خطة الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين لتفادي العقوبات على النفط الإيراني
من المحتمل أن تكون سياسة ترامب قد أدت إلى نتيجة عكس ذلك المقصود. إن قرار واشنطن بالتخلي عن الاتفاق النووي الإيراني وفرض عقوبات صارمة على الشركات التي تتاجر في النفط الإيراني اعتباراً من 4 تشرين الثاني، هو خلق لقنوات جديدة للتعاون بين الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وإيران ومن المحتمل دول أخرى. إن الإعلان الأخير الذي أصدره مسؤولون في بروكسل عن إنشاء "آلية أهداف خاصة" غير محددة لتفادي التجارة بالنفط بالدولار الأمريكي وبالتالي فرض عقوبات على أمريكا، قد يسبب هذا بداية النهاية للسيطرة التي يفرضها نظام الدولار على الاقتصاد العالمي.
ووفقًا لتقارير من آخر محادثات ألمانية ثنائية في طهران في 17 تشرين الأول، فإن ما يسمى بـ " آلية الأهداف الخاصة " التي ستسمح لإيران بالاستمرار في الحصول على صادراتها النفطية، ستبدأ التنفيذ في الأيام المقبلة. وفي نهاية أيلول، أكدت رئيسة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، على خطط لإنشاء قناة تجارية مستقلة، مشيرة إلى أنه "لا يمكن لأي دولة أو منظمة ذات سيادة أن تقبل أن يقرر شخص آخر من يُسمح لك بالتداول معه".
وبحسب ما ورد تم تصميم خطة " آلية الأهداف الخاصة " على غرار نظام المقايضة السوفييتي الذي استخدم خلال الحرب الباردة لتجنب العقوبات التجارية الأمريكية، حيث يتم تبادل النفط الإيراني بطريقة ما مقابل البضائع دون مال. وبحسب ما ورد فإن اتفاقية " آلية الأهداف الخاصة " ستشمل الاتحاد الأوروبي وإيران والصين وروسيا.
وفقًا لتقارير مختلفة من الاتحاد الأوروبي، تتضمن خطة " آلية الأهداف الخاصة " الجديدة نظام مقايضة متطوراً يمكنه تجنب عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية. وكمثال على ذلك، تستطيع إيران شحن النفط الخام إلى شركة فرنسية، من خلال رصيد مستحق بواسطة خطة " آلية الأهداف الخاصة "، يشبه إلى حد كبير أحد البنوك. ويمكن بعد ذلك أن تستخدم لدفع مصنع إيطالي للبضائع المشحونة بالطريقة الأخرى، دون أي أموال تمر عبر أيدي الإيرانيين أو النظام المصرفي العادي. وسيتم إنشاء وسيط مالي دولي متعدد الجنسيات تدعمه الدولة للتعامل مع الصفقات ومع الشركات المهتمة بإيران بالإضافة للمعاملات والأطراف الإيرانية. لن تكون أي معاملات واضحة بالنسبة للولايات المتحدة، وسوف تشمل اليورو والجنيه الاسترليني بدلاً من الدولار.
إنه رد استثنائي على ما وصفته واشنطن بسياسة الحرب المالية الشاملة ضد إيران، والتي تتضمن تهديدات بفرض عقوبات على البنوك المركزية الأوروبية وشبكة الدفعات المشتركة بين البنوك "سويفت" ومقرها بروكسل إذا كانت لديهم روابط مع إيران بعد 4 تشرين الثاني. لم تشهد العلاقات بين أوروبا الغربية وواشنطن في عام 1945 مثل هذه الإجراءات العدوانية من قبل. إنها تُجبر على إعادة التفكير بشكل كبير من الدوائر السياسية الرائدة في الاتحاد الأوروبي.
العمارة المصرفية الجديدة
تم تقديم خلفية المبادرة الغامضة في حزيران في تقرير بعنوان أوروبا وإيران والسيادة الاقتصادية: العمارة المصرفية الجديدة رداً على العقوبات الأمريكية. كتب هذا التقرير الخبير الاقتصادي الإيراني "إيسفنديار باتمانغيلدج" و"أكسل هيلمان"، وهو زميل في السياسة في شبكة القيادة الأوروبية، وهي مؤسسة بحثية مقرها لندن.
