لماذا طور الاتحاد السوفييتي قنابله الذرية

source: pixabay.com
26.03.2017

إن الأسلحة النووية تشكل مصدر قلق بالغ للبشرية اليوم، غير أن استخدامها أنهى اشتعال الحروب العالمية. لقد أدى احتمال التدمير المؤكد والمتبادل على إجبار القوى العظمى على وضع أسلحتها جانبا والسعي إلى إجراء الحوار.
في السنوات الأولى من العصر الذري، كانت الولايات المتحدة تملك القيادة. وفي آب / أغسطس 1945، أظهرت واشنطن قوة الأسلحة النووية المدمرة عندما أسقطت قنبلتين على اليابان، فكان ذلك تحذيرا إلى البلدان خارج الكتلة الغربية. لكن الوضع تغير في 29 اغسطس عام 1949 عندما اختبر الاتحاد السوفيتي سلاحه النووي.
بداية السباق
الفكرة القائلة بأن الطاقة الهائلة التي يتم إطلاقها عند انشطار ذرة اليورانيوم يمكن استخدامها للأغراض العسكرية تم بحثها لأول مرة من قبل الفيزيائيين في أواخر الثلاثينيات. وكان الرواد الألمان، الذين أحرزوا تقدما أكثر من غيرهم في تطوير الأساس النظري للبرنامج النووي. وكان المشروع الذري الألماني قد بدأ بالعمل في صيف عام 1939. علماء الفيزياء الذين فروا من ألمانيا بعد صعود هتلر أدركوا بسرعة ما يمكن أن تحصل من نتائج إذا نجح المشروع الألماني.  وكلما حصل ذلك بسرعة أكبر كان ذلك أفضل. 
وفي آب / أغسطس 1939، تم تسليم روزفلت رسالة من عالم بارز هو ألبرت أينشتاين. وقد لفت أينشتاين الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء انتباه الرئيس إلى أن النازيين كانوا يجرون أبحاثا لتطوير سلاح نووي، واقترح أن يبدأ تنفيذ مشروع مماثل في الولايات المتحدة. وفي العامين التاليين، بدأ العمل على نطاق واسع في الولايات المتحدة، واستثمرت أموال كبيرة لهذا المشروع، وتم تجنيد مجموعة من أعظم العقول في ذلك الوقت، بما فيهم نيلز بور وإدوارد تيلر.
وكان الاتحاد السوفياتي يعرف جيدا كل هذا. وكان علماء الفيزياء السوفييت على بينة من عمل زملائهم الأجانب. لم تجلس المخابرات السوفيتية مكتوفة الأيدي، وفي حزيران / يونيو 1940، كانوا يراقبون عن كثب الأبحاث الأمريكية على أحد نظائر اليورانيوم (اليورانيوم 235). وبعد مرور عام ونصف ، عندما بدأت الحرب الوطنية العظمى (بعد غزو ألمانيا لروسيا)، وصلت أخبار أكثر إثارة للقلق: يمكن أن تطور بريطانيا سلاحا نوويا في وقت مبكر من عام 1943. وهذا يعني أيضا أن الألمان، الذين كانت قواتهم بالفعل بالقرب من موسكو، يجب أن يكونوا قريبين من امتلاك سلاح نووي. لقد كان الاتحاد السوفييتي في تلك الفترة متخلفا بشكل كبير في هذا السباق النووي.

