الحكومة السورية تعجز عن تصدير الحمضيات أو إنقاذها وفتح معمل عصائر
بين الوعود بالدعم والتصريحات، تبقى فكرة تصدير موسم الحمضيات الإستراتيجي في سوريا قيد الدراسة لسنوات، ويبقى الانطلاق بعمل معمل العصائر في اللاذقية متوقف لاسباب جاهزة لدى المعنيين في الوقت الذي لا يقبل فيه اي عذر لأن التأخير هنا يعني إيقاف مورد اقتصادي هام لشريحة كبيرة من السوريين، وبالتالي قطع حلقة مالية هامة في قلب الاقتصاد السوري.
عاد موسم الحمضيات وعادت معه الأسئلة حول التسويق والتصدير والأسعار والتصنيع.. وإذا كان الفلاح قد أنجز مهمته بتحقيق إنتاج وفير ونوعية جيدة فماذا عن باقي المعنيين بهذه الزراعة ومن سيقدم الحل المنتظر لردم الفجوة الكبيرة بين الإنتاج والاستهلاك والتسويق بما يحقق مصالح جميع الأطراف بدءاً من الفلاح وصولاً إلى جميع حلقات السلسلة التسويقية والإنتاجية.
وكالة سانا فتحت ملف الحمضيات استجابة لأصوات الفلاحين التي تنادي بتصنيفها ضمن المحاصيل الاستراتيجية.
فجوة كبيرة بين الإنتاج والاستهلاك.. كيف نردمها؟
معاناة المزارعين من فائض إنتاجهم وعدم القدرة على تسويق محاصيلهم بأسعار مجدية بما يحقق الجدوى الاقتصادية من هذه الزراعة دفعت بعضهم للبحث عن بدائل زراعية أخرى حيث بدأت تظهر حالات اقتلاع لأشجار البرتقال واستبدالها بزراعات لم نعهدها سابقا كالمحاصيل الاستوائية في حين لا يزال البعض الآخر ينتظر إجراءات حكومية لتسويق محصوله.
بعض المطلعين على الواقع في مديرية زراعة طرطوس كشفوا أن أكثر من 400 ألف غرسة حمضيات موجودة في المشاتل الزراعية لمحافظتي طرطوس واللاذقية معرضة للتلف بسبب ضعف الإقبال على شراء الغراس، مشيرين إلى أن السبب يعود لمعاناة المزارعين من ضعف التسويق ولجوئهم لقطع أشجار الحمضيات بدلا من زراعتها.
المهندس سهيل حمدان مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بين لـ سانا أن التقديرات الأولية لموسم الحمضيات في محافظتي طرطوس واللاذقية مقاربة للموسم الماضي بحدود مليون و80 ألف طن منها 250 ألف طن في طرطوس و830 ألف طن في اللاذقية موزعة على أصناف البرتقال واليوسفي والحامض والليمون الهندي ويشكل البرتقال أكثر من 60 بالمئة من الإنتاج.
الحل بالتصدير والتصنيع.. لماذا يتأخر؟
وبحسب التقديرات الاقتصادية تستوعب السوق المحلية ما يقارب ثلث الإنتاج خلال الموسم ما يترك كميات كبيرة خارج الحاجة الفعلية ما يعني زيادة كبيرة في العرض تؤدي إلى انخفاض الأسعار بشكل مجحف بحق الفلاح وتلف جزء من الموسم لعدم جدوى قطافه وتسويقه.
ويلفت مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة إلى أهمية التصدير إلى الأسواق الخارجية في العملية التسويقية لكن حمدان يؤكد أن للتصدير متطلبات كتوفير مشاغل فرز وتوضيب الحمضيات حيث تحتاج محافظة طرطوس لـ 20 مشغلاً بينما الموجود فعليا 3 مشاغل أحدها للسورية للتجارة واثنان للقطاع الخاص وفي اللاذقية يوجد 48 مشغلاً يعمل منها 41 مشغلا فقط اثنان منها للسورية للتجارة مع العلم أن كل مشغل يؤمن 150 فرصة عمل.
ويضيف حمدان إن المشكلة الأخرى التي يعانيها المحصول عدم وجود معامل للعصائر في الساحل السوري تصنع قسماً من الإنتاج رغم المطالبات الكثيرة بهذا الخصوص.
