هل ستكون عودة الجولان السوري ... رافعة نهاية الحرب وبداية التسوية ؟
تكاد الحرب السورية العسكرية تضع أوزارها بشكل أو بآخر، فما بقي فيها من ملفات هي بحكم الخاضع أو المنتهي ولو بعد حين، لصالح الدولة الوطنية السورية.
وبغض النظر عن ما طاف على السطح مؤخرا من قرارات ومحاولات "سيزارية" أمريكية وغيرها، لتعويم فكرة أن واشنطن مستمرة في حربها وضغوطها على الدولة السورية وحلفائها، من خلال الضغط الزائد على الناحية الاقتصادية.
فإن الجميع بات يعلم أن جدية الصراع اليوم عادت إلى عهدها الأول، من حيث أن الصراع في جذره كان ولا زال صراعا عربيا- إسرائيليا، مهما طغت العناوين وتكاثرت، بغية إبعاد هذا الصراع عن الأضواء، وتحويله إلى تفصيل في كل، وليس كل من كل، لأن ما جرى ويجري هو "كرمى" عيون إسرائيل، ومن غيرها يستحق كل الذي حصل؟
الحقائق تقول أنه وفي كل المعارك التي خيضت ضد إسرائيل، أثبت فيها أنها أضعف ما تكون عندما تشن حرب عليها، كما أظهرت نتائج حرب تشرين (1973)، وهي أضعف أيضا من أن تعيش تحت ضغط المقاومة المستمرة، كما حصل في تحرير الجنوب اللبناني (1982/ ٢٠٠٠)، وهي أوهن من أن تفكر بشن حرب جديدة ضدها بعد تجربتها المريرة معها في (٢٠٠٦)، وهي أعجز من أن تقتلع المقاومة الفلسطينية أو تحييدها من المشهد المقاوم والأصيل، حيث في كل مرة تثبت هذه المقاومة بأنها أكثر قوة وتجذرا وتمسكا بأرضها وحقوقها مع مرور الوقت وازدياد المواجهات.
كما ثبت مؤخرا أيضا فشل رهاناتها وأحصنتها في الحرب السورية، عبر تدخلها الوكيل والأصيل فيها، وكل ما ارتكبته من خرق لقواعد فك الاشتباك السابقة لعام (1974)، وكل ما اصطدمت به من حزم في مواجهة اعتداءاتها، والتي كان أهمها إسقاط طائرتها "F-16" في العاشر من شباط العام الماضي، وصولا إلى ليلة الصواريخ الشهيرة في العاشر من أيار الماضي، امتدادا لعشرات الاعتداءات التي قوبلت بالرد السوري المباشر والمناسب.
حتى دخولها في المحظور الروسي بإسقاطها طائرة "إيل-"20 أيلول الماضي، ما دفع موسكو للتعجيل بتزويد دمشق بصواريخ S-300"" الدفاعية، والتي كانت بمثابة الضربة القاضية على رأس قادة إسرائيل، ما لبس أن كلل ذلك قرار ترامب وعزمه إخراج قواته من الشرق السوري، ما دفعها بحجة ضرب الوجود الإيراني "المزعوم" لزيادة اعتداءاتها بشكل جنوني على المواقع السورية، والتي طالت في اعتدائها الأخير مطار دمشق الدولي.
حتى جاء الرد الرادع كما يبدو، على لسان الناطق باسم محور المقاومة، الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، محذرا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من "التمادي" فيما يقوم به في سوريا، ومشدداً أن عليه ألا "يخطئ التقدير" وألا يأخذ المنطقة إلى "حرب أو إلى مواجهة كبرى".؟
وكان قد سبق ذلك بأيام تحذيرا سوريا على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، حيث تسأل عما إذا كان "المطلوب" من سوريا بأن تسترعي انتباه "صناع الحروب في المجلس" بممارسة حق الدفاع عن النفس "برد مماثل على مطار تل أبيب."؟
كما كان الجعفري قد أكد سابقا أيضا "أن إسرائيل إن لم تنصع للقرارات الدولية بإعادة الجولان السوري المحتل إلى سورية، فإنها تفتح الباب أمام خيارات أخرى، وهي خيارات الحرب، وسنستعيد الجولان سلماً أو حرباً."
جاء ذلك تعقيبا منه على قول السفير الإسرائيلي إن بلاده “لن تنسحب من الجولان السوري”، في الجمعية العامة للأمم المتحدة بجلستها الثالثة والسبعين تشرين الثاني الماضي.
ومن يفهم كلام المندوب السوري، يعلم بأنه ليس كلاما إنشائيا أو استعراضيا، خاصة بعد مضي ثمانية أعوام على حرب إرهابية مركبة عالمية كادت أو تكاد أن تكون بكل تفاصيلها، عاشتها ولا زالت تعيشها بلاده، وصمدت بها كما لم تصمد بلاد مثلها في هذا العالم من قبل.!
وإنما هو كلام العارف بمقدرة بلاده على النصر، وتحرير كل شبر محتل من أرضها مهما طال الزمن، وكيف إذا كان هذا الاحتلال إسرائيلي حيث الحرب هنا حرب وجود لمن يعي ويفهم ...!
