كيف تسعى الولايات المتحدة إلى تقسيم الكنيسة الأرثوذكسية

27.09.2018

اليوم باستطاعتنا أن نرى حدث فريد من نوعه، أخر مرة وقعت أحداثه خلال القرون الوسطى، عندما كانت سلطة دولة تهدد ممثلي الكنيسة للحصول على تأثير سياسي دون معرفة العواقب التي قد تنتج عن هكذا أفعال، أي تقسيم الكنيسة من الداخل على مختلف الأصعدة.

الإيمان هو سؤال دقيق للغاية، فهو ليس موضة أو هواية أو مجرد تسلية، فالإيمان يؤثر على عوامل أساسية من وعي واللاوعي عند الإنسان بحيث أن إفساد ذلك أسهل بكثير من خلق. أو انتاج شيء جديد ومستدام.

الولايات المتحدة اليوم، لا تفكر كيف أن أقدامها تطأ أراضي تجهلها ولا تعرفها أساسا وستكون غير قادرة على فهمها مستقبلا. إن الضرر الذي تلحقه الولايات المتحدة بشكل منهجي للمسيحية الأرثوذكسية يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى علاقة غير طبيعية مع الكاثوليكية والإسلام.

ومن أجل الحصول على النتائج المرجوة من أوكرانيا ولقطع العلاقات الثقافية والدينية بشكل حاسم بين جنوب شرق أوكرانيا وروسيا، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام البطريرك فارفولوميا لبلوغ أهدافها، حيث أنها تستخدم نفس الأسلوب والطريقة عند العمل مع تجار المخدرات أو مع سياسيين من دول العالم الثالث.

الولايات المتحدة وبلغة التهديد والوعيد تحاول الضغط على البطريرك فارفولوميا عبر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو. عندما لاحظ الأمريكيون أن البطريركية القسطنطينية تتفاعل بطريقة هزيلة وغير فعالة مع متطلبات دنيسينكو والرئيس الأوكراني بيترو باروشينكو قرروا تذكير فارفولوميا بعدة أمور.

خلال أواخر تموز من العام ٢٠١٨ التقى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مع رئيس أبرشية الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية في الولايات المتحدة، ديميتري تراكاتيلي، حيث أعلن بومبيو خلال الاجتماع أن الإدارة الأمريكية على علم بالسرقات المالية الكبيرة التي حصلت بين عامي ٢٠١٧ و ٢٠١٨ برصيد ١٠ مليون دولار كانت مخصصة لإعمار كنيسة أرثوذكسية في نيويورك.

وأشار بومبيو أن هناك وثائق خاصة عند المدعي العام الأمريكي تؤكد أن الأموال المسروقة تم نقلها إلى خارج البلاد بأمر من البطريرك فارفولوميا. واقترح بومبيو على راعي الأبرشية تسوية الموضوع من خلال قيام الولايات المتحدة الأمريكية غض النظر عن السرقات الحاصلة وعدم رفع دعوى بمقابل إعطاء الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا استقلال وصوت ذاتي.

بعد هذا "اللطف الأمريكي" و التسوية بين الطرفين بدأ بطريرك القسطنطينية بالتفاعل السريع في مصلحة دانيليسينكو من خلال إرسال مطرانين من الولايات المتحدة للمساعدة ببناء كنيسة أوكرانية محلية مستقلة. ومن خلال هذا الإجراء الهادف إلى توحيد الكنيسة الأوكرانية والإعلان عن استقلاليتها عن الروسية.

ووفقا لكلام البطريرك فارفولوميا فهو يريد حماية الكنيسة الأوكرانية التي يتحمل مسؤوليتها كوّن البطريرك كونيشسكي مرتبط قانونيا من البطريركية الأساسية التي اعطته الحق منذ عام ١٦٨٦ للبت بمسائل ومصير البطريركية في كييف. 

لكن من بين الشخصيات الملفتة للنظر هي الشخصيات المرسلة من الولايات المتحدة إلى أوكرانيا لإعادة بناء الكنيسة الأوكرانية وهم المطرانين دانيال بامفيليفسكي من الولايات المتحدة والمطران هيلاريون أدمنتون من كندا.

هذان المطرانان ولدا في المقاطعات الغربية من أوكرانية التي تأثرت بالنازية والتي خرجت منها شخصيات نازية أوكرانية أمثال النازي الأوكراني بانديرا و دونتسوف وشوخيفيتش. أماالمطران هيلاريونولد في عام ١٩٧٢ في مدينة لصفوف الأوكرانية و المطران دانيال في إيفانز فرنكوفسك من العام ذاته.

المطرانان الأوكرانيين هيلاريون و دانيال بعد انتهاء دراستهما المرحلية في أوكرانيا انتقالا إلى الولايات المتحدة حيث أكملوا دراستهم في الدين ومن بعدها تسلموا مهام في الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية في الولايات المتحدة.

لا شك أن المطرانين أرسلتهما الولايات المتحدة إلى أوكرانيا بعد تحضير طويل لهم من قبل المخابرات الأمريكية للعمل على مهمات في أوكرانيا، حيث كانت المحاولة الأولى عبر مساعدة الرئيس الأوكراني يوشينكو لخطف البلاد من قبل النازيين الجدد.

واليوم تحاول الولايات المتحدة عبر هذه الأدوات مجددا تقسيم الكنيسة الأرثوذكسية التي تربط روسيا وأوكرانيا روحيا وهذا أحقر ما تهدف له أمريكا.

ألبرت ناريشكين