خيارات أمريكا القاسية بعد قمة بوتين ترامب... وإسرائيل ترتعب من صورة الأسد
الحروب الأمريكية المستمرة على منطقتنا أثبتت للأسف أن قدرة أمريكا على التجنيد لا تزال كبيرة، لكن عجزها ظهر في التمويل بحيث بات النظام الرأسمالي في خطر، إذ تبين أن الاقتصاد العالمي لا يمكن أن يتحمل سبع عشرة سنة من الحروب المستمرة.
خيارات واشنطن لتضيق مقارنة بقوتها منذ 10 سنوات، إسرائيل مرتعبة من ارتفاع صور الرئيس السوري بشار الأسد في الجولان خاصة بعد أن قام الجيش السوري بتحرير محافظتي درعا والقنيطرة في الجنوب خلال 40 يوما، وقد حمل هذا العام تطورات استراتيجية في معادلات الردع السورية حيث أسقطت سوريا مقاتلة إف 16 إسرائيلية وقصفت مواقع إسرائيلية في الجولان هذا عدا عن طائرتين مسيرتين إلى تاريخ كتابة هذا المقال حلقتا فوق الجولان وأربكتا نظام باتريود الدفاعي.
أوروبا تئن من البطالة وتراجع اقتصاداتها ونتج عن ذلك حالة عدم ثقة بين الناخبين والنخب وبروز الحكومات الشعبوية في أمريكا وايطاليا، أما بريطانيا فساهم بشكل أو بآخر زيادة معدلات البطالة والتراجع الاقتصادي إلى خروجها من الاتحاد الأوروبي إذ ظهرت أصوات عالية داخل بريطانيا تعزو سبب أزمتها الاقتصادية إلى ارتباطها في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة لأصوات أخرى أرجعت السبب للهجرة لكن النتيجة واحدة وهي مؤشر على أزمة اقتصادية كبيرة.
في منتصف آذار من العام ٢٠٠٧ نشر البروفيسور الأمريكي أنتوني كوردسمان مقالاً بعنوان "الاستراتيجية الجديدة في العراق تقدم غير مؤكد نحو هدف مجهول " يقول فيه : " إحدى الحقائق القاسية في البحث عن الخيار " الأقل سوءاً " هي أنه حتى وإن استطاعت أمريكا إيجاد خيار "أقل سوءا" والعمل به، فسيظل سيئا". ويتابع في الواشنطن بوست،" إن أحد الدروس التي قد ينبغي على إدارة بوش تعلمه هو أنه عند مستوى معين من الهزيمة، يسيطر الفاعلون الآخرون على الأحداث، كما قد تصبح النقاشات الأمريكية حول خطط واستراتيجيات بديلة عديمة الفائدة ".
اليوم بعد عقد ونيف من الغزو الأمريكي للعراق، منها سبع سنوات حرب على سوريا شنتها أمريكا والغرب بداية ٢٠١١ . يصرح الرئيس ترامب في نهاية آذار من العام الجاري عن تبديد واشنطن تريليونات من الدولارات على مدى سبعة عشر عاماً في حروب الشرق الأوسط دون أن تحصل على مقابل. السبعة عشر عام التي قصدها الرئيس الأمريكي في تصريحه السابق تمتد من حين إعلان أمريكا "الحرب على الإرهاب "و احتلال أفغانستان والعراق إلى يومنا هذا.
فقط تكلفة الحرب على سوريا فاقت مئات مليارات الدولارات، ولو وضع هذا المبلغ على الصخر الأصم لتفتت ولكن سوريا صمدت. أمريكا التي اعتقدت وحلفاؤها وأدواتها ،أنها في فترة سنة أو أكثر تتمكن من فرض هيمنتها على سوريا ووضع يدها على خيراتها وثرواتها، وجدت نفسها ابتعدت كثيرا عن هدفها حتى بات سراباً. وزادت الضغط على أدواتها ودفعت بكل ما تستطيع من الأموال، والدعم والمساندة من كذب و تزوير في المؤسسات الدولية ضد سوريا، كتلفيق تهمة الكيماوي وغيرها من الافتراءات ضد الشعب السوري، حتى أنهكت أمريكا وأنهك الاقتصاد العالمي.
الحقيقة ليست أدوات أمريكا التي فشلت في سوريا بل أمريكا نفسها هي التي مُنيت بفشل ذريع . كل ذلك بفضل صمود سوريا ومساندة ودعم حلفائها. عشية قمة بوتين ترامب ما هي خيارات أمريكا؟ وهل حسنت من وضعها التفاوضي بعد إشعال الحرب في سوريا، أم أنها باتت في طور الحد من الخسائر (Damage Limitation) مع التأكيد على بروز المستجدات التالية التي لم تكن موجودة زمن الغزو الأمريكي للعراق :
١ - تعاظم دور روسيا حليفة وشريكة سوريا في الحرب على الإرهاب.
