النقود الإلكترونية: مال أم أداة مقامرة؟

13.04.2016

اليوم، نسمع في كثير من الأحيان كلمات مثل "بيتكوين"، "المال الرقمي"، "العملة الافتراضية"، "النقود الإلكترونية"، "المحافظ الإلكترونية"، "المال البديل"، "والنقود الشبكية"... إلخ.
وقبل بضع سنوات، كانت المفردات المماثلة تستخدم في دائرة ضيقة جدا من الناس - علماء الرياضيات والمبرمجين وخبراء أنظمة الدفع والاتصالات، والمبرمجين في البنوك والخدمات الخاصة. اليوم عن النقود الإلكترونية وبيتكوين يجادل بالفعل رؤساء المصارف المركزية والمؤسسات المالية الدولية وشخصيات سياسية رفيعة المستوى.
جميع المصطلحات الواردة أعلاه، تصف الابتكارات التي استولت على عالم المال في القرن الحادي والعشرين. نحن نتحدث عن أحدث العمليات "البديلة" وأدوات السوق المالية، وفق مفهوم أولئك الذين صمموها ويستخدمونها- وهي نوع جديد من المال، موجود بالتوازي مع المال التقليدي (النقدي وغير النقدي)، ولكن يختلف اختلافا كبيرا عنه.
أولا، العمليات مع هذه الأموال "البديلة" لديها مستوى حماية ممتاز(البعض يقول أنه يبلغ 100 في المائة).
ثانيا، النقود الإلكترونية، هي نقود خاصة حصريا، ما يعني أنه ابتكرها ويملكها أفراد. وتتحرر هذه الأموال تماما عن الدولة، وعن المهام التنظيمية والرقابية.
ثالثا، يتم إنشاؤها ومعالجتها في نظام لا مركزي. ومن المفترض أن مثل هذا النظام لا يسمح لأحد من الأعضاء بالسيطرة على النظام، أو فرض سيطرة أحادية عليه.
أنصار النقود الإلكترونية يولون اهتماما خاصا بحقيقة أن هذا النوع الجديد من المال، يعطي الناس حرية أكبر. ويقولون إن الناس يخرجون من عهدة الدولة. المصارف المركزية ومؤسسات الرقابة المالية الأخرى التي لا تريد لأحد أن يخرج عن نظام احتكارها المصرفي، غير قادر على السيطرة على عمليات النقود الإلكترونية، التي لا تعرف الحدود الوطنية، ويمكن استخدامها في حالات فرض الدولة لقيود على المدفوعات الدولية. في الواقع، هذه النسخة الإلكترونية الأحدث لنظام "الحوالة" المستخدم منذ قرون، والذي يسمح بنقل الأموال والمدفوعات بشكل غير رسمي، وهو يستخدم أساسا في آسيا وأفريقيا (نظام يلغي الحاجة إلى تنقل المال عبر الحدود).
ويعرب ممثلو المدرسة النمساوية للاقتصاد عن سعادتهم الشديدة بظهور النقد الإلكتروني خاصة أنهم حاربوا بقوة طوال القرن العشرين، ضد احتكار البنوك المركزية في القضية النقدية ودعوا للانتقال إلى المال الخاص.
النقود الإلكترونية الأكثر شهرة في يومنا، هي بيتكوين. وغالبا ما يشار إليها باختصار BTC.
وهذه العملة مازالت تخطو أولى خطواتها. فالمرة الأولى التي سمع العالم عن العملة الجديدة، كانت يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2008، عندما ظهرت وثيقة تعرف وتصف البيتكوين، وقعت من قبل صاحب المشروع ساتوشي ناكاموتو. ويعتقد كثيرون أن هذا لقب، يخفي شخصا آخرا أو حتى مجموعة من المطورين. وفي السنوات اللاحقة، أجري العديد من التحقيقات الصحفية، ولكن لا أحد كان قادرا على الوصول مباشرة للمطور الغامض ساتوشي ناكاموتو. وبدأ المشروع يوم 3 يناير/كانون الثاني 2009، عندما تم إنشاء أول وحدة بيتكوين في الشبكة، وتمت تسميتها (كتلة سفر التكوين). ويعتبر هذا اليوم عيد ميلاد بيتكوين،الذي تحتفل به جماعة بيتكوين في جميع أنحاء العالم.
اليوم في العديد من البلدان، انتشرت الى حد بعيد شبكة واسعة من المشاركين في نظام  BTC، بما في ذلك ما يسمى عمال المناجم (أولئك الذين يخلقون الأموال الافتراضية في شكل كتل)، والمستخدمين العاديين (الذين يراكمون هذه العملة في "المحافظ الإلكترونية"، والذين ينفقوها)، وبورصات خاصة. في بعض الدول الغربية ظهرت نقاط البيع الطرفية لإجراء العمليات الحسابية لبيتكوين في المحلات التجارية وأجهزة الصراف الآلي BTC تنتشر في أوساط الملايين من الأعضاء. هذا النظام يمكن تخيله كشبكة كمبيوتر لامركزية، حيث الأداء أعلى أكثر بثماني مرات من إجمالي قوة المعالجة لأجهزة الكمبيوتر العملاقة في العالم.
BTC غالبا ما يشار إليها على أنها نظير إلكتروني للذهب. بيتكوين - نتاج "التعدين" - عمليات الحوسبة. في بداية خريف عام 2009، كانت الأمور سهلة، إذ أن وحدة واحدة من BTC  كان من الممكن شراؤها بمبلغ أقل من سنت واحد. ثم بدأ تعقيد "الإنتاج" والقوة الشرائية لوحدات BTC بدأت تنمو بسرعة. وفي البداية تم استخدام BTC لشراء أبسط السلع (على سبيل المثال، كوب من القهوة والبيتزا)، ثم أصبح ممكنا شراء الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر. وبدأت بورصات متخصصة بالظهور، حيث يتم تداول  BTC كعملة عادية. وفي أحد الأوقات، بلغ سعر صرف BTC في الولايات المتحدة 1000  دولارأمريكي.
