كيف ستدخل الولايات المتحدة الحرب في ليبيا؟
حول طاولة القمار، يمكن لأي شخص أن يجرب حظه بأقل الخسائر إذا ما راهن بثلاثة دولارات. ينطبق المبدأ نفسه على الوضع الليبي، الذي أصبح ساحة لكل من يريد التدريب على استخدام القوة والتأثير السياسي مقابل ثلاثة دولارات. فالرهان منخفض، وبإمكانك المغادرة في أي وقت تشاء، دون أن تخسر كثيرا.
لكن، يبدو أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان قد قرر رفع رهان اللعبة. فهل سيغير ذلك من طبيعة الحرب في ليبيا، وهل يمكن أن تؤدي خطوة كهذه إلى مشاركة لاعبين جادّين آخرين، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وهل تتطور الحرب في ليبيا إلى صراع دولي واسع النطاق؟
لا شك أن عدم وجود موقف أمريكي واضح من الحرب الليبية هو ما يكسبها طابع المقامرة. حتى شجع صمت واشنطن، وتصريحاتها المقتضبة النادرة والمتناقضة، الحلفاء والدول التابعة على اتخاذ مواقف جريئة ودخول اللعبة باستقلالية. بل إن الوضع وصل إلى حد غير مسبوق، واتخذ عضوا الناتو والاتحاد الأوروبي إيطاليا وفرنسا موقفين على جانبي الصراع. ومع ذلك فهناك شك بأن فرنسا إنما تفعل ذلك كما تفعل دائما، كي تعلي من شأنها، فتتخذ موقفا مختلفا عن بقية الغرب، فترضي غرورها، ثم لا تلبث أن ترضخ في النهاية لجهود الإقناع من قبل الحلفاء.
بالطبع لا يمكن وصف اجتماع موسكو بين حفتر والسراج ناجحا. في رأيي أن موسكو، التي من الواضح على علاقة جيدة مع أحد الأطراف، ليست مستعدة لرفع الرهان، ومستعدة تماما للموافقة على أي شكل للتسوية، يوافق عليه الطرفان الليبيان المتنازعان. وهنا، في اعتقادي، يكمن استعداد موسكو للعب دور في المصالحة، والذي نشأ في أعقاب لقاء الرئيسين الروسي والتركي، وجهود موسكو أثناء لقاء السراج وحفتر فيها. لكن، وفي الوقت نفسه، وعلى عكس سوريا، لا تسعى روسيا إلى التدخل بعمق في العمليات الجارية، فالتكلفة يمكن أن تكون كبيرة، والفوائد المحتملة غير مضمونة. لذلك فمن غير المرجح أن تجد دعوة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأن "تلعب روسيا دورا" صدى لدى الرئيس الروسي، ولن يتجاوز دور موسكو الجهود الدبلوماسية البحتة.
من هنا لم يكن اجتماع حفتر والسراج في موسكو بمثابة فشل لروسيا، بقدر ما كان فشلا لأردوغان، لأن قوات المشير حفتر لديها فرصة جيدة لقلب موازين الحرب على الأرض، وهو ما جعل أنقرة عاجزة عن إيقافه بأيد روسية، لتصبح الخيارات أمام تركيا ما بين الخسارة المحتملة لجميع الاستثمارات والممتلكات، أو الانتقال إلى مستوى جديد من الانخراط في الحرب، وتحمل العواقب المتعلقة بذلك.
إن من يرغب في رؤية تركيا تغرق في "أفغانستان" الليبية كثيرون، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.