الفيزيائيون والجواسيس إلى العمل
وكانت المعلومات حول التقدم الناجح الذي حققته الدول الغربية في تطوير سلاح نووي تتدفق إلى الكرملين. وسرعان ما أدرك جوزيف ستالين أنها مسألة حيوية للغاية بالنسبة لروسيا. وكان قراره واضحا: "ليس لدينا القنبلة: فنحن نعمل بشكل سيء!" لقد توقف الألمان خارج موسكو، وسرعان ما حدث انفراج في الحرب، ولكن لا أحد يستطيع أن يضمن أن الوضع قد يتغير إذا حصل الألمان على السلاح النووي. أما إنجازات الأمريكيين والبريطانيين فقد تكون مقلقة، فبعد أن يحصلوا على القنبلة الذرية، يمكنهم التغلب على هتلر لوحدهم، وبالتالي سيهددون الاتحاد السوفيتي.
وفي أيلول / سبتمبر 1942، أذنت قيادة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية بتأسيس مختبر متخصص بالعمل في المشروع النووي، وكان ذلك بداية تاريخ البرنامج الذري السوفيتي. بدأ العمل بمجموعة صغيرة من الفيزيائيين تحت القيادة العامة ل إيغور فاسيليفيتش كورشاتوف، الذي يعتبر والد القنبلة الذرية السوفييتية. وقد تعاونت أجهزة الاستخبارات بشكل وثيق مع العلماء. كانت شبكة التجسس السوفيتية في الولايات المتحدة تملك صورة كاملة عن التقدم الذي تم إحرازه في المشروع الذري الأمريكي، وحتى أنها كانت تعرف مواقع مركز البحوث الرئيسي. وقد تم تقديم مساعدة كبيرة أيضا من قبل الفيزيائيين النوويين الأميركيين المتعاطفين مع اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية. وبفضلهم كانت مخططات القنبلة الامريكية موجودة بالفعل فى مكتب كورشاتوف بعد اسبوعين من تأسيسها عام 1945.

نهاية الاحتكار الذري الأمريكي
تم سحق ألمانيا دون استخدام الأسلحة النووية. وكانت القنابل الذرية التي أسقطها الأمريكيون على هيروشيما وناغازاكي في أغسطس 1945 رمزية. كانت واشنطن تريد إعلام العالم أجمع أن لديها القنبلة النووية، وكانت الرسالة موجهة قبل كل شيء إلى موسكو. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وجد الحلفاء السابقون في التحالف المناهض لهتلر أنفسهم في مواقع مختلفة ومتناقضة. فقد وضع الجيش الأمريكي والبريطاني خططا لحرب محتملة ضد الاتحاد السوفييتي، واقترحوا من خلالها تفجير المدن السوفياتية الرئيسية عن طريق الأسلحة النووية.
ولا يمكن تجنب ذلك إلا من خلال القضاء على الاحتكار النووي الأمريكي. وبعد أسبوعين من تدمير هيروشيما، أنشئت لجنة خاصة بشأن أوامر ستالين لتنسيق جميع الأعمال المتعلقة بمشروع القنبلة الذرية. وهذا يعني إنشاء وزارة قوية  تملك موارد هائلة وسلطات الطوارئ. وكان يرأسها أحد أقرباء ستالين، لافرنتي بافلوفيتش بيريا.
تحت قيادته المباشرة، ولد قطاع صناعي جديد في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في غضون بضع سنوات هو قطاع الصناعة الذرية. وأنشئت محطات لتخصيب اليورانيوم ومفاعلات ذرية وأجهزة طرد مركزي ومصانع لصنع القنابل في فترة قصيرة من الزمن. في سيبيريا والأورال تم بناء المجمعات الصناعية الجديدة في أعماق الجبال، حيث تم استخراج مئات الأطنان من الصخور الصلبة، وتم تحويل هذه المجمعات إلى مدن كاملة مستبعدة من الخرائط.، فقط الأشخاص المتصلين بالبرنامج الذري كانوا يعرفون بوجودهم.

وكانت القيادة الأميركية مقتنعة بأن الاتحاد السوفييتي سيحصل على أسلحة نووية في موعد أقصاه عام 1954. لقد كان اختبار السلاح النووي في مجموعة سيميبالاتينسك في عام 1949 مفاجأة غير سارة للولايات المتحدة. فقد تمكن الاتحاد السوفييتي من تدمير الاحتكار النووي الأمريكي، ووضع الأسس للأمن الدولي الذي يعتمد عليه النظام العالمي حتى يومنا هذا.