هل يفسّر قانون الصدفة تزامن استهداف روسيا وإيران؟

24.09.2018

فيما واشنطن تغسل أيديها من دماء الضباط والجنود الروس، ودماء الجنود والضباط والمدنيين والأطفال الإيرانيين، في عمليتين مدبّرتين، كما بات واضحاً من البيانات الروسية المتتابعة والمحكومة بإصرار على التحدث عن خلفيات، ورفض الأخذ بأسباب تخفيفية لجعل العدوان مجرد حادث. وكما هو واضح من الاعتداء الذي استهدف إيران معلناً عن نفسه كعمل مدبّر ومبرمج، لنقل المعركة إلى الداخل الإيراني، كما أعلن مستشار ولي العهد الإماراتي، ينطرح سؤال محدّد يطال غرفة العمليات الأميركية التي تدير المسرحين، والرسائل التي أرادتها من عمليتين كبيرتين يصعب الصمت عليهما، واحدة تمت بتورط أيادٍ خليجية وحدها تستطيع التلاعب بالعصبية العربية في جنوب إيران، والثانية تمّت بأياد إسرائيلية وحدها تستطيع حرية التحرك في الأجواء السورية التي تديرها روسيا منذ تموضعها العسكري عام 2015، وعقدها تفاهمات ورسمها خطوط تحرك على محاور العلاقة بأميركا و»إسرائيل» وتركيا.

 أن يتخذ المهاجمون في جنوب إيران من دول مثل هولندا والدنمارك وبريطانيا مقار لقادتهم، لا يلغي كون اليد الخليجية هي المعنية بالتمويل والتحريك والمتابعة. فالمشروع لا يصلح لإزعاج إيران كمشروع أمني، ما لم يتم ربطه بإثارة العصبيات في مكوّنات الهوية الإيرانية الجامعة، وبعدما بدت العلاقات الإيرانية الكردية، محكومة بمعادلات الاحتواء والردع، والعلاقات الإيرانية التركية محكومة بعلاقات التعاون في ملفات عديدة، والعلاقات الإيرانية الباكستانية منفتحة على المزيد من التعاون والتنسيق، لم يعُد ثمة مجال لتلاعب ذي قيمة بالمكوّنات الكردية والبلوشية والتركمانية، ولا عاد الرهان على العصبية المذهبية ممكناً، بدون باكستان وتركيا، كراعيتين لأكبر مكونات قومية ذات لون مذهبي يصلح للاستعمال، فصارت العصبية العربية هي المدخل الوحيد المتاح للعب بالداخل الإيراني، وترجمة تغريدات الرئيس الأميركي حول نقل الصراع إلى داخل إيران، حيث يترجم المشغل والممول الخليجي السياسات والتوجهات الأميركية.

 في سورية تبدو «إسرائيل» آخر الملاذ الأميركي لإرباك الدور الروسي، بعدما سقط الرهان على استرجاع تركيا إلى جبهة الحرب على سورية، وبعدما بلغت العلاقات التركية الأميركية ما بلغت من تدهور في العنوان السوري وفي عناوين جديدة كثيرة. والرهان على الجماعات الإرهابية صار فوق قدرة واشنطن وقدرة هذه الجماعات معاً، بينما تحظى إسرائيل بالفرصة لخوض غمار تجربة تعديل قواعد العمل في الأجواء السورية عبر تقديم الوجود الإيراني في سورية، وحضور قوى المقاومة فيها كعامل تأزيم للعلاقة الروسية الإسرائيلية، بوضع هذه العلاقة على المحك، من بوابة تصادم يفرض الحوار والتفاوض لرسم قواعد اشتباك جديدة، راهنت واشنطن أن تتيح جعل وجود إيران وقوى المقاومة أهدافاً مشروعة متفق عليها بين موسكو وتل أبيب، تلافياً للتصادم مجدداً، طالما أن لـ»إسرائيل» أيادي فاعلة في الداخل الروسي تشبه إلى حد كبير ما لها في الداخل الأميركي وما يجعل السعي الروسي لتلافي التصادم والافتراق أعلى مرتبة من البحث عن نقاط الخلاف.

 الوقائع الأميركية في المسرحين تبدو ورطة لأصحابها، حيث لم يطابق حساب الحقل حساب البيدر، فواشنطن أرادت أن تظهر العين الحمراء لكل من موسكو وطهران سعياً لتفاوض تملك فيه قرار توفير الأمن لروسيا وإيران، مقابل تنازلات أهمها يتصل بتلبية متطلبات الأمن الإسرائيلي في سورية، وتضمن بمجرد حدوثها تكريساً لمكانة أميركية مفقودة حتى اليوم في معادلات الصراع والتفاوض مع روسيا وإيران. وطالما أن واشنطن تريد اللعب وراء الكواليس تبدو موسكو وطهران مرتاحتين لجعل اللاعبين المباشرين يدفعون الثمن، فموسكو لم تمسح الضربة بجلدها وتذهب لتفاوض سري مع تل أبيب بل جعلت منها مدخلاً لمواجهة علنية، وباباً لإعادة رسم قواعد الحركة الجوية في السماء السورية، بينما طهران تفتح الباب لتحقيقات دقيقة توصلها لتحديد مسؤوليات مباشرة، وبعدها الردّ القاسي من دون عذر لمن تورّط.