في الواقع والوقائع؛ ومن كل ما سبق من ضغط تعيشه اليوم إسرائيل، جاوز بها القلق حدّ الخوف الوجودي على كيانها، جراء كل التطورات الحاصلة على الساحة العالمية عامة، ومنطقة الشرق الأوسط خاصة، وبعد كل ما أفرزته الحرب السورية من معادلات وتوازنات جديدة، ليصبح ما بعدها ليس كما قبلها.
إضافة لسياسة "إدارة الظهر" المقصودة والتي تنتهجها الدولة السورية معها خلال اعتداءاتها المتكررة وهنا - تفاديا للفهم الخاطئ – نوضح أن هذه السياسة مقصودة لذاتها، من باب دفع القادة الإسرائيليين للوصول لمرحلة "الانفصام السياسي" بينهم وبين ذواتهم وبيئتهم، من خلال عدم منحهم فرصة واحدة، تدفعهم لمجرد التفكير، بأنه ممكن في وقت ما، لسبب ما، أن يفاوضوا الدولة السورية على أمر ما، قبل عودة الجولان كاملا إليها ...!
وبناء على ذلك؛ يبدو أنه لا سبيل أمامهم ولا حلول إلا إحدى الحلين الآتيين:
الأول - أن ترضخ إسرائيل لشروط الدولة السورية، فيعود الجولان كاملا غير منقوص، ومن ثم تدخل في عملية التفاوض على باقي الأمور، وحينها يكون لكل حادث حديث ...
والثاني - أن يدخل الطرفين في حرب شاملة ستعود بهما والمنطقة مئة عام للوراء، وحينها - أي قبل مئة عام - "لم تكن إسرائيل موجودة"، كما سبق وأن أكد ذلك الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في جوابه على سؤال أحد الصحفيين، عن مآل الأمور لو حصلت حرب بين سوريا وإسرائيل؟
وغير ذلك لا يبدو أن هناك حلول آخرى في الأفق بين الطرفين، مهما حاولت واشنطن دعم تل أبيب من خلال مؤتمر وارسو أو غيره، ومهما جهدت وعلى عجل لإدخال نتنياهو إلى غرفة الإنعاش "التطبيعية" الخليجية والإقليمية، فلا فائدة من كل ذلك ...!
فالرجل بات الرجل المأزوم الأول في الداخل الإسرائيلي وخارجه، وإذا كان "سلفه" شارون هو "آخر ملوك بني إسرائيل" كما قال السيد حسن نصر الله في آذار (2008)، فإننا نؤكد بأن نتنياهو هو آخر أحلام وأوهام بني إسرائيل.
لأن الحتمية التاريخية تقول: أنه عندما تحقق كل ما وصلت أليه وتؤسس لوجودك على هيئة كيان طارئ وغريب في المنطقة، معتمدا على قوتك العسكرية فقط، وتخسر كل ذلك دفعة واحدة، لسببين، أولهما: أن خصمك استطاع بصموده ومراكمته لقواه لجمك، وكبح تطلعاتك، وآمالك التوسعية، وثانيهما: أنك لست موجود بقواك الذاتية، وإنما موجود بفعل الإرادة الدولية، والواقع الدولي اليوم بات متغير بشكل حتمي، بعكس رغباتك؟!
ما دفعك للعودة والعمل للكسب مجددا، من خلال التوسع والاستثمار بالسياسة، عبر محاولة خلق عمق إقليمي مزعوم، لتثبيت وشرعنة وجود لك مصبوغا بصفة "شعبوية"، ولتغطية فداحة الخسائر الإستراتيجية، التي منيت بها تباعا، فأنت فاشل..!!
ختاما: يمكن القول بأن استعادة أو تحرير الجولان، هو أقل وأول الأثمان التي ستشكل رافعة لنهاية الحرب السورية، وبداية التسوية الشاملة، ولأي عملية قبول من الدولة السورية على التفاوض مع الإسرائيلي كما هي كل المؤشرات.
فحديث هذه الأيام مختلف بكل ما فيه، لأن المحظور بالنسبة للدولة السورية قد وقع، ومن جميع أطراف العدوان عليها، وما كان ممكن قبل بداية الحرب عليها، هو حتما لن يكون كذلك بعد كل ما جرى. والأثمان دفعت سلفا بالنسبة لها، حيث حاربت كل من أمريكا وحلفائها الدوليين والإقليميين وكالة وأصالة، ممن كانوا سيقفون بجانب إسرائيل ويدافعون عنها لو حصلت الحرب، وهنا - هذا التفنيد - هو للسائلين دوما لماذا "النظام السوري" على حد زعمهم لم يحرر الجولان حتى الآن؟!
" سورية ستعود أقوى مما كانت، فلا تنازل عن المبادئ، ولا تفريط بالحقوق، ومن راهن على إضعاف سورية من الداخل، لتنسى جولانها وأراضيها المحتلة فهو واهم."
هكذا اختزل الرئيس السوري بشار الأسد مشهدية الصراع العربي - الإسرائيلي في خطابه بدار الأوبرا في دمشق كانون الثاني (2013).
لذلك؛ ابقوا عيونكم في هذه الحرب على الجولان دون سواها، فهي المبتدأ وهي الخبر، وغدا لناظره قريب...