الكارثة المخفية في العالم العربي

الكارثة المخفية في العالم العربي
11.07.2020

زار مدينة دبي عام 2019، زهاء 16.37 مليون سائح، ضخوا في اقتصاد الإمارات 150 مليار درهم ما يقارب 41 مليار دولار أمريكي.

وزار تونس عام 2019، زهاء 9.4 مليون سائح (بزيادة 14% خلال عام واحد)، حيث تبلغ حصة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي 6.5%، ويعمل بها 340 ألف شخص، أو 11.5% من العمالة في البلاد.

كما استقبلت مصر، التي لم تتجاوز بشكل كامل آثار "الربيع العربي"، 12 مليون سائح في السنة المالية 2018-2019، ما جلب لاقتصاد البلاد 12.6 مليار دولار، وتبلغ حصة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي حوالي 12%.

أما في الأردن، فقد بلغ عدد السائحين في عام 2019، نحو 5.36 مليون سائح، بزيادة 9% خلال عام واحد. كما جلبت عائدات القطاع في الأشهر العشرة الأولى من عام 2019 نحو 5 مليارات دولار، بينما تبلغ حصة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي 10-12%.

أعلن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية مؤخرا، أن خسائر صناعة السياحة عالميا لعام 2020 ستكون 1.2 تريليون دولار، أو ما قدره 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، إذا ما استمرت القيود بسبب فيروس كورونا 4 أشهر فقط (كما هو الوضع الآن)، أو 2.2 تريليون دولار أو 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إذا ما استمرت القيود 8 أشهر(لدواعي الموجة الثانية من جائحة كورونا)، أو 3.3 تريليون دولار، أو ما قدره 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إذا ما استمرت القيود لمدة عام. ووفقا لتقديرات الأونكتاد، قد تفقد دول مثل ماليزيا ومصر هذا العام أكثر من 3% من ناتجها المحلي الإجمالي، وكينيا والمغرب 5% من ناتجها المحلي الإجمالي.

كذلك تشير تقديرات الأونكتاد إلى أن انخفاض معدل التوظيف بين العمالة من غير حملة المؤهلات سيكون ما بين 4-11% في مصر، اعتمادا على السيناريوهات المحتملة لتطور الوضع، وفي المغرب من 6-10%، كما أنه من المتوقع أن تنخفض رواتب العمال ذوي المؤهلات بنسبة 4-10% في الإمارات، و3-8% في مصر، و5-9% في المغرب.

ولن نذهب إلى التكهن بشأن كيفية تطور فيروس كورونا، أو متى سيظهر اللقاح ضد الوباء، أو ما إذا كان سيظهر على الإطلاق. إلا أن المسؤولين يحذرون من التفاؤل المفرط، وأميل أنا أيضا معهم إلى الاعتقاد بأن العالم سيواصل العام المقبل أيضا التعامل مع تداعيات الوباء، بما في ذلك احتمال إعادة فرض الحجر الصحي، في حالة عودة تفشي الفيروس. أي أنه من المرجح أن يتابع الفيروس تأثيره السلبي على السياحة العالمية، بشكل مباشر، من خلال تقييد الحركة، ناهيك عن التأثير غير المباشر من خلال التدهور الاقتصادي العام، وانخفاض القوة الشرائية لدى المواطنين.

ومع ذلك، فكما هو الحال مع الاقتصاد ككل، ليس الفيروس سوى المحفز للتغييرات الجوهرية والعميقة في الاقتصاد العالمي، والتي طال التنبؤ بها وانتظارها.

دعونا أيضا لا ننسى أن السياحة الجماعية هي ظاهرة حديثة العهد للغاية، جاءت وليدة الاستهلاك المفرط والعولمة. ومع ذلك فإن هذين العاملين، في رأيي، قد أصبحا شيئا من الماضي. بمعنى أن جيل الطفرة الديموغرافية أو ما يسمى بالـ Baby Boomers ما بعد الحرب، في بلدان "المليار الذهبي"، ممن كانوا يرتادون الأماكن السياحية بعد تقاعدهم، قد بدأ في الاختفاء رويدا روايدا، بينما أصبحت أجيال الشباب المتعاقبة أفقر فأفقر. كذلك تحطم نموذج الحياة على القروض أمام أعيننا. أصبح الاقتصاد العالمي غير متوازن، ويقف على قدميه فقط بفضل طباعة حجم غير مسبوق من النقود غير المغطاة من جانب البنوك المركزية في العالم. إن الهرم الائتماني يهدد الاقتصاد العالمي بالانهيار ، واضعا البقاء على قيد الحياة هو الأولوية القصوى، لا قضاء أوقات ممتعة في المنتجعات. لذلك، وباختصار، انتهت الجولة الحالية من العولمة، والآن في انتظار جولة جديدة من الانهيار، مركزها آسيا.

من المرجح أن تكون الحقبة التاريخية القادمة، التي ستستمر عقدا أو عقدين من الزمان، مشابهة لمطلع القرن العشرين، أو حتى القرن التاسع عشر، عندما كانت السياحة مقتصرة على الأغنياء. على أي حال، ستنخفض السياحة الدولية على نحو ملحوظ.

في المنطقة العربية، يتمتع عدد من الدول العربية بمزايا لا يمكن إنكارها في قطاع السياحة، واستفادت كثيرا من العوملة. إلا أن الحقبة الانعزالية الجديدة، التي نمر بها، ستدفع الدول والحكومات نحو التفكير في قطاعات الصناعة والزراعة لتعويض الخسارة في قطاع السياحة.