حرب علوم الجيل الرابع والخامس بين واشنطن وطهران…!

07.04.2020

أقامت دوائر المحافظين الجدد، والقوى الخفيّة التي تحكم الولايات المتحدة، الدنيا ولم تقعدها على أثر اجتماع السيناتور كريس ميرفي مع وزير الخارجية الإيرانيّ على هامش مؤتمر الأمن الدولي، في مدينة ميونخ أواسط شهر شباط الماضي.

ولكن السيناتور كريس ميرفي Chris Murphy لم يكن الوحيد، الذي عقد لقاءات في أوروبا لمتابعة الملف النووي الإيراني. حيث إنّ السيناتور ليندسي غراهام Lindsey O.Graham (جمهوري) والسيناتور روبرت مينينديز Robert Menendez (ديمقراطي) قد سافرا الى مؤتمر الأمن في مدينة ميونخ الألمانية، بداية شهر شباط 2019، وعقدا العديد من اللقاءات مع سياسيين أوروبيين، بمن فيهم الرئيس الفرنسي ماكرون، لبحث خطتهم الرامية الى فرض اتفاق نووي جديد، ليس فقط على إيران وإنما على جميع دول الشرق الأوسط بلا استثناء، وعلى رأسها حلفاء واشنطن من دول الخليج.

وتقوم خطة عضوي مجلس الشيوخ الأميركي، المشار اليهما أعلاه على المبادئ التالية:

تقوم الولايات بعقد اتفاقية نووية جديدة، مع كلّ من إيران ودول الخليج في الوقت نفسه. بحيث يكون الجزء الأول منها عبارة عن ضمانات، لإيران ودول الخليج، بالحصول على الوقود النووي، اللازم لإنتاج الطاقة (الكهرباء) السلمية، على ان تقدّم هذه الضمانات من قبل المجتمع الدولي بشكل دائم.
في مقابل ذلك فإنّ على إيران ودول الخليج الالتزام الدقيق بالامتناع عن تخصيب اليورانيوم في دولها الى الأبد. والهدف من وراء ذلك، كما يقول غراهام نفسه، هو إعطاء إيران طاقة نووية (nuclear power) بدون تخصيب (أيّ دون السماح لها بالتخصيب). وهو الأمر الذي يجعل العالم غير قلق من القنبلة (النووية الإيرانيّة) لانّ صناعة القنبلة دون تخصيب غير ممكنة.
بعد ذلك (أيّ بعد موافقة الأطراف المشار إليها أعلاه على المبدأ) فإنّ الولايات المتحدة وإيران، التي ستكون قد حصلت على تخفيف لبعض العقوبات، سيجلسان معاً للتفاوض على اتفاقية أكثر شمولية (من الاتفاق النووي الحالي) تتضمّن تقليصاً او تقييداً لبرنامج إيران الصاروخي (Restraints… فرض قيود) وكذلك وقف تمويلها للإرهاب كي يتمّ المزيد من تخفيف العقوبات عليها في المقابل.
سيتمّ اعتبار الاتفاق الجديد بمثابة معاهدة وسيتمّ التصديق عليها من قبل الكونغرس الأميركي لإعطاء الثقة لإيران بأنّ الرئيس الأميركي القادم لن ينسحب من الاتفاق كما فعل ترامب.
لكن ليندسي غراهام قد أبلغ كاتب المقال، جوش روبين Josh Rogin الموضوع، في «واشنطن بوست» بتاريخ 25/2/2020، بأنه ليس واثقاً من أنّ زملاءه في مجلس الشيوخ وكذلك البيت الأبيض سيقتنعون بخطته التي يعمل على تحقيقها، من خلال تحرّك دبلوماسي وذلك لأنّ ما يهدف إليه ترامب والجمود الحالي في الوضع غير قابلين للاستمرار.
من هنا كان انطلاق خطة مينينديز/ غراهام، من فكرة محاولة المساعدة في كسر الجمود الحالي في الموقف، ومن منطلق المساعدة ديبلوماسياً في التوصل الى مخرج من المأزق الحالي، حيث يريد الرئيس التوصل الى اتفاق جديد ولكنه غير قادر على تحقيقه. وهذا ما يفتح المجال أمام مجلس الشيوخ لمساعدته في التوصل الى ذلك، كما يقول الكاتب جوش روبين.
الا أنّ الدافع او المحرك الأساسي، لهذه التحركات الديبلوماسية الأميركية غير الرسمية، حسب تقديرنا انطلق من مكمن آخر. وهو حقيقة أنّ حظر استيراد او توريد الأسلحة لإيران سينتهي في شهر 10/2020 الأمر الذي تخشى الإدارة الأميركية ان يفتح المجال أمام الصين وروسيا لاستئناف تزويد إيران بأسلحة أكثر تطوراً او بتكنولوجيا صواريخ لا تمتلكها إيران حالياً، بحيث تصبح إيران أكثر مقدرة على تطوير برامجها الصاروخية وربما إنتاج صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية وإيصالها الى أهداف أبعد من الشرق الأوسط.