ومع ذلك، بيتكوين ليست العملة الإفتراضية الوحيدة من نوعها في العالم. فوفقا لبعض التقديرات، هناك أكثر من ألف من هذه العملات الافتراضية. الحجم الكلي للنقود الإلكترونية الصادرة في مختلف البلدان في جميع أنحاء العالم، يقدر اليوم بما يعادل عدة مليارات من الدولارات. في حين أن هذا قطرة في محيط. ومع ذلك، أنصار العملات الافتراضية لا يفقدون الأمل. هم يعتقدون أن حجم انبعاثات النقود الإلكترونية سيرتفع بسرعة، لأن لها مزايا أفضل من المال التقليدي. وبالإضافة إلى ذلك، BTC وغيرها من الأموال الافتراضية لها تأثير الانكماش، ما يعني أن زيادة حجمها ستزيد من قوتها الشرائية.
كل ما سبق، هو ما تعرضه عادة الطبعات، التي تروج بشكل خفي لقوة العملة الجديدة. ومع ذلك، هذه الظاهرة لها أيضا جانب مظلم. أولا وقبل كل شيء، ينبغي أن نولي الانتباه لمسألة أن النقود الإفتراضية يحتمل أن تكون أداة مثالية لتمويل الإرهاب والعمليات السرية (بما في ذلك الثورات الملونة). وبالإضافة إلى ذلك، في ظروف تشديد بعض البلدان لقوانينها حول استخدام الحسابات الخارجية، فإن هذه العملات يمكن أن تساعد في التحايل على القيود الجديدة. فكرة النقد الإلكتروني ولدت في أعماق وكالات الاستخبارات الغربية، والمطور الأشهر لبيتكوين، ساتوشي ناكاموتو، -الذي لم يره أحدا في الوجه - غطاء لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
من حيث المبدأ، النقد الإلكتروني يهدد بتقويض احتكار البنوك المركزية لإصدار العملة (الأوراق النقدية) وحقوق المصارف التجارية لإصدار العملات غير النقدية (وديعة).
مع استثناءات قليلة، تسعى السلطات النقدية إلى الحد من مثل هذه المشاريع في مهدها. على خلفية هذه السياسة الصارمة من قبل السلطات النقدية في العديد من البلدان، إلا أن سلطات عدة بلدان كانت متسامحة جدا. وخاصة في بلدان مثل أستراليا ونيوزيلندا وسنغافورة وألمانيا وهولندا. على ما يبدو السلطات في بعض الولايات الأمريكية متعاطفة مع هذه العملات الإلكترونية. سلطات ولاية نيويورك، على سبيل المثال، قررت أن تركب موجة تطور العملات الإفتراضية، ونظمت إصدار تراخيص للمعاملات مع بيتكوين. ومنذ العام الماضي، بدأ قادة بنك الشعب الصيني بإظهار سياسة تسامح مع العملات الإفتراضية.
صيغة علاقة السلطات النقدية بالعملات الإفتراضية تقريبا كالتالي: "نحن لا نحظر استخدام العملات الإفتراضية، خارج النظام النقدي الرسمي، ولكن لا نسمح بتنفيذ البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية عمليات مع العملة البديلة. نحن لسنا مسؤولين عن المخاطر التي تنشأ في العمليات مع العملات الإفتراضية،هذا خياركم الطوعي".
لم يتم بعد تحديد وضع قانوني لهذه العملات في معظم البلدان. هناك دول تحظر  من دون تحفظ  النقد الإفتراضي، ولكن الدول المتقدمة اقتصاديا ليست في صفوفها. هذه القائمة أساسا تتكون من البلدان الصغيرة (بوليفيا، إكوادور). في روسيا، والموقف تجاه العملات الإفتراضي متحفظ للغاية، وممكن القول إنه سلبي. أصدر بنك روسيا في يناير/كانون الثاني 2014، بيانا قال فيه ان العملات الإفتراضية هي  نوع من "بدائل المال"، المحظورة بموجب المادة 27 من القانون الاتحادي بشأن "البنك المركزي لروسيا الاتحادية".
على الرغم من أن الأدوات المالية الجديدة تحمل اسم "العملة" و"المال"، إلا أن هذا من قبيل المبالغة. تتمثل المهمة الرئيسية للمال، بالقدرة على "قياس القيمة"، بمساعدة المال يتم تحديد أسعار السلع والخدمات والأصول، والعمل، الخ. حتى اليوم، العملات الرسمية غير قادرة بشكل كامل على أداء هذه الوظيفة، حيث أن هناك معيار ورقة المال في العالم وأسعار الصرف.
الاستنتاج الرئيسي: العملات الإفتراضية ليست مالا حقيقيا، ولكنها أداة للمقامرة. مثل الروليت، أو لعب الورق. وكوسيلة لتحديد العلاقات بين اللاعبين، يتم استخدام العملات الحقيقية.
وقد بدأت بعض الدول بترخيص شركات وأفراد عاملين مع العملات الإفتراضية، ولكن التدخل الحكومي غير قادر وليس المقصود منه تغيير طبيعة هذه الأداة. سيتم هنا الربط بين العناصر شبه الإجرامية التي تنظم لعب القمار على الانترنت، والجهات الرقابية. والاقتصاد في أحسن الأحوال لن يكسب شيئا، وفي أسوأ الأحوال سيخسر. المال سينتقل من القطاع الحقيقي إلى طاولة لعب أخرى.