يقترح التقرير لهيكله الجديد أنه يجب أن يعتمد على عنصرين رئيسيين. وسيعتمد أولاً على "بنوك بوابة" مخصصة للعمل كوسيط بين البنوك التجارية الإيرانية والإتحاد الأوروبي المرتبطة بآلية الأهداف الخاصة. العنصر الثاني هو أنه سيشرف عليه مكتب الاتحاد الأوروبي لمراقبة الأصول الأجنبية، على غرار ذلك في خزانة الولايات المتحدة، ولكنه يستخدم لتسهيل التجارة القانونية بين الاتحاد الأوروبي وإيران، وليس لحظره. وسيتولى مكتب الاتحاد الأوروبي مكتب الإشراف على الممتلكات الأجنبية، ضمن وظائف أخرى، إنشاء آليات لإثبات الحرص الواجب على الشركات التي تقوم بمثل هذه التجارة وتعزيز الحماية القانونية للاتحاد الأوروبي للكيانات المشاركة في التجارة والاستثمار في إيران.
وبحسب ما ورد فإن " آلية الأهداف الخاصة " تقوم على هذه الخطة باستخدام بنوك معينة، والبنوك في الاتحاد الأوروبي غير المتأثرة بواشنطن، حيث أنها لا تقوم بأعمال في الولايات المتحدة وتركز على الأعمال التجارية مع إيران. وقد تشمل هذه البنوك مجموعة مختارة من البنوك الألمانية المملوكة للدولة، وبعض البنوك السويسرية الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن اختيار بنوك إيران التي لديها مكاتب في الاتحاد الأوروبي.
أياً كانت النتيجة النهائية، من الواضح أن الأعمال العدوانية لإدارة ترامب ضد التجارة مع إيران تجبر الدول الكبرى على التعاون، الأمر الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار هيمنة الدولار.
الاتحاد الاوروبي وروسيا والصين
وقالت فيديريكا موغيريني خلال الاجتماع الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: إن برنامج " آلية الأهداف الخاصة " يهدف إلى تسهيل المدفوعات المتعلقة بصادرات إيران بما في ذلك النفط، طالما أن الشركات المعنية تقوم بأعمال مشروعة بموجب قانون الاتحاد الأوروبي. وتشارك الصين وروسيا أيضا في " آلية الأهداف الخاصة ". من المحتمل أن تنضم تركيا والهند ودول أخرى لاحقاً.
ردت واشنطن مباشرةً، فأعلن وزير الخارجية الأمريكي في الأمم المتحدة والرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، مايك بومبيو، أمام اجتماع للمعارضة الإيرانية بأنه منزعج وخائف للغاية من خطة الاتحاد الأوروبي. وقال بشكل خاص إن خطة واشنطن واحدة من أكثر التدابير غير المسبوقة التي يمكن تخيلها للسلام والأمن الإقليمي والعالمي. فهل من المفترض أن خطة واشنطن للحرب الاقتصادية ضد الإيرانيين تهدف إلى تعزيز السلام والأمن الإقليميين والعالميين؟
أحد أكثر الأسلحة وحشية في حرب الخزانة المالية الأمريكية هو القدرة على منع إيران عن نظام البنوك الخاص "سويفت" القائم في بروكسل. وقد تم ذلك بتأثير مدمر في عام 2012 عندما ضغطت واشنطن على الاتحاد الأوروبي للحصول على امتثال "سويفت"، وهي سابقة خطيرة أرست أجراس الإنذار في جميع أنحاء العالم.
إن حقيقة أن الدولار الأمريكي لا يزال العملة المهيمنة الساحقة على التجارة الدولية والمعاملات المالية يعطي واشنطن قدرة استثنائية على البنوك والشركات في بقية العالم. قد يكون هذا على وشك التغيير، على الرغم من أنه لم يتم إنجازه بعد.
كشفت الصين في عام 2015عن أو نظام المدفوعات الدولي الصيني. كان ينظر في الأصل إليه كبديل مستقبلي في الصين لـ "سويفت". وسيقدم خدمات للمشاركين في المدفوعات والتجارة عبر الحدود. لسوء الحظ، أجبرت أزمة سوق الأسهم الصينية بكين على تخفيض خططها، على الرغم من وجود هيكل أساسي للبنية التحتية.
وناقشت روسيا والصين منذ أواخر عام 2017 إمكانية الربط بين أنظمة الدفع الثنائية وتجاوز الدولار. وسيتم ربط نظام الدفع الإلكتروني الصيني ونظام الدفع المحلي الروسي مباشرة.
