هل تنجح محاولات إسقاط تسوية درعا والجنوب السوريّ؟

07.07.2020

كانت الشرارة الأولى للحرب الكونية التي استهدفت سورية تنطلق من درعا، وألبست الحراكات تلك يومها لباس الثورة التي تنفجر ضد الواقع السياسي والمعيشي حتى والأمني والاستراتيجي للدولة السورية. واستمرّت درعا ومنطقتها في موقع مميّز على خريطة الحراكات الميدانية خاصة بعد أن تحوّل ما أسمي ثورة إلى حرب تخوضها الجماعات المسلحة والإرهابية التي تقاطرت إلى سورية من أربع رياح الأرض في سياق خطة محكمة وضعت ونفذت بقيادة أميركية وانتظام من دول عربية وإقليمية وأوروبية تسعى جميعها إلى إسقاط سورية ونظامها، وإعادة تركيبها على أساس طائفي عرقي ومذهبي واهن يكون التقسيم فيه جوهر الحل وتكون التبعية لأميركا والانصياع لمقتضيات المشروع الصهيوأميركي سمته الرئيسية.

بيد انّ الحرب الكونية التي استهدفت سورية ونفذت فيها بخطط متتابعة واستراتيجيّات متتالية، لم تفلح في تحقيق أهدافها ـ رغم أنها توصلت في العام 2015 إلى السيطرة على أكثر من 65 إلى 70 % من مساحة سورية، لكن الحكومة السورية وبدعم من حلفائها في محور المقاومة وروسيا، أطلقت في العام 2015 خطة استعادة السيطرة على ما خرج من يدها وعاث فيه الإرهابيون فساداً وأنزلوا به الدمار برعاية أميركية أوروبية تركية عربية مستفيدة مما أسمي تحالف دولي تحت اسم ملفق هو «أصدقاء سورية» وهو تحالف مارس أبشع أنواع السياسات العدوانية ضدّ سورية شعباً وأرضاً ونظاماً وثروات.

وضعت الخطة السورية لاستعادة المناطق إلى كنف الدولة وقامت على ركنيين رئيسين، العفو والمصالحة أولاً، فإنْ فشلت المحاولة يكون الثاني متمثلاً بالعمل العسكري الذي يخرج الإرهابيين من الأرض التي يسيطرون عليها ويحرّر المواطنين السوريين من قبضتهم الإجرامية. ووضعت القيادة السورية خططاً تنفيذية مناسبة لكلّ من هذين المسارين، وسجل المسار الأول أيّ المسار التصالحي نجاحاً منقطع النظير وحقق تحرير مناطق شاسعة في سورية من غير قتال. ونجح مع المسار القتالي في تحرير بسط سلطة الدولة على أكثر من 80% من الأرض السورية الآن.

بيد أنّ المصالحات التي نفّذت، كانت محكومة بقواعد وضعتها الدولة تراعي بحزم المصلحة الوطنية أمننا وانتظام الحياة العامة في المناطق التي تجري فيها المصالحة، وعليه كانت تؤدي المصالحة إلى العفو عن كلّ مسلّح أراد أن يعود إلى حياته المدنية العادية في كنف الدولة مواطناً عادياً، ويتخلّى عن سلاحه وارتباطه ويخضع لأحكام القانون كافة منذ لحظة دخول المصالحة حيز التنفيذ، أما مَن لا يرتضي ذلك فيخرج مع سلاحه من المنطقة حتى تتمكن الدولة عبر القوى العسكرية والأمنية ومن دون شريك بسط الأمن وحماية السكان وحقوقهم ونشر سيادة الدولة كلياً على المنطقة المساعدة.

لكن المصالحة في درعا لم تراع مبادئ المصالحة التي اعتمدت في بقية المناطق، حيث إنه وبتدخل مباشر من الحليف الروسي ومن أجل تسهيل المهمة التي هي على وجه من التعقيد والخطر، صيغت لتلك المنطقة منظومة قواعد وأحكام أعطت المسلحين مكاسب لم ينلها أحد سواهم في المناطق الأخرى في إطار المسار التصالحي، وكان هذا التساهل بسبب خصوصية درعا ورغبة من الدولة السورية في الإسراع في طي صفحة الخطر الإسرائيلي الأميركي الجاثم في الجنوب والرامي إلى إقامة كيان انفصالي برعاية إسرائيلية مباشرة تذكر بما صنعت «إسرائيل» في لبنان وأقامت «المنطقة الأمنية» وجنّدت ما أسمته «جيش لبنان الجنوبي» ليكون قناعها لاستمرار احتلالها للمنطقة.

وهكذا فإنّ خطر الاحتلال والانفصال الذي ترعاه «إسرائيل» فرض المرونة في تطبيق قواعد المصالحة في درعا ومنطقتها، ولذا اعتمدت للمنطقة قواعد خاصة قضت بقبول مَن يرغب من المسلحين في البقاء في درعا مع سلاحهم وانتظام من يرغب أيضاً منهم في الفيلق الخامس الذي أسّسته الدولة في السنوات الأخيرة ليكون جزءاً من الجيش العربي السوري، وله خصوصية معينة، وهكذا شكل لواء خاص بمسلّحي درعا الحق بهذا الفيلق تحت تسمية اللواء الثامن الذي انتظم إفرادياً فيه ما بين 1500 إلى 1700 مسلّح.

