العداء لأمريكا أم العداء لروسيا.. ما خيار آسيا الوسطى؟

26.11.2016

من المحتمل أن تؤثر النتيجة المفاجئة لانتخابات الولايات المتحدة على الطريقة التي تنظر بها بلدان آسيا الوسطى إلى الولايات المتحدة، وكيف يمكن مقارنة كراهية السكان المسلمين في المنطقة لسياسات واشنطن مع شعور الكراهية نحو روسيا؟

أثار فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في سباق الرئاسة الأمريكية جدلا واسعا داخل المجتمع النخبوي في آسيا الوسطى. ينبع هذا الاهتمام في المقام الأول من تصريحات ترامب المثيرة للجدل حول المسلمين فضلا عن نواياه حظر إصدار تأشيرات دخول لمواطني الدول المشاركة في الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة.

وتشمل قائمة الدول هذه كل من باكستان وأفغانستان وسوريا والعراق والصومال، وأيضا أوزبكستان (أحد مواطنيها لاجئ يعيش في ولاية ايداهو، اعتقل عام 2013 واتهم بتدريب المجندين الإرهابيين على كيفية انتاج القنابل).

من ناحية أخرى، اجتذب فوز ترامب قدرا كبيرا من الاهتمام لأن رئاسته سيكون لها تأثير على العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا. بعد كل شيء، إذا ازدادت حالة المواجهة بين موسكو وواشنطن بقيادة ترامب، فإن بلدان آسيا الوسطى ستتحمل جزءا من هذا العبء أيضا. والنقاد لا يمكنهم المساعدة ولكنهم يأخذون مثل هذه المخاطر في الحسبان.

الاهتمام بعلاقات الولايات المتحدة وروسيا ناتج أيضا من الاتجاهات السياسية الداخلية في بلدان آسيا الوسطى – من خلال المشاعر المناهضة لروسيا والمناهضة للولايات المتحدة في المنطقة. هذا ينبع من نمو الكراهية في آسيا الوسطى، تجاه كل من روسيا والولايات المتحدة وسط تزايد خطر الإرهاب.

وعلاوة على ذلك، فإن المشككين بالسياسة الخارجية في كازاخستان، وهي واحدة من الدول الرئيسية في آسيا الوسطى، يتخوفون من سياسة روسيا في أوكرانيا، ويعبرون عن مخاوفهم بأن الكرملين قد يحيي السياسة الاستعمارية في المنطقة. كل هذه يزيد إلى حد ما من المشاعر المناهضة لروسيا في المنطقة. وبالمثل، يمكن لحملة ترامب ضد المسلمين أن تفاقم العداء للولايات المتحدة. ومع ذلك، يمكن أن يكون هناك أسباب أخرى تساهم في تشكيل مثل هذه الاتجاهات.

العداء للسياسة الروسية في آسيا الوسطى

المشاعر المعادية لروسيا في آسيا الوسطى هي مشاعر موجودة، ولكن حجم هذا الاتجاه ليس كبيرا جدا، وذلك بسبب الخلفية التاريخية للمنطقة. ولكن ينظر إلى روسيا باعتبارها شريكا مهما جدا في المنطقة، بعد أن ساهمت في عمليات التحديث في آسيا الوسطى، والأهم من ذلك، في المساهمة البناءة في استقرار أمنها. ومع ذلك فإن شبح السياسة الاستعمارية للإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، التي كان من نتائجها قمع احتجاجات عديدة في المنطقة، ما زال يطارد روسيا في بدان آسيا الوسطى ويترك مرارة في أذهان السكان القرغيز والأوزبك والطاجيك.

أما العامل الثاني الذي يغذي المشاعر المعادية لروسيا فهو الإرث المثير للجدل للزعيم السوفياتي يوسف ستالين، بما في ذلك عمليات القمع والتطهير التي قام بها والتي أسفرت عن مقتل العديد من الشخصيات الثقافية والعامة والسياسية البارزة في آسيا الوسطى. وتشكل الدعوات في روسيا لإصلاح صورة ستالين إلى زيادة حدة هذه المشاعر ضد روسيا.

