الجزائر: جهود حثيثة لمكافحة الفساد

15.08.2017

تعد ظاهرة الفساد من الظواهر القديمة التي عرفتها المجتمعات الإنسانية على مر العصور وارتبط وجودها أكثر بظهور الأنظمة السياسية خاصة بعد تشكيل الدولة الحديثة، غير أن حدتها تزايدت في العصر الحديث وما شهده من تطورات، إذ أصبحت ظاهرة عالمية تجاوزت الحدود الزمانية والمكانية ومست كل الدول سواء الغنية أو الفقيرة ، وتختلف بحسب بيئة وطبيعة النظام السائد في الدولة فالأنظمة الشمولية  تساهم بشكل كبير في خلق بيئة مشجعة على الفساد مقارنة بالأنظمة الديمقراطية التي تعتمد على احترام حقوق  وحريات الإنسان والشفافية في التسيير والمساءلة وكذلك احترام سيادة القانون .
الفساد وتأثيره على دور الدولة
يعتبر الفساد من أخطر المشكلات التي تواجه الدولة بسبب تعدد مظاهره وصوره خاصة في ظل التغيرات التي يشهدها المجتمع الدولي الحالي نتيجة إفرازات العولمة وظهور فواعل جديدة،  مما أدى إلى تراجع دور الدولة وبالتالي أصبح الفساد ظاهرة عالمية تجاوزت حدود الدولة ولم يعد باستطاعتها التحكم فيها ولا مكافحتها لوحدها أمام التطور الهائل الذي عرفه الاقتصاد العالمي بالأخص التجارة العالمية الحرة  وما  تشهده حركة رؤوس الأموال من ديناميكية متسارعة أدت إلى  تزايد  ظاهرة غسيل وتبييض الأموال  ناهيك عن تطور التكنولوجيا، هذا ما زاد في إلغاء الحدود وبالتالي تنامي وتعقد ظاهرة الفساد إلى درجة  عجز السياسات والآليات لمكافحتها  في كثير من الدول بالأخص الدول النامية وأصبحت عاملا مهددا لاقتصادياتها ولمسار التنمية فيها، ومن هنا فقد حظي الفساد باهتمام كبير بل أكثر من ذلك أصبح من أبرز القضايا والمشكلات التي تستوجب إستراتيجية متكاملة وتتطلب تكافؤ الجهود الدولية لمحاربتها من خلال وضع آليات جديدة وقوانين وبروز منظمات دولية حكومية وغير حكومية تساهم بدورها في مكافحة الفساد ولعل أبرزها منظمة الشفافية الدولية.
وتعتبر الجزائر من الدول التي لم تكن بموضع أفضل مقارنة بباقي الدول التي تعاني من الفساد خاصة كونها إحدى الدول النامية التي مسها الفساد بشتى أنواعه سواء المالي أو السياسي أو الإداري إذ صنفت خلال السنوات الخمس الأخيرة ضمن القائمة السوداء واعتبرت من بين الدول العاجزة عن مكافحة الفساد حسب منظمة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد التي صرحت أن الجزائر تلميذ غير نجيب في مكافحة الفساد وفق تقريرها 2015 وجاء ترتيب الجزائر حسب مؤشر الفساد الذي تعده  المنظمة سنويا في المرتبة 88 سنة 2015 من بين 168 دولة والمرتبة 108 سنة 2016 .
إن المتتبع لجهود الجزائر في مكافحة الفساد يجد أنها استطاعت  أن تخطو خطوات جيدة نوعا ما من خلال إنشاء العديد من الأجهزة والآليات الخاصة بمكافحة الفساد منها الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد والديوان الوطني لقمع الفساد ومجلس المحاسبة، ناهيك عن مجموعة من القوانين والاتفاقيات منها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد 2003 والتي وقعت عليها الجزائر في 2004  وقانون 2006 لمكافحة الفساد، رغم ذلك تبقى كل هذه الجهود المبذولة والتي تحتسب لصالح  الجزائر ونيتها كباقي الدول سواء المتقدمة أو النامية لمكافحة الفساد غير كافية مقابل الترتيب السيء الذي  تبوأته في مؤشر مدركات الفساد المقدم من قبل منظمة الشفافية لهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن تفعيل كل هذه الآليات والقوانين أم أنها ستبقى مجرد حبر على ورق أو مجمرد هياكل بلا روح ؟
إن الإجابة على هذا السؤال تتطلب نظرة تشخيصية  لأسباب وطبيعة الفساد
لقد أصبح الفساد حالة مرضية معقدة في الجزائر قد يسهل تشخيصها ويصعب معالجتها أمام غياب إرادة سياسية حقيقية والدليل ما شهدته من بروز قضايا فساد كبرى سياسية واقتصادية أثقلت كاهل الدولة الجزائرية والمواطن الجزائري ومسار التنمية على سبيل الذكر وليس التعمق في تحليل حيثيات كل قضية وفضيحة فساد لأنها أصبحت واضحة للعيان  وقد حفظها كل الجزائرين عن ظهر قلب منها فضيحة سوناطراك 1 وسوناطراك 2 ، فضيحة الطريق السيار ، وقضية بنك الخليفة ، وما أثير مؤخرا حول التسريبات التي تبرز ضلوع بعض كبار المسؤولين في قضايا فساد كبرى هذا ما يجعلنا نطرح إشكالية تبدوا معقدة بحجم هذا التنامي الخطير للفساد في الجزائر من أجل الوقوف على الأسباب الحقيقية التي أوصلت الجزائر إلى تفاقم حدة الفساد الغير مسبوق  منذ استقلالها 1962 .
