لماذا يختلق ترامب انتصارات وهمية في الخليج؟
لعل الرئيس الأميركي يحاول في إعلانه إسقاط طائرة مسيّرة إيرانية، الإيهام بالرد على إسقاط الطائرة الأميركية بالوسيلة ذاتها. فهو يزعم أنها اقتربت 900 متراً من المدمرة الأميركية في مياه الخليج ولم تتجاوب مع التحذيرات، في محاكاة للتوضيح الإيراني إبّان إسقاط الطائرة الأميركية.
مساعي ترامب التي تزعم إثبات قدرته على الرد بالمثل، تثبت على العكس من ذلك أن قوّة أميركا، التي تقتصر على الرد بالمثل ضد إيران في حال كان الرد أمراً واقعاً، قد أصابها الضعف والهوان بالمقارنة مع التهويل الأميركي المعهود إذا تجرّأت طائرة معادية من الإطلالة على السفن الحربية الاميركية. لكن اختلاق ترامب رداً وهمياً، كما يؤكد حرس الثورة الإيرانية بالدليل المصوّر، يدلّ على عجز أميركا التي تلجأ للتعويض عن الشلل باختلاق انتصارات وهمية.
الإدارة الأميركية التي تسعى إلى الإيحاء بقدرة وهمية مصطنعة منذ إسقاط الطائرة، تحاول قلب الوقائع، أملاً في أن تصب المياه في طاحونها والدلالة على انصياع إيران تحت وطأة العقوبات والتهديدات الأميركية؛ فوزير الخارجية مايك بومبيو يزعم أن إيران مستعدة للتفاوض بشأن برنامجها الصاروخي نتيجة تأثير العقوبات عليها. وهو ما تعمّد استخلاصه من عرض وزير الخارجية محمد جواد ظريف على الفضائيات الأميركية بأن البرنامج الصاروخي الإيراني مرتبط بالدفاع الإيراني تجاه الترسانة الأميركية في المنطقة، في إشارة إلى الدعم الأميركي لـ "إسرائيل".
على هذا المنوال يدّعي ترامب أنه أحرز تقدماً كبيراً مع إيران، نتيجة الضغط الأقسى، لمجرّد إعلان الرئيس حسن روحاني استعداده للتفاوض إذا تراجعت واشنطن عن حرب العقوبات وعادت إلى الاتفاق النووي.
فترامب وإدارته يرسمون في مخيلتهم فرضيّة تخلّي إيران عن البرنامج الصاروخي وعن استقلالها في السياسة والدفاع، وعن تضحيات وإنجازات 40 سنة، استجداءً للعلاقة مع الولايات المتحدة.
الدبلوماسية الإيرانية التي تملك القدرة على تفكيك هشاشة الدبلوماسية الأميركية في إطلاق المبادرات، تستند إلى قوة حقيقية في موازين القوى لردع العدوان الأميركي ومنع ترامب من مغامرة الحرب. فإيران تمسك بزمام المبادرة على الصعيد العسكري، لتحويل مغامرة الحرب الأميركية إلى حرب مدمّرة ضد "إسرائيل" والقوات والمصالح الأميركية في المنطقة. كما أوضح أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله استناداً إلى المعطيات والوقائع. وكما تمتلك إيران وحلفاؤها زمام المبادرة في العمل العسكري، تمتلك زمام المبادرة في التحرّك الدبلوماسي بعيداً عن التأويلات والاستنتاجات الأميركية.
في المقابل، تضطر الإدارة الأميركية إلى اعتماد دبلوماسية الألاعيب البهلوانية، نتيجة افتقادها امتلاك زمام المبادرة بعد أن منعتها إيران من خيار التهديد بالحرب، بسبب الكلفة الباهظة التي يمكن أن تغيّر نتائجُها موقع أميركا في التوازنات الدولية.
وفي هذا السياق تتحرّك الإدارة الأميركية في الفراغ لطمأنة السعودية بـ 500 جندي في قاعدة خالد بن سلطان، وتثير الضجيج في الحديث عن تحالف دولي لحماية الممرات المائية من دون أي مقومات لحماية الممرات إذا لم تكن إيران دعامة هذه الحماية في مضيق هرمز.
امتلاك إيران زمام المبادرة، قد لا يقف على احتفاظ إيران باستراتيجية دفاعية إلى أمد غير منظور. فقائد حرس الثورة العميد حسن سلامي يشير إلى إمكانية تحوّلها إلى استراتيجية هجومية، إذا ارتكب الأعداء أي أخطاء. وقد يكون بين الأخطاء الجسيمة تصعيد الحرب الاقتصادية.