وعلاوة على ذلك، فإن كراهية الأجانب في روسيا ستؤدي إلى تفاقم المشاعر المعادية لروسيا في آسيا الوسطى، كما يتضح من تقارير وسائل الاعلام والعديد من استطلاعات الرأي التي أجراها مركز "سوفا" التحليلي ومقره موسكو. المواطنون من آسيا الوسطى هم الهدف الرئيسي للقوميين الروس في موسكو وسانت بطرسبورغ ومدن أخرى.

ما وراء معاداة أمريكا؟

في حين تعتبر المشاعر المعادية لروسيا حصاد إرث الماضي، فإن العداء للولايات المتحدة في آسيا الوسطى ذو صلة في المقام الأول بسياسات الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبسياساتها الحالية. ومع ذلك، فإن الجذور الأولى من العداء للولايات المتحدة في المنطقة يمكن ملاحظتها منذ عام 1991، وفقا لفيتشيسلاف كاتاميدزي، وهو خبير روسي محترم في الدراسات الشرقية.

في عام 1991 أطلقت الولايات المتحدة عملية "عاصفة الصحراء" في العراق، التي جاءت ردا على غزو الرئيس العراقي صدام حسين للكويت. أعطى هذا سببا وجيها لصدام حسين لشن حرب إعلامية ضد واشنطن. زطالت آلة الدعاية العراقية بلدان آسيا الوسطى أيضا، فوجدت

المعاداة للولايات المتحدة أرضا خصبة في أوزبكستان وطاجيكستان وغيرها من الدول المجاورة، وفقا لفياتشيسلاف كاتاميدزي.

وساهمت الحملة العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة في العراق عام 2003، في ازدياد العداء للولايات المتحدة في آسيا الوسطى: بينما رحبت السلطات الأوزبكية بهذه العملية، فقد أبدى أهالي المنطقة قدرا كبيرا من السخط، ورأوا التدخل باعتباره عملا من أعمال العدوان ضد المسلمين، وخاصة مع تنفيذ حكم الإعدام بحق صدام حسين يوم 30 ديسمبر 2006، الذي وافق يوم عيد الأضحى المقدس. وبطبيعة الحال اعتبر ذلك عدم احترام لمشاعر المسلمين.

ومع ذلك، فإن العداء للولايات المتحدة اليوم هو أيضا نتيجة لحملة دعائية روسية وسط الأزمات الأوكرانية والسورية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القنوات التلفزيونية الروسية تحظى بشعبية كبيرة في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق في آسيا الوسطى. إذ ببساطة يفضل سكان المنطقة في الواقع وسائل الإعلام الروسية أكثر من تلك المحلية، والتي هي على كل حال، صدى لنظرائها من المحطات الروسية.

المعاداة لأميركا والمعاداة لروسيا: لا تغير قواعد اللعبة

على الرغم من وجود العداء للولايات المتحدة ووجود المشاعر المعادية لروسيا في آسيا الوسطى، فهذه الاتجاهات ليس لها تأثير كبير على السياسات المحلية لدول المنطقة. في الوقت الراهن ترجح المعاداة للولايات المتحدة، لأن روسيا لا تزال مؤثرة في المنطقة نظرا لقربها الجغرافي وجذورها التاريخية. ويبقى أن نرى ما إذا كانت الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب ستكون قادرة على تغيير هذا الاتجاه لصالحها.

ومع ذلك، تحاول اليوم الولايات المتحدة إقامة حوار مع دول آسيا الوسطى في إطار ما يسمى بمجموعة "الخمسة زائد واحد"، والتي تضم كازاخستان وتركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان. هل تعتبر هذه المبادرة سيرا في عكس الاتجاه؟ سيبقى هذا سؤالا مفتوحا، على الأقل لأنه ليس لدى واشنطن النية لمنافسة روسيا في المنطقة كما يتضح من تصريحات الرئيس الأمريكي الجديد.