وعليه فإن الإدارة الأميركية، ومن خلال وسائل عديدة، تحاول أن تقبض على ملف الصواريخ الإيرانية قبل انتهاء الحظر المشار إليه أعلاه. وهذا يعني انّ واشنطن تسعى لحرمان إيران من توسيع قاعدة تعاونها العلمي والمعرفي، خاصة في مجال التكنولوجيا الصاروخية وأدوات الحرب الالكترونية، اضافة الى وقف التقدّم الكبير الذي تحرزه إيران في مجال الأسلحة الكهرومغناطيسية وتكنولوجيا النانو الفرط دقيقة، والتي تدّعي أميركا انّ إيران تعمل على استعمالها في مجال التصنيع العسكري، على الرغم من أنّ كلّ التقارير المتوفرة لدى الجهات الدولية، ذات الاختصاص بهذه التكنولوجيا، تؤكد أنّ استخدامات إيران لها يقتصر على المجالات الطبية حصراً.

اذن هي حرب أميركية ضدّ التقدّم العلمي الإيراني، الذي ينتج تكنولوجيا أكثر حداثة، تخدم إيران في تطوير قطاعها الصناعي المدني قبل العسكري، ما يسمح لها أن تصبح قوة صناعية متطوّرة جداً خلال اقلّ من عقد من الزمن.

ومع ذلك فإنّ إيران ستواصل بناء قدراتها الدفاعية مهما كلفها ذلك من أثمان، كما يعتقد العارفون بالشأن الإيراني.

اذ ليس بإمكان ايّ قوة في الكون ان تمنع شعباً، يؤمن بعقيدته وصواب قيادته، وقراراتها وثباتها على مواقفها المبدئية الهادفة، الى تحقيق بناء الدولة الحديثة المقتدرة، والتي هي أساس الاستقلال الوطني الكامل والشامل، الذي يضمن الانفكاك من عبودية دولنا للدول الاستعمارية…

نقول إنه ليس بإمكان أيّ قوة في الكون ان تمنع شعباً كهذا من تحقيق أهدافه والانتصار في معركة الاستقلال والسيادة.

وبما انّ الاستقلال والسيادة يفرضان على الدولة، ايّ دولة في العالم، ان تؤمِّن وسائل الدفاع عنها فانّ القيادة الإيرانية تواصل السير، بتؤدّة شديدة، على هذا الدرب، رغم الحصار والعقوبات المالية والاقتصادية المفروضة عليها، منذ أربعة عقود.

وفي إطار الجهود الإيرانية، الرامية الى تعزيز قدرات البلاد الدفاعية، فقد نشرت مجلة ميليتاري ووتش (Military watch) الأميركية، بتاريخ 1/4/2020 موضوعاً موسعاً، عن خطط التسلّح الإيرانية المستقبلية، في ضوء انتهاء العقوبات الدولية او الحظر الدولي على بيع الأسلحة لإيران والذي سينتهي في شهر 10/2020، الأمر الذي يجعل إيران قادرة على التزوّد بالأسلحة الحديثة من أيّ دولة تختارها.

لذا فإنّ الجهات العسكرية، والقيادية الأخرى في إيران، قد بدأت بدراسة الخيارات المتاحة، او بالأحرى دراسة أفضل الخيارات لتعزيز القدرات الدفاعية، خاصة المتعلقة بسلاح الجو الإيراني. أيّ البحث عن الأسلحة الأكثر ملاءمة لتعزيز الدفاع عن أجواء البلاد، من خلال شراء أعداد كبيرة من طائرات التفوّق الجوي/ السيطرة الجوية/ من طائرات الجيل الرابع والجيل الخامس الأحدث في العالم. علماً انّ وسائل الدفاع الجوي الإيرانية قد اثبتت انها من الأنظمة الأكثر حداثة ودقة في العالم، وما إسقاط طائرة التجسّس الأميركية العملاقة «غلوبال هوك» في شهر حزيران 2019 إلا أكبر دليل على ذلك، إلا انّ طائرات التفوق الجوي تبقى في غاية الضرورة للأسباب التالية:

لأنها تعتبر، في التخطيط العسكري للدفاع الاستراتيجي، عنصراً أساسياً لتأمين أجواء البلاد وكذلك بطاريات صواريخ الدفاع الجوي، من أية هجمات محتملة من قبل طائرات او صواريخ مجنحة معادية. اذ انّ بإمكان طائرات التفوّق الجوي الروسية، من طراز سوخوي/35 او ميغ/ 35 استخدام صواريخ جو/ جو فرط صوتية، روسية الصنع، من طراز R – 37 M والتي بإمكانها ضرب أهداف جوية معادية تتحرك في نطاق عمل رادار الطائرة والبالغ 400 كم. كما انّ بإمكان طائرات التفوّق الجوي الصينية استخدام صواريخ جو/ جو فرط صوتية، صينية الصنع، من طراز PL – 15 او حتى صواريخ YJ – 18، التي يبلغ مداها 560 كم وتطير بسرعة خمسة أضعاف سرعة الصوت.
علماً انّ سلاح الجو الأميركي والإسرائيلي والإماراتي والسعودي لا تمتلك طائراته الا صواريخ جو/ جو / من طراز AIM 120 C بمدى 105 كم وصواريخ AIM D (فقط لدى سلاح الجو الأميركي منذ أشهر قليلة) ومداه 180 كم.