والاحتكاك ما بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية كبير بالفعل، ويمكن أن يذهب لأبعد من ذلك. في الوقت نفسه، يعتبر الموقف الأمريكي من ليبيا متذبذبا. ومن المحتمل أن تكون واشنطن مدركة لعمق المستنقع الليبي، وتنتظر حل الأزمة، على أمل منطقي بأن المنتصر سوف يأتي إلى واشنطن، عاجلا أو آجلا، بالهدايا والمنح لتقديم فروض الطاعة والولاء. لا شك أن الشائعات حول مشاركة روسيا في الصراع الليبي قد تدفع واشنطن لدعم السراج، إلا أن إغراء إعطاء درس لأنقرة بتورطها في ليبيا هو الآخر كبير للغاية، طالما كان أردوغان يعتزم مواصلة شد الولايات المتحدة الأمريكية من شاربها. علاوة على ذلك، فإن نجاح أردوغان في ليبيا يمكن أن يؤدي إلى رفع سقف طموحات الزعيم التركي، وبالتالي استعداده لمواجهة الولايات المتحدة.
ربما كانت الحجة القوية الثانية التي يمكن أن تدفع الولايات المتحدة الأمريكية لدعم حفتر هي الرغبة في "عدم إرتماء المنتصر في حضن روسيا"، فالولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع أن تتحمل سوريا ثانية.
لابد من افتراض، في حالة المشاركة التركية المفتوحة، أن المساعدات المقدمة لقوات خليفة حفتر سوف تزداد. وفي رأيي إن رد فعل واشنطن قد يتسم بالقسوة الشديدة على تصرفات تركيا وعلى تغيير الوضع في ليبيا بشكل عام، بما في ذلك موقف أوضح للرئيس ترامب، الذي أظهر في أكثر من مرة استعداده لتجاهل الظروف واتخاذ خطوات جريئة جذرية.
"الرباعية الليبية" في موسكو
في المقابل، تمر ألمانيا وأوروبا ككل بلحظات مزعجة، بينما ينهار الاتحاد الأوروبي ويتباطأ الاقتصاد أكثر فأكثر، وفي ظل ذلك، لن يكون تدفق موجة جديدة من المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا سوى تعقيدا جديدا لصراع ألمانيا من أجل الإبقاء على الاتحاد الأوروبي على قيد الحياة. لذلك فإن أي حكومة ليبية تتمكن من إيقاف الهجرة إلى أوروبا سوف تكون لديها فرصة جيدة للحصول على دعم الاتحاد الأوروبي. في الوقت الذي لا تزال أوروبا تعتبر نفسها الضامن الوحيد المتبقي للديمقراطية الحقيقة، ولن يكون سهلا بالنسبة لها التوقف عن دعم حكومة طرابلس المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. ومع ذلك فإذا كانت واشنطن ستدعم حفتر في النهاية، قد تبصق أوروبا من وراء ظهر ترامب، إلا أنها لن تملك في العلن سوى أن تجيب بـ "سمعا وطاعة" ، ثم تبحث عن مكانها في مؤخرة القافلة.
بهذه الطريقة، يعتبر التدخل التركي خطوة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لأنقرة، فمن الصعب أن نتخيل عدم إدراك الرئيس أردوغان لمغبة التورط في ليبيا، إلا أنه فيما يبدو لي يتبنى موقفا استعراضيا أكثر من استعداده لتنفيذ تهديداته على الأرض. ومع ذلك، ففي عالمنا المتغير، لا يمكن استبعاد شيء.
على أي حال، من غير المرجح أن تستطيع ليبيا التصرف كدولة موحدة في المستقبل المنظور. فالتدخل الأجنبي، والمواجهة التاريخية بين طرابلس وبرقة، والروح القبلية لن تترك فرصة كبيرة لقيام دولة مركزية مستقرة وقوية، وحتى الحسم العسكري لن يحقق استقرارا في ليبيا.
مع الإقرار بعدم كفاءة سياسته الاقتصادية، إلا أن العقيد الراحل معمر القذافي كان قادرا على الإمساك بوحدة ليبيا بالعصا والجزرة، إلا أن التدخل الغربي دمر الدولة الليبية الهشة، وربما إلى الأبد.
في ظل هذه الظروف، لا أعتقد أن لدى مؤتمر برلين فرصا كبيرة للنجاح.