وكانت الدولة ومعها روسيا التي تولي عناية خاصة للفيلق الخامس تنظيماً وتسليحاً حتى وإدارة عمليات، تعوّل على ترويض هؤلاء المسلحين سواء في الفيلق او في إدارات الدولة الأخرى التي أدخلوا اليها وحملهم على التخلي عن ماضيهم الإجرامي بحق الشعب والوطن، والعمل بنفس وطني خالص لا شائبة فيه.

بيد أن كثيراً من المسلحين الذين احتفظوا بسلاحهم في دوائر الدولة أو خارجها خيّبوا الظنّ السوريّ والروسيّ بهم وعاد بعضهم إلى ارتكاب الأعمال الإرهابيّة ضدّ الجيش العربي السوري ومراكزه المنتشرة في المنطقة كما وضدّ المدنيين، وراحوا يبدون من التصرفات ما بات ينذر بسقوط التسوية خاصة بعد أن أعلن من تولى قيادة اللواء الثامن في الفيلق الخامس (لواء مسلحي درعا) سعيه إلى إقامة «جيش الجنوب السوري» (ما يذكر بجيش لبنان الجنوبي) ورغبته في إقامة كيان خاص بدرعا ومنطقتها مستقلاً ذاتياً عن الحكومة المركزية في دمشق. وهنا يُطرَح سؤالان: الأول لماذا هذا التحرك المناهض للدولة ووحدتها الآن بعد عامين تقريباً من إتمام المصالحة؟ والثاني هل تنجح المحاولة؟

في الإجابة على السؤال الأول نرى أن المصالحة في درعا تعثرت وباتت مهدّدة بالسقوط للأسباب التالية:

واقع المسلحين الذين توزّعوا بعد المصالحة بين فئات أربع: فئة الوطنيين الجديين بالمصالحة وترك السلاح، وفئة المكابرين المتمسكين بحمل السلاح في صيغة ترعاها روسيا، وفئة معتزلي العمل المسلح كلياً والانكفاء، وفئة الخلايا النائمة التي لا زالت على ارتباط بالخارج وتتحرّك بأوامره وهي مع الفئة الثانية الأخطر على الأمن والاستقرار خاصة بعد أن تحوّلت الآن من نائمة إلى عاملة فاعلة وشجعت عناصر الفئة الثانية على التفكير بالانقلاب على المصالحة.

تأثير اليد الأجنبية الأميركية الإسرائيلية التي تعمل باستراتيجية «إطالة أمد الصراع» والسير نحو إنشاء الكيانات الانفصالية، كما هو حال الكرد في الشمال او السعي التركي في إدلب.

الواقع المعيشي الصعب الذي بدأ بالحرب وتفاقم بسبب الكورونا وتعاظم مع قانون قيصر وما فرضه من حصار متشدد على سورية.

تأخر الحل النهائي للأزمة السورية وخشية المسلحين وتعثر تحرير إدلب وشرقي الفرات ما دغدغ مشاعر المسلحين للعودة إلى الميدان ضد الدولة مع الخشية من تطبيق أحكام التجنيد الإجباري بحقهم واضطرارهم إلى قتال رفاقهم بالأمس.

كل هذه العوامل تضافرت معاً ودفعت بعض مسلحي الفئة الثانية والرابعة إلى ان تتوق للعودة عن المصالحة واستعادة الوضع الذي كانوا فيه قبلها وحتى السير قدماً نحو الاستجابة للسعي الإسرائيلي ضد وحدة سورية واستقرارها ومنع استعادة السيطرة التامة وبسط السيادة على كامل أراضيها؟

أما الإجابة على السؤال الثاني، فنرى فيها أن محاولة الانقلاب على المصالحة وإخراج درعا من سيطرة الدولة والعودة إلى العمل بأوامر أميركية إسرائيلية، أنها محاولة لن تنجح خاصة أن سورية اليوم لديها القدرة على مواجهة الخطر بما يقتضيه الموقف من عمل أو تدابير يبدو أنها وضعت موضع التنفيذ وفقاً لخطة علاج مركب أولاً من تدابير تنظيمية وأمنية واستخبارية لاحتواء الخطر ثم منع تفاقم الخطر واجتثاثه في مرحلة ثانية عبر العمل بما يلزم أمنياً وعسكرياً على السواء وهنا نرى أنّ قرار حلّ اللواء الثامن وإخراجه من الفيلق الخامس وتحويل من يرغب من عناصره إلى قوات الدفاع الوطني هو خطوة أولى ستعقبها خطوات أشدّ أثراً وأكثر فعالية ما يمكننا من القول إن محاولات نشر الفوضى والإرهاب في درعا لن تنجح وأن الدولة واعية لما يجري كما أنّ الرأي العام الشعبي في المنطقة هو في معظمه متمسك بالدولة ولن يوفر البيئة الحاضنة للإرهابيين الراغبين بالعودة إلى الوراء.