اما المبرّر الثاني لاقتناء إيران طائرات التفوّق الجوي فيتمثل في امتلاك جميع أعداء إيران لطائرات تفوق جوي، اذ يمتلك سلاح الجو الأميركي طائرات F 16 وطائرات F 15 s، في الوقت الذي يمتلك فيه سلاح الجو الإسرائيلي طائرات F 16 E، بينما يمتلك سلاح الجو السعودي طائرة F 15 وسلاح الجو الإماراتي طائرات F 16 E. وهذا يعني أنّ مقاتلات التفوق الجوي المعادية قد تشكل خطراً على الأجواء الإيرانية او منظومات الدفاع الجوي الإيرانية، إضافة الى المنشآت الحيوية الإيرانية العسكرية والمدنية، المحتمل ضربها اما بواسطة قاذفات القنابل المعادية، بمرافقة طائرات التفوّق الجوي، او بواسطة الصواريخ المجنحة بعيدة المدى، حيث تكون مهمة مقاتلات التفوّق الجوي، في هذه الحالة، منع الطائرات الاعتراضية الإيرانية أو/ ومنظومات الدفاع الجوي من اعتراض الصواريخ المعادية.
ولكن ما هي طائرات التفوّق الجوّي، التي نتحدث عنها، وما هي مصادرها؟

إنّ الدول المرشحة للفوز بطلبات التسلح الإيرانية الكبرى هي الصين الشعبية ثم روسيا واللتان تقومان بتصنيع طائرات تفوّق جوّي متقاربة جداً من ناحية القدرات القتالية، مع فوارق تكتيكية بسيطة، تتعلق بالتشغيل والصيانة وعمليات التحديث المستقبلية.

وحسب مجلة ميليتاري ووتش (Military Watch) فانّ وزارة الدفاع الإيرانية تقوم بدراسة مواصفات وميزات كلٍّ من:

مقاتلة التفوّق الجوّي الروسية، من طراز ميغ 35، وهي مقاتلة ثقيلة ذات قدرات قتالية عالية جداً.
مقاتلة التفوّق الجوّي الصينية، من طراز J-10 C / Next Generation، وهي مقاتلة خفيفة ذات قدرات قتالية لا تقلّ شأناً عن قدرات الطائرة الروسية الرديفة.
اما أهمّ العوامل التي سينبثق منها القرار الإيراني بشأن هذه المشتريات فهي التالية:

أ)انّ إيران تمتلك أسراباً عدة من طائرات ميغ 29 الروسية، وعليه فانّ كوادرها الفنية، المختصة بالتشغيل والصيانة، أكثر قدرة على التعامل مع طائرات ميغ 35. كما انّ إدماج هذا النوع من الطائرات، في شبكات الدفاع الجوي الإيرانية المستخدمة حالياً، سيكون أكثر يسراً، لكون هذه الانظمة اما روسية الصنع او شبيهة بتلك الروسية.

ب) أما نقاط القوة التي تعتبر في صالح المقاتلة الصينية فتتمثل في انخفاض سعرها عن ميغ 35 الى جانب انها أكثر سهولة في التشغيل والصيانة والتحديث، وبالتالي فهي مرشحة لحياة أطول في الخدمة. كما انّ ميزاتها القتالية قريبة جداً من ميزات الطائرة الروسية الرديفة.

يضاف الى ذلك العامل الاقتصادي والسياسي الهامّ والمتمثل في انّ الصين قد استثمرت أموالاً كبيرة في العديد من المشروعات الحيوية في إيران بينما كانت روسيا أكثر خطراً في هذا المجال لأسباب عديدة لا مجال للولوج في خباياها الآن.

من هنا، ومن باب المعرفة بالحنكة الإيرانية، فإننا نعتقد انّ الجهات المعنية باتخاذ القرار سوف تنطلق من ضرورة التوازن الدقيق في العلاقات مع الدولتين، مما يجعلنا نعتقد بأنها ستقوم بشراء أسراب عدة من الطائرة الروسية الى جانب أسراب عدة أخرى من الطائرة الصينية وذلك لفتح الباب، أمام إحالة طائرة التفوّق الجوّي، الأميركية الصنع، وهي من طراز F14 S، والتي خضعت لسلسلة من التحديثات، على مدى أربعين عاماً، جعلتها قريبة جداً من مقاتلات الجيل الرابع، سواء في القدرات القتالية او الملاحة الجوية، لفتح الباب لإحالتها الى التقاعد مع الشكر الجزيل لمن قام بتأهيلها على مدى كلّ هذه السنين!