رئيس دائرة الحمضيات في مديرية زراعة اللاذقية المهندس قيس غزال أشار إلى إمكانية الاستفادة من مخلفات العصائر وما تحمله من مركبات طبية صيدلانية غذائية صحية، لافتاً إلى وجود دول تطلب هذه المخلفات فقط لإعادة تصنيعها والاستفادة منها طبياً حيث يبلغ سعر الطن منها حسب بعض المواقع الإلكترونية الصينية ما بين 10 آلاف دولار ومئة ألف دولار، مؤكداً أهمية دور الإعلام في الترويج للحمضيات السورية وفوائدها للصحة.
ودعا غزال إلى تصنيف الحمضيات كمحصول استراتيجي لحمايته أولاً ولانعكاساته الإيجابية على المزارعين وعلى نوعية المنتج.
موسى العيسى صاحب أحد مشاغل توضيب الحمضيات في طرطوس أشار إلى سوء واقع تسويق الحمضيات حيث أن خط التصريف لا يتجاوز مدينة دمشق مطالبا بإيجاد خطوط تصدير خارجية تضمن تسويق كامل المحصول.
وتعتبر زراعة الحمضيات من الزراعات المستقرة وتعمل فيها قرابة 57 ألف عائلة في 357 قرية ويعتمدون عليها بشكل أساسي في معيشتهم وبلغ عدد الأشجار الكلي 14 مليونا و196 ألف شجرة على مساحة 43 ألف هكتار منها 13 مليونا و555 ألف شجرة في طور الإنتاج تشرف عليها 103 وحدات إرشادية.
السورية للتجارة تحاول المساعدة لكن المشكلة أكبر من إمكانياتها
قامت المؤسسة السورية للتجارة خلال العام الماضي باستجرار كميات كبيرة من المحصول لصالاتها وتم تركيب خط للفرز هو الأول من نوعه لدى القطاع العام في الساحل السوري إنتاجيته 5 أطنان بالساعة لكن هذا الإجراء لا يمكنه تسويق كامل الإنتاج الذي لا بد من البحث عن أسواق خارجية لتصديره.
ويوضح علي سليمان مدير فرع المؤسسة السورية للتجارة في طرطوس أن المؤسسة سوقت خلال العام الحالي عبر صالاتها 200 طن أسبوعيا وفقاً للأسعار الرائجة، مؤكداً أن التصدير هو الحل الأفضل لتسويق الحمضيات.
من جهته قال مدير فرع المؤسسة السورية للتجارة في اللاذقية المهندس سامي هليل.. إن المؤسسة تقوم حالياً بالتسويق المباشر إلى المحافظات وتنقل أسبوعياً 300 طن بينما سوقت العام الماضي 30 ألف طن.
ويقول المزارع إبراهيم من طرطوس لمراسل سانا.. إنه أصبح مرهوناً لتاجر سوق الهال وأصحاب المشاغل لأنه استدان منهم ثمن السماد والعبوات البلاستيكية وكل احتياجات الحقل كما استدان المال لتأمين متطلبات معيشته.
بين غلاء مستلزمات الإنتاج وضعف التصريف.. ماذا يفعل الفلاح؟
وهنا يؤكد رئيس دائرة الحمضيات في مديرية زراعة اللاذقية في تصريح لمراسل سانا أن موسم الحمضيات يتميز هذا العام بجودة عالية وخال من الأمراض والإصابات الحشرية والأثر المتبقي للمبيدات ما يمكنه من المنافسة في الأسواق الخارجية.
لكنه يعود ليوضح أن المشاكل التي تواجه محصول الحمضيات الحيوي لا تقتصر على التصدير فقط بل هناك مشاكل تتعلق بغلاء مستلزمات الانتاج وأجور النقل وارتفاع تكاليف الفرز والتوضيب وغياب الفرز الضوئي للكميات المصدرة التي تمكن من المنافسة في الأسواق الخارجية وعدم توافر معامل العصير الطبيعي وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن وعدم وجود ثقافة استهلاك للحمضيات الطازجة وقلة الترويج الخارجي.
ويرى غزال أن عدم وجود خط بحري منتظم ومباشر “رورو” إلى الدول التي تستورد الحمضيات السورية يؤخر وصول البضاعة إلى وجهتها بالوقت المناسب وينعكس سلباً على جودتها.
