الناتو أصبح بلا قيمة وقيد الانهيار

11.08.2016

بعد المحاولة الفاشلة للانقلاب في تركيا، تجد تركيا المزيد والمزيد من الأدلة على التورط الأمريكي في هذا الحدث.  لذلك تواجه البلاد ضرورة الانسحاب من التحالفات غير الموثوقة. الأستاذ شون جاب، وهو مؤرخ وكاتب يشرح الأسباب التاريخية لنشأة حلف شمال الأطلسي وطبيعة الذعر الغربي حول الاستعداد التركي للخروج منه.
تأسست منظمة حلف شمال الأطلسي في عام 1949 لمواجهة تهديدات نوعية. وكانت نهاية الحرب العالمية الثانية قد شكلت فراغا في أوروبا الوسطى والشرقية والاتحاد السوفيتي. سنحت الفرصة لستالين لأخذ بولندا والمجر وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا والتي تشكل أساس أوروبا الشرقية واستخدامها كمنطقة عازلة لحماية روسيا من هجمات الغرب. لكننا في الغرب كنا نرى بشكل مختلف فنرى هذا بداية لاستيلاء محتمل للشيوعيين على أوروبا الغربية. وهكذا، في عام 1949، وضعت أمريكا وبريطانيا وفرنسا ودول أخرى في منظمة حلف شمال الأطلسي خطة لتنظيم الدفاع المشترك عن أوروبا الغربية ضد الغزو السوفيتي المحتمل. لم يحدث أي غزو سوفيتي، والآن لم يعد الاتحاد السوفييتي موجودا. وبالتالي حلف الناتو نفسه لم يعد لديه صلة بهذه الأسباب وبالتالي لم يعد يخدم أي هدف من تلك الأهداف. لم يعد هناك أية حاجة بالنسبة للأميركيين لبناء القواعد العسكرية في أوروبا الغربية. السيد ترامب يسأل: "لماذا نحن نذهب إلى الحرب دفاعا عن كل هذه البلدان؟ لماذا لا ينبغي أن ننظر بالدفاع عن أنفسنا؟ "- أسئلة جيدة. لماذا ينبغي أن ينظر إلى تركيا باعتبارها جزءا أساسيا من دفاع الغرب ضد التهديد الذي لم يعد موجودا؟ أعتقد أن تركيا ستفعل شيئا جيدا للغاية إذا انسحبت من حلف شمال الأطلسي. أعتقد أنه أمر جيد انسحاب بريطانيا والولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي الذي لم يعد يملك أي سبب للوجود. فهو موجود منذ 25 عاما مع اختفاء أسباب وجوده. ما يقرره الاتراك بأنفسهم هو عملهم الخاص، إنها بلدهم ونتمنى الحظ الجيد لهم. يجب أن يقرروا مصير بلدهم ومصيرهم بأيديهم وليس للغرباء أن يتدخلوا. إذا أرادت تركيا أن تصبح أكثر أوراسية وأقل أوروبية فهذا هو شأنهم.
في عام 1815، في نهاية الحرب التي أعقبت الثورة الفرنسية، قامت القوى المحافظة في أوروبا (النمسا-المجر، الإمبراطورية الروسية، بروسيا، فرنسا الملكية) بإنشاء تحالف يسمى بالتحالف المقدس. وكانت هذه المنظمة تتشكل من الملكيات المحافظة للغاية والتي كانت تهدف إلى الوقوف معا للحفاظ على نفسها واستمرارها في حالة عجزها عن الاستمرار  من تلقاء نفسها. يمكننا أن نعتبر حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي النظراء الحديثين للتحالف المقدس. السبب الذي جعل العالم الغربي بأكمله في أزمة نتيجة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لأن هذا الخروج كان هجوما على النظير الحديث للتحالف المقدس. الآن هناك عضو واحد يترك، كما سيترك أعضاء آخرون أيضا. بريطانيا غادرت الاتحاد الأوروبي وتركيا قد تترك حلف شمال الأطلسي. قد تكون هاتين الحقيقتين مرتبطان. ومن الممكن أن الهولنديين سيغادرون قريبا جدا. وفي الوقت نفسه تعتبر بلدان أوروبا الشرقية شبه منفصلة عن المؤسسات الأوروبية التي تعتبر الهيكل الكامل لحكم العولمة الذي يتعرض لهجوم متزايد. قد يفسر هذا سبب القلق لدى عدد كبير من الناس في واشنطن وعواصم أوروبا الغربية لأن تركيا لم تعد عضوا موثوقا به في منظمة حلف شمال الأطلسي كما كانت في الماضي. الأتراك قد اكتشفوا كذلك أن التوجه الغربي في القرن الماضي لم يعد يعمل لتحقيق مصالحهم.
أنا أتابع معظم التغيرات الجارية في تركيا من خلال موقع الـ"بي بي سي"، الذي لا يمكن الرهان على مصداقيته وكفاءته. ولكن يبدو أن النظام الداخلي للحكم في تركيا يتغير جذريا، ومن المفترض أنه سيؤدي إلى تغيير خارجي؛ أي أن الأتراك سيقومون بإعادة توجيه مصالحهم الإستراتيجية بعيدا عن أوروبا، وهذا شأنهم. تركيا لا يمكن أن تكون خطرا على بلدي أو بلدان أوروبا الغربية. هذا ليس عملنا. ولكن كما قلت، لدينا هياكل العولمة هذه التي اعتادت أن تكون قوية جدا، ولكنها ستبدأ بالانهيار إذا أصابها الاهتزاز.
هذا هو السبب في أن تصويت بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوربي أنتج الذعر. وهذا ما يحدث في تركيا في الوقت الراهن. هؤلاء الناس يمكن أن يروا الانهيار أمام أعينهم. وهم يعلمون أنه لا يوجد شيء يمكن القيام به للحفاظ على ذلك. كثير من الناس يصرون على أن جميع هذه التغيرات سوف تجلب حربا عالمية أخرى، لكنني لا أعتقد ذلك. ما أراه هو الرفض العالمي للطبقة الحاكمة والطبقة الحاكمة تنعدم الثقة بها في كل الدول الغربية. الشعوب في كل العالم تنهض وتقول: "كفى، نحن نريد التغيير".