٢-ظهور الصين قوة تجارية كبيرة تؤرق أمريكا، وأمنت دعماً سياسياً لسوريا. حيث شكلت أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية قوة هيمنة استعمارية لا ترى في الأمم الأخرى سوى مجال لتوسيع نفوذها وتراكم أموالها.
ففي الخمسينات من القرن الماضي تدخلت أمريكا في كوريا وقسمتها. وفي الستينات احتلت فيتنام. في السبعينات أشعلت الحرب في لبنان والتسعينات حرب الخليج الأولى ثم الحرب على العراق وأفغانستان مع مطلع الألفية الثالثة، ثم الحرب على سوريا ٢٠١١.
إن الشذوذ في هذه القاعدة بدأ بخسارة أمريكا في العراق على يد أبناء الشعب العربي في العراق ومقاومته. ولقد تلمست أمريكا خسارتها منذ الأسبوع الأول لغزوها العراق وأخذت تكتشف عجزها يوماً بعد يوم. لكنها اعتقدت بأن حرباً سريعة على سوريا ستعوضها خسارتها في العراق.
عشية انعقاد قمة بوتين بدأت تتكون في الأفق ملامح تسوية دولية مسرحها الجيوسياسي يمتد من كوريا الشمالية لأوكرانيا إلى إيران وأوروبا فاليمن وتشكيل الحكومات في لبنان والعراق انتهاء وابتداء بالقضية الفلسطينية محور الصراع وجوهره، أما سوريا فهي كلمة السر وراء هذه التسوية. والصين التي لها مصلحة في إزالة التوتر من خاصرتها الشرقية لأن التوتر نقيض الاقتصاد أيدت وروسيا المفاوضات الجارية بين أمريكا وكوريا الشمالية في أيار الماضي. وكان من جملة الشروط التي وضعتها أمريكا على كوريا الشمالية وقف التعاون مع إيران في مجال إنتاج الصواريخ البالستية.
في لقائه مع زعماء حلف الناتو فرادى ومجتمعين، هدف ترامب إلى تحسين الوضع التفاوضي لأمريكا. كان قد وصف زعماء الناتو بالمحتالين، ووصف أنجيلا ميركل بأسيرة روسيا لدعمها مشروع خط الغاز الروسي السيل الشمالي Stream North . والذي تعارضه أمريكا كمشروع مشترك للطاقة بين روسيا وأوروبا. إن التحالف الصناعي العسكري ولوبيات النفط والمال هو من أتى بترامب للبيت الأبيض وهم على دراية بعلاقته مع بوتين. وجاؤوا به لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي وإخراجه من غرفة العناية المشددة . ولكن في الوقت ذاته لا يريدون أن يقترب كثيراً من روسيا ولهذا قام المحقق مولر بتوجيه الاتهام لإثني عشر روسياً في إطار تحقيقه في قضية تدخل روسيا في مجرى الانتخابات الأمريكية، قبيل انعقاد القمة.
رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يزور روسيا للمرة الثالثة في هذا العام، إسرائيل التي تعيش كابوس انتصار سوريا وعودتها بثوابتها الوطنية وهويتها العربية، وتبنيها لقضية فلسطين. إسرائيل تلك التي انتهجت خلق التناقض بين الحلفاء لا تألو جهداً لاستخدام ذريعة الوجود الإيراني في سوريا. لكن حقيقة الأمر أرعبها رؤية صور الرئيس بشار الأسد ترفع في الجولان السوري بعد تخليص محافظة درعا من الإرهابيين. مستشار مرشد الثورة الإيرانية الدكتور علي ولايتي التقى بوتين في موسكو بالتزامن مع زيارة نتنياهو ووصف نتنياهو بالمتنقل بين الدول وإثارة الكلام غير الصحيح.
محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية يزور بوتين والقطري أيضاَ الذي لا يزال محاصراً من بني سعود على خلفية الحرب على سوريا. القمة بين بوتين وترامب المرتقبة دولياً قد تنضج تسوية وقد لا تنضج، ممكن أن تنتج مجموعة تفاهمات جزئية أولى مؤشراتها تشكيل الحكومة في كل من لبنان والعراق، لحين نضوج التسوية بعواملها الذاتية .
ويمكن تسجيل النقاط التالية التي تشكل المحددات الأساسية لما ستكون عليه التسوية المستقبلية. - روسيا ند سياسي وعسكري لأمريكا، وهذا بدا جلياً في الأسبوع الذي سبق القمة إذ ظهر زعماء
الغرب والعالم يتهافتون لزيارة بوتين تهافت الفراش على النار . ماكرون يزور بوتين عشية القمة ليطلعه على نتائج قمة حلف الشمال الأطلسي وهو الذي حضر المونديال في النصف النهائي .
- الصين ند تجاري لأمريكا. منظمة شنغهاي للتعاون تمثل جغرافياً ٦٠ بالمئة من مساحة أوروبا.
- محور المقاومة الشعبية الممتد من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق وإيران قادرعلى لجم إسرائيل واحتوائها.