أجندة الصين العالمية
يتعين على الصين أخيراً أن تعلن تأييداً تاماً للعولمة. وسيعلن الرئيس شي جين بينغ الإعلان العالمي في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس خلال الفترة من 17 إلى 20 كانون الثاني. ويُذكر أن اجتماع دافوس يركز على ردود الفعل المناهضة للعولمة كما يبدو واضحاً في انتخاب ترامب. ويرجح أن يعالج أيضاً القلق من صعود الشعبوية.
وما تم تناقله أن الرئيس شي سيتحدث عن "العولمة الشاملة"، بينما يدين "الشعبوية" بأنها تعزز الحرب والفقر. وأوضح جيانغ جيان رئيس المكتب الإعلامي بمجلس الدولة في ندوة استضافتها منظمة التجارة العالمية في جنيف أن الرئيس شي سيذهب إلى دافوس لتعزيز التنمية والتعاون والعولمة الاقتصادية من أجل بناء مجتمع ذو مصير مشترك.
ومع صعود الشعبوية والنضالية وصل العالم إلى مفترق طرق تاريخي، إحدى الطرق يؤدي إلى الحرب والفقر والمواجهة والهيمنة، والطريق الآخر يؤدي إلى السلام والتنمية والتعاون والحلول المربحة للجانبين.
إن التوقعات المفترضة من المجتمع الدولي هي التعبير عن المجتمع الدولي لحكم الأقليات، والرأي العام الذي تولده وسائل الإعلام الخاصة بهم.
تحافظ الصين على المصلحة الذاتية باسم الشعارات النظرية، وتمارس الهيمنة في الاقتصاد وتطالب الدول الأخرى بأن تبقى سوقاً مفتوحة لمنتجاتها. وتم مؤخراً في نيوزيلندا استيراد نوعية رديئة من الفولاذ الصيني، وتحقيق إغراق للسوق بهذا الفولاذ. ويعتمد مفهوم الشراكة لدى الصين دائماً على خضوع الشريك، وهذه عقلية الصين منذ آلاف السنين.
الموجه هنري كيسنجر
أضاف نائب وزير الخارجية لي أن قنوات الاتصال مفتوحة بين الصين وفريق ترامب الانتقالي في هذا المنتدى. ويسود كالعادة الاحتقار للأجنبي وراء الابتسامات والمصافحة والدعاوى التجارية على النمط الغربي. يضمن حكم الأقلية في الولايات المتحدة دائماً اتصال مع الصين من خلال هنري كيسنجر. لم يخسر وزير الخارجية السابق الذي كان قريباً من مصالح الأقلية في معظم حياته، ولم يضيع وقته في ضمان أنه بغض النظر عن الرئيس ترامب فإن علاقات الصين مع العولميين ستظل قائمة. لماذا تحتاج الصين إلى المحافظة على علاقات دبلوماسية رسمية مع حكومة ترامب عندما يكون هناك كالعادة عمل عن طريق كيسنجر في أعلى مستويات الأعمال بين الولايات المتحدة والصين؟
وكان كيسنجر الذي جلب الصين إلى النظام التجاري العالمي خلال السبعينات يحقق هدفاً رئيسياً من جانب العولميين. وتفيد تقارير بلومبرغ أن كيسنجر كان في بكين بعد انتخاب ترامب مباشرةً، بعد أن أجرى محادثات سرية مع ترامب في 18 تشرين الثاني. ومما يبعث على القلق أن ترامب أشار لكيسنجر أن التعليقات على الصين والعولمة كانت مجرد خطاب انتخابي.
التقى كيسنجر بالرئيس شي، وشكره على شرحه لطريقة تفكيره وأهداف سياسته طويلة المدى. ورد شي عليه أن كل الآذان كانت صاغية لما سيقوله عن الوضع العالمي الحالي، ونمو علاقات الصين والولايات المتحدة في المستقبل.
وقال غاو تشي تساي، وهو مترجم للزعيم الصيني الراحل دنغ الذي التقى كيسنجر كثيراً، إن كيسنجر كان في وضع فريد من نوعه ليكون رسول بين الولايات المتحدة والصين. وأضاف غاو: " لا يمكن لأحد أن يحل محله ". ولا يمكن لأمريكيين آخرين الحصول على نفس الاحترام من قبل القادة الصينيين.
ذكر تقرير بلومبرغ أن كيسنجر زار الصين 80 مرة منذ رحلته السرية في عام 1971 (وفقاً لوكالة أنباء شينخوا الرسمية) لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، واجتمع مع كل زعماء الصين.
بريجينسكي
كان زبغنيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي لجيمي كارتر، وهو أيضاً شخصية أساسية في إقامة العلاقات بين الولايات المتحدة والصينا. عمل بريجينسكي مديراً مؤسساً للجنة الثلاثية التي أنشأها ديفيد روكفلر بهدف تعزيز العلاقات بين الصين والأقلية المؤيدة للعولمة. لايزال بريجينسكي لاعباً بارزاً في الدبلوماسية الدولية، كما لايزال معادياً لروسيا ومؤيداً للصين. سُئل بريجينسكي باعتباره مفاوضاً لسياسة "الصين الواحدة" في الولايات المتحدة، عن ردة فعله على جرأة ترامب بقبوله لمكالمة هاتفية للرئيس التايواني للتهنئة، مما أثار غضب الصين، وكما كان الحال في الحرب الباردة، لايزال الإستراتيجيون الأمريكيون يرون الصين عنصراً هاماً في احتواء روسيا، فقد أجاب بريجينسكي: " ليس من مصلحتنا أن نعارض بكين، ومن الأفضل للمصالح الأمريكية أن تعمل الصين معنا، مما يجبر روسيا على أن تحذوا حذوها. ويعطي هذا للولايات المتحدة القدرة الفريدة للوصول عبر العالم إلى نفوذ سياسي جماعي. ويعتمد تأثير أمريكا العالمي على التعاون مع الصين".
