لبنان ما بين العمالة لإسرائيل ومقاوميها

لبنان ما بين العمالة لإسرائيل ومقاوميها
19.09.2019

فتحت قضية القائد العسكري السابق لمعتقل "الخيام" جنوبي لبنان، العميل الإسرائيلي عامر إلياس الفاخوري، بازار العمالة والتخوين مجددا في الشارع اللبناني بين الأطراف اللبنانية المتصارعة خلال حقبة تاريخية تجلت بين مؤيد لإسرائيل من جهة ومقاوم لاحتلالها من جهة أخرى.

لعل جهود بعض الصحفيين المثمرة كانت وليدة بكشف المستور وإعادة إطلاق حملة وطنية ضد عودة العملاء اللبنانيين إلى الوطن بالرغم من العمل على مخطط لإعادتهم بالطريقة "اللبنانية" عبر التسويات والاتفاقات السياسية التي غالبا ما تحدث تحت الطاولات وفي الغرف المغلقة والمظلمة والبعيدة عن الرأي العام لمعرفتهم سابقا بعيوبها.

بند رقم "6" في اتفاق مار مخايل... مصيبة المصائب

بعد توقيع "حزب الله" اللبناني لاتفاق استراتيجي مع التيار الوطني الحر عام 2006 سمي باتفاق "مار مخايل"، سعت الأطراف إلى التقارب من خلال طرح الهواجس الموجودة لدى كل فريق والعمل سويا من أجل تذليل العقبات الموجودة للانتقال إلى مرحلة أكثر وضوحا وإيجاد نوعا من الثقة المتبادلة بين أكبر حزبين في لبنان.

حاول التيار الوطني الحر من خلال برنامجه وطرحه السياسي إلى تقريب جمهور "حزب الله" والمقاومة إليه من خلال الاتفاق وبالتالي تذاكى التيار العوني على خصومه من الأحزاب السياسية المسيحية اليمنية التي لطالما طبقت سياسة الانعزال عن المجتمع الآخر في الوطن خوفا منه.

نجح التيار الوطني الحر مبدئيا في شد العصب المقاوم لناحيته والذي وقف مدافعا عن التيار البرتقالي في أحداث مختلفة وصولا إلى استحقاقات انتخابية مشتركة أوصلت خلاله التيار إلى الحكم، وآخرها إيصال الرئيس ميشال عون إلى سدة الرئاسة اللبنانية. كما لاقى هذا الاتفاق التاريخي انفتاحا كبيرا بين المجتمع المسيحي والمسلم في المناطق المتداخلة مما شكل نوعا من الأمن والحوار الاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد.

يضع التيار الوطني الحر "حزب الله" في موقف محرج أمام مناصريه ومحبيه وقاعدته الشعبية التي ذاقت طعم الاحتلال وترفض عودة العملاء تحت أي ظرف كان، فالتيار الوطني الحر يلعب دور الطفل المدلل الذي يحاول اكتساب النقاط والانتصارات السياسية والشعبية على حساب التحالف الثنائي الاستراتيجي مع الحزب الذي بدوره يقف متفرجا لا حول له ولا قوة تمسكا بالاتفاق.

يحرص التيار الوطني الحر اليوم وبعد استلامه دفة السلطة في لبنان إلى محاولة استمالة الشارع المسيحي من خلال قانون إعادة "اللبنانيين المبعدين"، أي العملاء، من إسرائيل بحجج إنسانية معولين على ضمانة بند رقم "6" من اتفاق "مار مخايل" بعودة هؤلاء إلى لبنان.

"عمالة" المقاومين ومقاومة "العملاء"

لطالما شكل المقاومون في لبنان مشكلة للسلطة اللبنانية وأذنابها حيث التاريخ يشهد على ممارسات الحكم اللبناني ضد مقاومين وتنظيمات حملت السلاح لقتال إسرائيل، حيث شهدت بيروت ومناطق أخرى ملاحقات لمحاربين ومقاتلين يساريين من قبل الأمن اللبناني خلال عهد بشير الجميل كانت تهمتهم الأساسية حمل السلاح ومحاربة إسرائيل وعملائها في الداخل.

أزعجت المقاومة الكثيرين بدءا بحلفاء و"عملاء" إسرائيل والولايات المتحدة في لبنان وصولا إلى التدخل الدولي والإقليمي محاولة استهداف قرارها السياسي والعسكري المستقل وتمثل ذلك من خلال دخول سوريا على الخط وخوضها معارك وحروب مع الأحزاب اليسارية والوطنية المتمثلة بالحزب الشيوعي اللبناني وذراعها العسكري "جمول" بعد أن رفضت الأخيرة الانصياع لأوامر القيادة السورية التي طلبت حينها أن تكون على دراية بكل العمليات العسكرية ضد إسرائيل إلى حد أخذ الإذن منها، ما رفضته المقاومة الوطنية واعتبرته تدخلا في شؤون لبنان ومقاومته.

وكان لـ"عملاء" الدول دور طليعي بمحاربة المقاومين فمع انتهاء الحرب اللبنانية وتوقيع اتفاق الطائف عانت الأحزاب اللبنانية المقاومة لإسرائيل الكثير من ملاحقات أمنية من قبل المخابرات اللبنانية بطلب من مخابرات الدول الأخرى بالإضافة إلى عمليات اغتيال طالت قادة بالمقاومة الوطنية والإسلامية وصولا إلى إيصال شخصيات ومسؤولين إلى السلطة لهم باع طويل في التنسيق والتعامل مع إسرائيل وعملائها في لبنان.

تحاول اليوم أطراف سياسية متعددة إلى إضفاء شرعية جديدة لعودة العملاء الإسرائيليين إلى لبنان باعتبار أن الأمر عاديا من خلال محاكمة قضائية تسقط عنهم الاتهام. لكن المشكلة الأساسية أن المجتمع اللبناني لم يكن يعايش التاريخ نفسه ومثالا على ذلك الفروقات بين حياة مواطن جنوبي كان شاهدا على جرائم إسرائيل وعملائها ومواطن في منطقة أخرى لم يشهد أي اعتداء على بيته وأقاربه وبالتالي لم يشعر بما شعر به الآخرون.

أخيرا، لا بد من التذكير أن الدولة اللبنانية التي تاريخيا وعن غير قصد "ربما" لم تنصف المقاومين والعملاء كما يجب، حيث تستمر سياسة الدولة الاستخفاف بنشاطات العملاء والاستسهال بمحاكمتهم وعدم مرعاة مشاعر المقاومين والمواطنين الذين ذاقوا المر لسنوات طويلة، تقوم الدولة بتكريم المقاومين والأسرى المحررين من خلال تذكيرهم "بأبشع لحظات حياتهم" عبر إبقاء العميل الفاخوري وكل شبيه له وأدنى دون حكم "الإعدام" بالرصاص.

وجهات النظر والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي "سبوتنيك"