الفساد "المعولم" يواجه بأخلاقيات الإدارة والعمل والضوابط الاجتماعية السليمة

27.05.2019

من المؤكد أن ما نراه اليوم من فساد مسرطن متفشي أفقيا وعموديا وترهل وفقدان ثقة بين المواطن والمسؤول و الذي توسع ليأخذ صفة معولمة (مترابطة بدول العالم) للوصول لهذه الحالة لدليل ساطع على السوء والخلل الذي تدار به الأمور بشكل جزئي أو كلي.

فالتقيد بالضوابط و القوانين السليمة وعدم الخروج عنها لا يمكن أن ينجم عنه هكذا مخرجات. فللإدارة قوانينها الناظمة لها والمسيرة لتوازنها والخروج عنها يؤدي إلى الخلل والانحرافات الخالقة للفوضى والتي يزداد حجمها بازدياد حجم الانحراف عن القوانين.

وبالتالي عدم وجود جهات مراقبة ومتابعة ومحاسبة للسلوكيات أو وجودها ظاهريا من دون فعالية يساعد ويساهم بزيادة هذه الانحرافات.
وهذا الأمر لم يكن بمعزل عن الإدارة العالمية والتي تدار وتسير بعقلية منفردة بعد أن تخلصت من أغلب خصومها و كابحي انفلاتها، وبالتالي غابت الروادع عن مسيرتها البعيدة عن الإنسانية والتي تحلل كل الأساليب للوصول لأهدافها المالية والمادية لتظهر أخطار عبادة المال.

هذه الإدارة المنفردة استغلت جهود الأغلبية لمواجهة الإيديولوجيات والعقائد المبنية والهادفة لاحترام إنسانية الإنسان وللحرية المنضبطة وللعدالة الإجتماعية عبر تأمين الحقوق لعامة الناس بحق العيش والعمل والتأمين والصحة وتقرير المصير الذي يكون عبر برنامج اقتصادي اجتماعي موجه ومقاد من قبل المؤسسات الممثلة لكل الشعب.

هذا الصراع جعل الدول المعادية للعدالة تتبنى برامج اجتماعية و تراعي متطلبات داخلها ونقاباتها لتفريغ أي صراع طبقي أو مصالحي في وقت الصراع بكل الأدوات مع النهج الآخر ومن ضمن أدوات الصراع شيطنة الأفكار والإيديولوجيات وعولمة الفساد والانحلال القيمي والخلقي ومحاولة إيصال شخصيات تابعة لا تملك أفق وطني أو أفق إنساني اجتماعي ومحاولة تسخير تجار الأديان لصنع خندق عام مواجه لمن يعمل وفق منظور العدالة الإجتماعية علما أن روح الديانات ومبررات نزولها وغايتها تحقيق العدالة الإجتماعية ونصرة الإنسان.

والمهم عند انتصار قوة رأس المال الملون باللاإنسانية وبالدماء وبإبادات جماعية جاء دور خلق تكتلات عابرة للعالم عبر خرق الدول بمنجزات التقدم التكنولوجي لعولمة المال والاقتصاد، هذا الدور المدعوم من مؤسسات عالمية سخرت لفرض نموذج اقتصادي على الدول لا يراعي خصوصيتها و حاجاتها ويؤدي إلى تهشيم بناها وخلخلتها لتصبح أداة بيد المعولم الأوحد الذي لن يقبل أي آخر يدلي بدلوه ويفرض رؤيته و يمنع مواجهته أو مساواته وهو الامريكي، الآمر الناهي، وحتى من ساعده واستند عليه ليصل لمرحلة ما بعد العولمة ولمرحلة عصارة قذارة الامبريالية يجب أن يخضعوا و يسيروا وفق شروطه وأهوائه فمن يملك التفوق العسكري بالعدد والانتشار ومن خرق كل بلدان العالم عبر أدواته و أتباعه ومن جهل عملته معيار أي تبادل اقتصادي وهي مدعومة عسكريا ولا ضوابط لها ولا معايير أو غطاء لها وبالتالي سخر ما سماه عولمة ليكون الآمر الناهي في ظل عالم معولم مالي قادر على هزه كما حصل ٢٠٠٨ وفي ظل عالم طاقوي مسيطر على مناجمه ويسعى للسيطرة على طرقه وفي ظل عالم ضاعت هوياته الجزئية عبر سلوك شيطاني غير منضبط وغير إنساني وغير خاضع لأي مسائلة وفي ظل فوضى عارمة مبرمجة للوصول لها.

وهذه الفوضى من أهم أدوات الغطرسة و التكبر والعدوان لمن جعل نفسه مسؤول عالمي بيده كل شيء..فمن محاولة تشويه وحرف وقتل الايديولوجيات والمؤمنين بها لتشويه وشيطنة وصراع المذاهب لاختلاق المبررات لإبادات جماعية لتحرير الفضاء الإعلامي وبث السموم به من دون ضوابط وبتوجيه لتحويل البشر لكائنات غرائزية مستهلكة مفرغة مقادة وفق معادلة بيتي محصن فلتعم الفوضى العالم وبالتالي تبنى سياسة فساد وإفساد معولم تعددت أنواعه وأدواته لاختراق بلدان أضعفت وهشمت بناها.

وهنا نتسائل هل هذا يعني لوحة سوداء غير قابلة للتنظيف والإصلاح.
من المؤكد أن العنوان الهام للمواجهة هو محاولة تقوية الداخل و علاج الخصوصيات وإعادة الهوية الوطنية والانتماء ومحاولة تكريس المنظومة القيمية و إعادة اعتبارها ولا يمكن أن تفتح نوافذك لهكذا طوفان ولا يمكن إغلاق جميع المنافذ والكل فتح نوافذه وحصل ما حصل عبر أقذر الأسلحة وأسوء استعمال للحداثة وتقنياتها وبالتالي من يستطيع المواجهة والمحافظة على كيانه من السقوط يستطيع أن يعيده وفق ضوابط ناظمة ومعايير حقيقية تكرس الانتماء و هذا يكون بتكامل وتعاون الجميع للسير بهذا الطريق.

وكلنا يعلم أن المنظومة الأخلاقية كضابط اجتماعي ناجمة عن الأسرة و مؤسسات التعليم و المؤسسة الدينية والإعلامية و المجتمع الأهلي والذي كان من ضمن أدوات الأمريكي تشويهه ومحاولة خلق منظمات مجتمع مدني أبعد ما تكون عن البناء وإنما أغلبها استخباراتية هدفها التخدير وقلب المعايير و تقزيم السلطات المحلية و خلق شخوص تابعة لصانعيها.

هذه المؤسسات بحاجة لجهد كبير للوصول لبرنامج متكامل لإعادة الروح للمجتمع و إعادة الاعتبار ليكون مراقب سلوكي عام .

ولكن من دون السير ببرنامج عام لا يمكن نجاح إعادة الدور لهذه المؤسسات و من هنا نقول وكما صرح البعض كان للتعيينات غير القائمة على الكفاءة والنزاهة دورا محوريا بالانفلات والفساد والإفساد وبالتالي من دون برنامج إصلاحي عام يعتمد على شخصيات ذات كفاءة ونزاهة وأفق تسير وفق برنامج واضح وفق تواقيت معينة ووفق متابعة ومحاسبة مستمرة لن نصل لما نريد ولما دفعنا الغالي والرخيص من أجله .أي مجتمع بلا معايير قيمية وأخلاقية غير قابل للصمود ولا للاستمرار ومن يتخلى عن قيمه وأخلاقه يجعل نفسه كريشة في ظل رياح عاتية.