يرى بريجينسكي أن الاتفاق الصيني الأمريكي يوصف بأنه تعظيم لقوة الولايات المتحدة. وسُئل عما إذا كانت مؤشرات ترامب المؤيدة لروسيا مفيدة في احتواء الصين باعتبارها منافس للولايات المتحدة. ردّ بريجينسكي: بالتأكيد لا. ويرى أن اللاعبين الحقيقيين للسلطة هم الولايات المتحدة والصين جنباً إلى جنب كجزء من الحزمة المهيمنة، وتحتفظ روسيا بالتبعية.
وأضاف بريجينسكي: " ليست روسيا منافساً لأمريكا من حيث ما تقدمه من خلال التعامل مع الصين. ويعرف الصينيون جيداً أننا قد نضعف أحياناً ولكن أمريكا لاتزال في الأساس رقم واحد في العالم، ويُعتبر الصينيون أيضاً رقم واحد تقريباً. لذلك فإن لدى الصين خيار يجب أن تتخذه، فإذا اختارت أن تكون ضد أمريكا فإنها ستخسر، ومن مصلحتها أن تبقى ضمن الحزمة المهيمنة، والعكس صحيح بالنسبة للولايات المتحدة".
وأضاف بريجينسكي: " تُعتبر الولايات المتحدة والصين القوى المهيمنة في العالم، وكان عملهم معاً على مر السنين منذ تطبيع العلاقات لتعزيز الأمن والاستقرار اللازمين لكل منهما لتحقيق مصالحه الخاصة، وليس لأغراض شريرة مثل الغزو والحرب. لن تتمكن الصين أو الولايات المتحدة أن تؤدي الدور وحدها، فإذا أرادت أمريكا أن تذهب وحدها في العالم دون الصين فلن تتمكن من تأكيد نفسها. وبأخذ هذا بعين الاعتبار، يمكننا أن نبدأ تدريجياً بتشكيل عالم أكثر استقراراً من عالم اليوم. وتكمن مصالح أمريكا طويلة الأمد بتطوير علاقاتها مع الصين وليس الابتعاد عنها".
كيف خلق العولميون الصين الحديثة
قامت ثورة الشعب في الصين برعاية ثورات عفوية في أوروبا الشرقية وشمال أفريقيا. وليس هذا الوقت المناسب لدراسة كيف قامت الولايات المتحدة بإحباط شيانغ كاي شيك، وكيف اتبعت تايوان في عهد شيانغ نظاماً اقتصادياً ذو حكم حقيقي. سنبحث بإيجاز الطريقة التي حكم فيها الأقلية الصين كجزء من النظام الاقتصادي العالمي. ويفسر بيتر غروز:
" تحول المجلس جدياً إلى مشكلة الشيوعية في وقت مبكر من عام 1960. وبدأت منشورات المجلس المختلفة تبدأ بتطوير فكرة " الصينين" والاعتراف بالحكومة القومية لتايوان والحكومة الشيوعية. ونشر البروفيسور دواك بارنيت كتاباً رائعاً للمجلس في عام 1960 بعنوان الصين الشيوعية وآسيا. بدأت الدراسة الرئيسية للمجلس حول العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في عام 1964، وهي السنة التي فجرت فيها الصين أول قنبلة نووية لها.
صاغ مجلس العلاقات الخارجية حل جدلي يبدو أنه يؤيد سياسة "الصينين"، مما يعني أنه يمكن التخلص من تايوان. وهذا ما حدث فعلاً فاستخدمت الأمم المتحدة سياسة "الصينين" التي صُيغت قبل سنوات في مجلس العلاقات الخارجية لتأمين دخول الصين الحمراء إلى الأمم المتحدة. ونشر المجلس تحليلاً للرأي العام وصل لاستنتاج غير متوقع أن الأمريكيين كانوا أكثر استعداداً من رؤسائهم لإقامة علاقات جديدة مع الصين.
وفي عام 1969 لخص المجلس المشروع تحت عنوان " الولايات المتحدة والصين في الشؤون العالمية". وجاء المنشور بالرغم من أن ريتشارد نيكسون المعادي الصريح للشيوعية الصينية أصبح رئيساً للولايات المتحدة.
ويختتم غروس بالتنويه إلى دور كيسنجر وسايروس فانس المحوري في افتتاح الصين الحمراء، وبدء العملية التي جعلت الصين قوة عالمية.
ذهب كيسنجر الذي كان مستشار الأمن القومي لنيكسون في مهمة سرية إلى بكين في عام 1971، لإجراء اتصال رسمي مع النظام الشيوعي. وتابع نيكسون هذا بنفسه في عام 1972. واكتملت عملية تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين في عام 1978 من قبل خليفة كيسنجر كوزير للخارجية سايروس فانس.
اعتمدت الصين نموذج التنمية الاقتصادية الليبرالية الغربية، وليس هناك تناقض بين الليبرالية والسلطوية السياسية. وإن هذا النموذج الذي اعتمدته الصين هو نتاج للحضارة في حالة الانحلال النهائي.