الكورونا و النفط الأمريكي والانهيار التاريخي
لم تقتصر النتائج الخطيرة للكورونا على النواحي الصحية والإنسانية و لا الاجتماعية و لم تزعزع العولمة، و إنما كما قلنا سابقا بدأ طباخ سم العولمة يشرب منه من كل النواحي ومن كان يقذف النار لملاعب الآخرين أصبحت ملاعبه وحقوله ميدان للنار ولن ندخل بتفاصيل الإصابات والموتى و معدلاتها والتي نحزن ونأسف عليها من أبواب قيمنا.
ما جعلنا نسرع بهذه المقالة هو الهبوط الحاد و السريع لأسعار النفط الأمريكي فلم تنفع الضغوطات على دول منظمة أوبك لتخفيض الإنتاج فلكل منطقة خصوصيتها و لكل صناعة ظروفها وشروطها.
ومن هنا فموضوع الانخفاض كان أكثره شدة بأمريكا والتي تعتمد على النفط الصخري بشكل كبير والذي تكاليفه مرتفعة، ورغما من تداعيات الأزمة فإن الشركات الأمريكية لم تقم بتخفيض الإنتاج بالسرعة المطلوبة الأمر الذي أدى لانخفاض عقود النفط لشهر أيار/مايو لخام نايمكس و وصل لسعر "ناقص 37" بمعنى المورد يدفع لمن يأخذ النفط منه ويخزنه لديه ولهذا أسبابه وكذلك انخفض خام برنت 26 دولار.
فمن المؤكد كان هناك تراجعا حادا بالطلب مع استمرار الإنتاج من دون كوابح أو ضوابط، فأسواق النفط تسبح بكميات كبيرة و امتلأت الخزانات حتى اضطروا لتخزين النفط بالناقلات وكلفة التخزين ارتفعت بشكل كبير وضمن هذه الظروف يواجه المستثمرون مشكلة صعبة فمواعيد الاستجرار تنتهي الليلة ضمن مشكلة عدم تهيئهم لشرائها لعدم وجود أماكن للتخزين وبالتالي يضطر المشتري يدفع كلفة التخزين كبيرة .
المشكلة نمر بمرحلة تاريخية فريدة ضمن القرن الواحد والعشرين و لا أحد يستطيع أن يقر بامتلاك الخبرة الكاملة للتنبؤ.. أو للتوقع.. فالذي حصل قليل وفريد فلم ينهار الطلب بـ 25 و 30 بالمائة بالسابق ضمن مدة زمنية قصيرة و بتوقيت مفاجئ ولأسباب مفاجئة، والذي حصل ضمن الإجراءات الحكومية للدول الكبرى ولأغلب دول العالم وإغلاق الاقتصاد بكافة أنواعه ومنع السفر بين الدول، أدى لانخفاض الطلب وبذلك فمن أبرموا عقود أيار/مايو اضطروا للبيع بأي سعر حتى دولار واحد وعقود يونيو/حزيران 20 دولار عند استحقاق عقود يونيو..لو زاد عليها فإن القدرات التخزينية انخفضت ولم تكن مرنة وزادت تكاليفها ومع انخفاض الطلب على النفط زادت الكميات المطلوب تخزيها، كذلك هناك رسوم وتكلفة لنقل النفط المتعاقد عليه مما يجعل المورد مضطر لدفع أموال بأقل كلفة ليتمكن من عدم الاستجرار.
الوضع الاقتصادي مرتبك وقد هبط الطلب بدون مقدمات. وستعود البلدان للطلب حسب قدرتها على هزيمة كورونا وإعادة الحياة الاقتصادية تبعا لمراحل العلاج، وبالتالي سيسعوا لإيجابية تخفيض الإنتاج لإعادة التوازن كوننا لا نستطيع تحفيز الطلب وقد تضطر بعض الدول أو الشركات لوقف الإنتاج وخفض الإنتاج لعدة أشهر. وبالتالي على الشركات أن تصحح أوضاعها ولن تقوم أوبك دوما بدعم الصناعة النفطية الأمريكية وهذا سيفرض هيكلة القطاع النفطي الأمريكي ويطيح بالمنتجين غير الكفوئيين و سيخرجوا وسيكون السوق للأكفأ.
وكذلك وول ستريت ستغير مدى المخاطرة بتمويل شركات النفط.
ويبقى تحليلنا ضمن الأدوات الاقتصادية وعبر الجدوى الاقتصادية للاستثمار بمجال النفط ضمن العرض والطلب.
ويبقى الموضوع الآخر عبر اللجوء لأدوات ضغط أخرى عبر أوراق القوة التي تملكها الولايات المتحدة الأمريكية و بالتالي التوقعات مفتوحة وقد تكون الضغوطات حتى بالتهديد باستعمال القوة لاستمرار التفوق والتفرد الامريكي ولاستمرار الأمركة المتغطرسة المتنمرة غير المتقبلة لأي هزيمة او انكسار.