الأسعار.. ارتفعت نسبيا لكنها بقيت دون طموح الفلاح
متوسط أسعار الحمضيات سجل تحسناً مقارنة بالعام الماضي وبلغ سعر الكلمنتينا البلدية 100 ليرة للكيلو مقابل 65 ليرة العام الماضي والساتزوما 85 ليرة مقابل 50 ليرة العام الماضي وأبو صرة مصرية 85 ليرة مقابل 70 ليرة العام الماضي وأبو صرة بلدية 70 ليرة مقابل 55 ليرة العام الماضي.
اجراءات حكومية على الطريق الصحيح
ونظرا لأهمية المحصول وحجم اليد العاملة فيه أقر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 18-11- 2018 حزمة من الإجراءات الجديدة لتسويق موسم الحمضيات ودعم إنتاجه وتسويقه محلياً وخارجياً تتعلق بدعم الشحن والنقل وتتضمن قيام هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات بدعم الحاويات المصدرة بحراً بمبلغ 1600 دولار لكل شاحنة وحاوية وقيام وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدعم عمليات نقل وتسويق الحمضيات وتوفيرها في الأسواق المحلية بأسعار مناسبة وتصدير الفائض منها.
وفي السياق ذاته وافقت محافظة اللاذقية مؤخراً على تزويد مشاغل الفرز والتوضيب المرخصة بحاجتها من المازوت وتقديم تسهيلات إضافية عند تحميل الحاويات والفحص بما يضمن الحفاظ على ثمار الحمضيات التصديرية.
وأمام مطالب المصدرين بضرورة تفعيل خط للنقل البحري وتسهيل الإجراءات التصديرية في مرفأ اللاذقية ووضع رزنامة زراعية وحصر التصدير بوقت نضوج الثمرة واعتماد فرع هيئة دعم وتنمية المنتج المحلي والصادرات لتسجيل عقود المصدرين أكد مدير هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات الدكتور ابراهيم ميده في تصريح لـ سانا أن هناك مساعي جدية لوضع حلول لتصريف محصول الحمضيات بمختلف انواعه وتبسيط الإجراءات أمام المصدرين مع وضع برنامج عمل متكامل لذلك.
من جهته لفت عضو المكتب التنفيذي في محافظة اللاذقية للقطاع الزراعي المهندس فراس السوسي إلى استعداد المحافظة لتقديم أي دعم إضافي يمكن أن يسهم في دفع عملية التسويق براً أو بحراً عبر تسهيل الإجراءات في المرفأ ومحطة الحاويات وتوزيع المازوت على مشاغل فرز وتوضيب الحمضيات المرخصة وفق حاجتهاـ موضحاً أن أي إجراء يجب أن ينعكس على المزارعين بشكل مباشر.
من جانبها أشارت المؤسسة السورية للتجارة إلى أن آليات الفرع ستنقل نحو 200 طن مجاناً من أماكن الإنتاج إلى المشاغل يومياً إلى جانب وضع إمكانياتها التخزينية التي تصل إلى 3 آلاف طن وفرز نحو 1500 طن يوميا في خدمة المزارعين.
أما عضو مجلس الأعمال السوري الروسي المهندس ميسرة الحاجي فبين أن الدعم وإجراءات التسويق الحالية وحتى الأسعار هي أفضل مقارنة بالعام الماضي، مشيراً إلى أن إقامة خط نقل بحري ستمكن المصدرين من تصدير أكثر من خمسين بالمئة من إنتاج الحمضيات إلى الأسواق الروسية.
المصدر بشار كاملي اعتبر أن الجهود الحكومية لدعم تسويق الحمضيات تكتمل مع تخفيض الرسوم الجمركية المفروضة على المنتج السوري بما يمكنه من المنافسة في السوق الروسية.
وحسب بيانات مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي باللاذقية فإن أسعار معظم أنواع الحمضيات سجلت تحسنا مقارنة مع الأسعار في العام الماضي عدا الحامض مع وصول الكميات المصدرة حتى الآن إلى نحو 80 ألف طن.
ونختم هذا الملف بما قاله أبو حسن الرجل الستيني وهو يتفقد حقله ويمسك غصن شجرة الكلمنتينا المنحني من كثرة الثمار “منذ بدء زراعة الحمضيات في الساحل السوري تقدم البساتين أجود أنواع البرتقال النظيف وعندما بدأ الانتاج يباع بأقل أو ما يوازي كلف الإنتاج تخلى الفلاحون عن العناية بأشجار الحمضيات لينتهي الواقع بمأساة قلع الاشجار والبحث عن أصناف بديلة ومشاريع عمرانية”.