، وحسب، بل هي رسالة للأتراك الذين يتشارك معهم الروس والإيرانيون في نقاط ومواقع مختلفة، لكن يجب أن يأخذوا في حسابهم أنّ الدولة السورية لن تتشارك في السيادة مع أحد، لا دولاً ولا جماعات، وأنّ من يريد اقتطاع بعض الجغرافيا السورية تحت سيطرته كمنطقة نفوذ، عليه أن يضع في حسابه أنه سيكون قريباً على موعد مع مواجهة ضد محور المقاومة، والأفضل له الاستعداد للانسحاب.
سورية قريباً تحت سيطرة أحادية لجيشها، وهذا هو أهمّ ما نجم عن لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والإمام الخامنئي وجاءت ترجمته بتصريح ولايتي، وهذا عهد الحلفاء لسورية ورئيسها، ولا مساومة على ذلك لا مع عدو ولا نصف صديق.