هل هي أزمة عدالة أم تشريع أم فشل  إداري أم هي أزمة فكر؟
أزمة عدالة وفشل الإدارة 
إذا عدنا إلى تحليل مختلف قضايا الفساد التي هزت الجزائر على غرار قضية سوناطراك وتورط وزير الطاقة السابق شكيب خليل والضجة التي أثيرت حولها عبر وسائل الإعلام الداخلية والخارجية ثم فشل العدالة في محاسبة الوزير بل تمت تبرئته بين عشية وضحاها وحظي باستقبال في ولاية وهران والنتيجة ضياع مليارات الدولارات من خلال صفقات مشبوهة وأخرى وهمية  بالإضافة إلى قضية بنك الخليفة الذي أفلس وقضية مصنع تركيب السيارات مؤخرا لصاحبه طحكوت الذي اتضح أنه لا يمتلك تجهيزات لتركيب السيارات كما هو متفق عليه .
أزمة تشريع
إن فشل العدالة في محاسبة الفاسدين يعود غلى غياب آلية قانونية ملزمة منفصلة عن السلطة رغم وجود قوانين كقانون الفساد ومكافحته 2006 وبعض الهيئات التي خصصتها الجزائر لمكافحة الفساد مثل الديوان الوطني لقمع الفساد 2011 هذا يجعلنا نستنتج أن الأزمة أزمة تشريع أيضا بسبب وجود تلاعب وثغرات في القوانين التي شرعها المشرع الجزائري وكثرة التحايل عليها وبطء سن القوانين ومن جهة أخرى عدم استقلالية الجهاز القضائي عن السلطة كل ذلك نتج عنه ضياع أكثر من 6 مليارات دولار في الجزائر وتبديد المال العام وإساءة استغلال السلطة وغسيل الأموال نجح كبار المسئولين من التهرب منها.
أزمة إدارة وفساد فكري
حين نتحدث عن الفساد الإداري نجد أن الإدارة العامة في الجزائر تعاني من عدة صعوبات ساهمت في تفشي الفساد الإداري مما صعب مكافحته وذلك بسبب غياب الكفاءة والتكوين الجيد وعدم مواكبة التطورات الجديدة ونقص التجهيز وإهدار الأموال وعدم التحكم في النفقات ونقص التحفيز هذا ما أثر في نوعية الخدمات المقدمة في جميع القطاعات وبروز فضائح بالجملة شهدتها مختلف القطاعات كقطاع الصحة والسكن والتعليم .وهذا سببه أيضا غياب المراقبة الصارمة وزيادة معدلات التزوير والرشوة .
أما إذا انتقلنا إلى عرض حالة عدد من المجالس المنتخبة البلدية والولائية ناهيك عن بعض الوزارات فإننا نجد إنفاق ميزانيات ضخمة على مشاريع وهمية وأخرى لا تمس بأي حال من الأحوال حاجات المواطن الجزائري أضف إلى ذلك تكريس البيروقراطية عبر معظم الإدارات الجزائرية وضلوع العديد من الإداريين في قضايا الفساد أمام نقص التكوين والتوعية والمراقبة والمحاسبة وغياب دور منظمات المجتمع المدني.
من زاوية أخرى أصبحت مجموعة من الإدارات الجزائرية لا تكاد تقدم خدمة للمواطن إلا عن طريق واسطة أو رشوة أو محسوبية وهذا أخطر أنواع الفساد الفكري في الجزائر لأنه يمتد للأجيال القادمة التي بدورها تتشرب ثقافة الفساد .
رغم كل ذلك لا ننظر بنظرة سوداوية ولا نحكم بعجز وفشل الدولة الجزائرية في مكافحتها للفساد لأن الظاهرة معقدة ومتشعبة تتطلب إستراتيجية محكمة وتضافر الجهود.
الحكومة الجديدة ومكافحة الفساد
أثار تبون وزير الحكومة الجزائرية جدلا إعلاميا وشعبويا حول تصريحاته المتعلقة بنية الحكومة الجديدة في متابعة ومحاسبة الفاسدين حيث أكد أنه سيقطع الطريق أمام استغلال النفوذ قائلا : سنفرق بين المال والسلطة ..هذه التصريحات لاقت ارتياحا كبيرا لدى الشعب الجزائري، وبعدها وجه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة رسالة لتبون بضرورة دعم قطاع الأعمال، هذه الرسالة اختلف المحللين عن تحديد أبعادها، ويراها البعض خطوة لحماية اقتصاد الجزائر وتعزيز الثقة نحو الاستثمارات وآخرون يرون أنها دعم لقطاع معين، ومهما اختلفت الرؤى حول حقيقة الرسالة فأننا نثمن نية الحكومة الجديدة وإدراكها لخطورة الفساد ومع ذلك  يبقى السؤال مطروحا
هل ستشهد الجزائر فعلا مرحلة جديدة وخطوات أخرى أكثر جدية لمكافحة الفساد  في ظل حكومة تبون؟
حلول وآفاق
إن مكافحة الفساد في الجزائر لا تقتصر على قوانين ردعية فقط بل يتطلب ضرورة تشجيع وترقية دور كل الفاعلين من وسائل إعلام ومنظمات المجتمع المدني إلى تحسين المنظومة القانونية وتفعيل دور الرقابة وتعزيز الشفافية والمسائلة وزيادة التوعية بأضرار الفساد من خلال حملات زرع القيم وتفعيل دور السلطة القضائية واستقلاليتها وبالتالي الوصول إلى إصلاح شامل عبر كل القطاعات وطبعا لا يتم ذلك إلا بوجود إرادة سياسية حقيقية تشرك كل الفاعلين في ظل حكم راشد.