لقد كرّست دوائر السياسة الأوروبية الرائدة في الآونة الأخيرة هذه الأفكار، التي لم يسبق لها مثيل في حقبة ما بعد عام 1944. وقال وزير الخارجية الألماني، "هيكو ماس"، في شهر آب وفي إشارة إلى الإجراءات الأمريكية الأحادية لمنع النفط والتجارة الأخرى مع إيران، "يجب على أوروبا ألا تسمح للولايات المتحدة بالتصرف فوق رؤوسنا وعلى حسابنا. لهذا السبب، من الضروري أن نعزز الاستقلالية الأوروبية من خلال إنشاء قنوات دفع مستقلة عن الولايات المتحدة، وإنشاء صندوق نقد أوروبي وإنشاء نظام "سويفت" مستقل. "
فجوة في الدولار
إن مدى استعداد الاتحاد الأوروبي لتحدي واشنطن بشأن مسألة التجارة مع إيران لم يتضح بعد. على الأرجح، يمكن لواشنطن عبر وكالة الأمن القومي وغيرها من الوسائل أن تكشف عن صفقات الشركة الأوروبية المشتركة بين روسيا وإيران وروسيا والصين.
بالإضافة إلى التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الألماني، تناقش فرنسا توسيع برنامج إيران النووي الخاص بإيجاد وسيلة لعزل اقتصاديات الاتحاد الأوروبي من العقوبات غير القانونية خارج الحدود الإقليمية مثل العقوبات الثانوية التي تعاقب شركات الاتحاد الأوروبي التي تمارس أعمالها في إيران بمنعها من استخدام الدولار أو ممارسة الأعمال التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية. صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، "أجنيس فون دير موهل"، أنه بالإضافة إلى تمكين الشركات من الاستمرار في التجارة مع إيران، فإن خطة "آلية الأهداف الخاصة" سوف تخلق أداة سيادية اقتصادية للاتحاد الأوروبي تتجاوز هذه الحالة الواحدة. ومن ثم فهي خطة طويلة الأجل من شأنها حماية الشركات الأوروبية في المستقبل من تأثير العقوبات غير القانونية خارج الحدود الإقليمية.
إذا كان هذا هو الحال، فسوف يخلق فجوة كبيرة في الدولار. في إشارة إلى "آلية الأهداف الخاصة" وتداعياتها، أشار "جاريت بلان"، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية في عملية التفاوض حول الاتفاق النووي الإيراني، إلى أن آلية الدفع تفتح الباب أمام تدهور طويل الأمد لقوة العقوبات الأمريكية.
في الوقت الحاضر، أظهر الاتحاد الأوروبي خطاباً فاضحاً وتذمراً صاخباً ضد الحرب الاقتصادية الأمريكية أحادية الجانب وفرض عقوبات خارج نطاق الولاية مثل العقوبات ضد روسيا. هل ستضع حرب العقوبات الأمريكية على إيران بداية النهاية لهيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي الذي كانت تحتفظ به منذ بريتون وودز في عام 1945؟
شعوري هو أنه ما لم تستخدم "آلية الأهداف الخاصة" بأي شكل من الأشكال المزايا التكنولوجية الرائعة لبعض تقنيات "بلوك تشين" أو التكنولوجيات المشابهة لـ XRP أو Ripple التي مقرها الولايات المتحدة، التي تمكنها من توجيه الدفع عبر الحدود بطريقة آمنة وفورية تقريباً على مستوى العالم، لن يصل الأمر إلى الكثير. لا يعني ذلك أن مبرمجي تكنولوجيا المعلومات الأوروبيين يفتقرون إلى الخبرة لتطوير مثل هذا، وبالتأكيد ليس الروس. بعد أن تم إنشاء واحدة من شركات "بلوك تشين" الرائدة من قبل الكندي الروسي الذي يدعى فيتليك بوترين. يعمل مجلس الدوما الروسي على تشريع جديد يتعلق بالعملات الرقمية، رغم أن بنك روسيا لا يزال يعارضه بشدة. يقوم بنك الصين الشعبي بتطوير واختبار سريع لتشفير عملة محلية. إن تقنيات "بلوك تشين" يساء فهمها على نطاق واسع، حتى في الدوائر الحكومية مثل البنك المركزي الروسي. قدرة نظام الدفعات الخاضع للإشراف الحكومي على تحريك القيمة عبر الحدود، مشفر بالكامل وآمن هو الجواب الوحيد الممكن على المدى القصير للعقوبات الانفرادية والحروب المالية إلى أن يصبح النظام الأكثر تحضراً بين الأمم ممكناً.