حروب ترامب العالمية: جمركية ضدّ أوروبا ونفطية ضدّ إيران وتجارية ضدّ الصين

09.07.2018

يشنّ دونالد ترامب ثلاث حروب إقتصادية عالمية في آن: الأولى جمركية ضدّ أوروبا، والثانية نفطية ضدّ إيران، والثالثة تجارية ضدّ الصين. الحروب الثلاثة تتداخل وتتكامل وتُشكّل، في الواقع، ركيزة سياسة «أميركا اولاً» المفضية، عاجلاً أو آجلاً، الى بناء نظام عالمي مغاير للنظام الحالي المترهل والآيل الى الإنهيار.

الحرب الجمركية الأميركية ضدّ أوروبا تمثّلت بالرسوم التي فرضتها إدارة ترامب على منتجات الصلب والالمنيوم المستوردة من دول الاتحاد الأوروبي ما تسبّبت بنسف اجتماع قمة الدول الصناعية السبع في حزيران/ يونيو الماضي في كندا. لم يكتفِ ترامب بذلك بل صعّد حملته على شركائه الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي مطالباً إياهم، ولا سيما المانيا، بزيادة مساهمتها في نفقاته بحيث لا تقلّ عن 2 في المائة من دخلها القومي.

الحرب النفطية الأميركية ضدّ إيران تمثّلت بدعوة ترامب دول العالم الى الإمتناع عن استيراد النفط من إيران عقاباً لها على عدم موافقتها على تعديل الإتفاق النووي الذي كان الرئيس الاميركي قد أعلن اَلإنسحاب منه خلال شهر أيار/ مايو الماضي. الرئيس الإيراني حسن روحاني وكبار قادته العسكريين ردّوا ملوّحين بمنع مرور شحنات النفط من دول الخليج إذا ما حاولت واشنطن وقف صادرات النفط الإيرانية. قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري أعلن أنّ قواته مستعدة لإقفال مضيق هرمز، محذراً من أنه إذا لم تستطع إيران بيع نفطها بسبب الضغوط الاميركية، فلن يُسمح لأيّ دولة أخرى في المنطقة بأن تفعل. إما ان يستخدم الجميع مضيق هرمز وإما لا أحدا. القيادة المركزية الأميركية ردّت على تصريحات جعفري بإبداء استعداد البحرية الأميركية لضمان حرية الملاحة وتدفق حركة التجارة عبر المضيق ذاته.

الحرب التجارية الأميركية ضدّ الصين تمثّلت بفرض رسوم جمركية على منتجات صينية تقدّر بعشرات مليارات الدولارات الامر الذي حمل الصين على الردّ فوراً بفرض رسوم على منتجات أميركية بالقيمة ذاتها تقريباً لكن مع تركيز أكبر على المنتجات الزراعية.

حروب ترامب الاقتصادية العالمية هزّت وستهزّ بقوة الإقتصاد العالمي ما يهدّد النظام الدولي السائد بمزيد من الترهّل والتفكك. المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية غاو فينغ قال إنّ الولايات المتحدة هي التي تسبّبت بأكبر حرب تجارية في التاريخ، وانه ضمن قائمة المنتجات المدرجة على القائمة الأميركية بضائع بقيمة 20 مليار دولار من صنع شركات استثمارية أجنبية تمثل الشركات الأميركية قسماً مهماً منها، لافتاً الى انّ «الولايات المتحدة تطلق النار على كلّ العالم، وتطلق النار على نفسها كذلك»!

بدورها حذرت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد من الدخول في دوامة الإجراءات الإنتقامية، مشيرةً الى أنها لن تخلق سوى «خاسرين من الطرفين».

صحيح ما قاله المسؤول الصيني بأنّ الولايات المتحدة «تطلق النار على كلّ العالم، وتطلق النار على نفسها كذلك». ذلك ما حمل القادة العسكريين الإيرانيين على إطلاق تحذيرات وتهديدات قوية. ولن يمضي وقت طويل قبل ان يعلن الإيرانيون، وربما غيرهم ايضاً، انّ ترامب بأفعاله المتهورة النكراء سيتسبّب، مباشرةً او مداورةً، بإطلاق النار على شركائه وحلفائه المميزين في الخليج كما في شرق المتوسط. كيف؟

كلام الجنرال جعفري واضح: «إذا لم تستطع إيران بيع نفطها بسبب الضغوط الأميركية، فلن يُسمح لأيّ دولة اخرى في المنطقة بأن تفعل». معنى ذلك انه إذا امتثلت دول صديقة لأميركا او متواطئة معها على عدم استيراد النفط الإيراني فإنّ طهران قد لا تكتفي بإغلاق مضيق هرمز بل تلجأ اذا ما قام الاسطول الأميركي بفتحه بالقوة الى تدمير منشآت نفطية للدول الخليجية المتحالفة مع أميركا ضدّ إيران. أكثر من ذلك، قد تقوم إيران بقصف منشآت «إسرائيل» النفطية في البحر المتوسط لمنعها من المشاركة، شأن السعودية، في تعويض النقص الناجم عن حرمان إيران من تصدير نفطها. اما اذا قامت «إسرائيل»، بالتواطؤ مع أميركا، بقصف منشآت النفط وغيرها من المرافق الحيوية الإيرانية، فإنّ إيران وحلفاءها لن تتأخر في قصف وتدمير مرافق «إسرائيل» الحيوية، النووية والصناعية والعسكرية، كما موانئها ومطاراتها ومعاملها الكهربائية.

ايّ مشهد كابوسي سيسود كوكبنا الأرضي اذا ما تدحرجت ردود الأفعال الى انزلاق دول كبرى نووية الى معمعة حربٍ كونية قد يعرف العالم متى تبدأ لكنه لا يعرف متى تنتهي وما ستخلّف من كوارث بشرية وعمرانية سوريالية.

هل يمكن تدارك المخاطر والزلازل القيامية المحدقة؟

تسعى الصين الى الضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل إصدار بيان مشترك قوي خلال القمة المرتقبة بينهما في بكين يومي 16 و 17 الشهر الجاري للتنديد بتدابير ترامب العقابية ولحمله على التراجع عن حروبه التجارية. لكن لا يبدو انّ الأمر سيكون سهلاً حتى لو عرضت الصين فتح قطاعات واسعة أمام الإستثمارات الأوروبية، ذلك لأنّ الأوروبيين يخشون التدابير العقابية الاميركية بالقوة نفسها التي يخشون تداعيات التوسع التجاري الصيني الكاسح في كلّ أرجاء العالم.

على حافة انهيار نظام دولي قديم وبوادر نشؤ آخر مغاير تماماً، يمكن ان تتفجر في ايّ وقت اقسى التحديات والمخاطر، وان تنزلق دول وكيانات الى حروب كونية…