هل اقترب انتصار حلف القيم في سوريا والمنطقة؟

13.03.2017

مراقبة المشهد الدولي والاقليمي اليوم تدل على الكثير من النتائج، التي لم تكن في أية لحظة سابقة تحمل هذا الوضوح الذي تحمله اليوم، ولعل تعقيد المشهد الذي وصلت إليه "الحرب العالمية العظمى في سوريا" أفقد الكثيرين إمكانية الرؤيا والقدرة على رؤية التطورات الإيجابية التي حققها حلف القيم والمصالح بعد ست سنوات من حرب ضروس شنها العالم الغربي وحلفاؤه الإقليميون بقيادة أمريكية على سوريا، حيث بدأت معالم مرحلة جديدة تظهر وتتكشف من خلال هذا المخاض المؤلم والصعب الذي دفع فيه الشعب السوري وأصدقاؤه ثمنا غاليا وما زالوا، ولكن أفكار الناس ومشاعرهم لدى شعوب المنطقة بشكل خاص ولدى الكثير من الشعوب بشكل عام، عندما تقترن بإرادة ويقين بالقدرة على التغيير والوصول إلى الهدف ستؤدي حتما إلى نتيجة واحدة هي تحقيق ما يفكر ويشعر به الناس لأن الكون يستقبل رسائلهم ويقف إلى جانبهم ويهيئ لهم الفرص للوصول إلى أهدافهم.   
لفهم الموضوع وجعله مبسطا بقدر الإمكان سنقوم بدراسة الحالات المختلفة لأغلب الدول التي شاركت في هذه الحرب العظمى في سوريا سواء أكانت من حلف القيم والمصالح الذي يضم روسيا والصين وإيران وسوريا وحزب الله والعراق بشكل غير معلن أو كانت من الحلف الآخر الذي ترأسه الولايات المتحدة وإسرائيل ويضم مختلف الدول الغربية وتركيا والسعودية ومعها أغلب دول الخليج.
انطلقت روسيا الاتحادية منذ العام 2000 من مجموعة من المبادئ التي تهدف إلى تحقيق تطلع الشعب الروسي بقيام دولته القوية التي تستطيع العودة إلى لعب دورها كقوة عظمى على الساحة الدولية، اعتمدت هذه المبادئ على القيم الإنسانية المسيحية واحترام القانون الدولي كأساس للعلاقات بين الدول. بدأت ببناء اقتصادها الوطني معتمدة على ثرواتها وقدرات شعبها والأهم من ذلك على إيمان الشعب الروسي وحبه لوطنه، فبدأ الاقتصاد الروسي بالتعافي، ومن ثم بدأت بإصلاح ما خرب  ضمن المؤسسة العسكرية التي أظهرت تهالكا وضعفا في بعض الجوانب التقنية أثناء الحرب مع جورجيا في أوسيتيا الجنوبية عام 2008 ، واستطاعت أيضا تحقيق إنجازات كبرى في تطوير قدراتها العسكرية وإعادتها إلى الدرجة التي تكون روسيا من خلال هذه القدرات قوة عظمى عالمية، كما عملت القيادة الروسية بهدوء وحكمة ودقة لإعادة مكانتها الدولية كما كانت عليه قبل سقوط الاتحاد السوفييتي، ولكن من خلال المحافظة على مجموعة من القيم والمبادئ، كان من أهمها الاعتماد على القيم الانسانية، واعتماد القانون الدولي، والعمل مع الحلفاء والوفاء لهم، والعمل على الاستفادة من أخطاء المحور الآخر الذي تقوده الولايات المتحدة لأن هذه الأخطاء تضعف هذا المحور الآخر وأي ضعف فيه هو قوة لروسيا ومحورها.
كانت الولايات المتحدة في فترة ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي تعتقد أنها أصبحت القوة الوحيدة في العالم وبأنها تستطيع أن تفرض نموذجها على العالم (مرحلة الأحادية القطبية) وبالتالي بدأت بنشر هذا النموذج الليبيرالي المتوحش وتفرضه بالترهيب والقوة من خلال حربين كبيرتين في أفغانستان والعراق أدت إلى خسائر كبيرة وإلى سخط الشعب الأمريكي وإلى قناعة بعدم قدرة الولايات المتحدة من خلال القوة الصلبة المباشرة بنشر سيادتها ونموذجها العالمي، فبدأت باستخدام أذرعها من خلال استخدام الثورات الملونة والقوة الناعمة (الربيع العربي في تونس ومصر والثورة الملونة في أوكرانيا). لقد كانت حرب 2006 على حزب الله في لبنان هي آخر الحروب العسكرية المباشرة التي أظهرت ضرورة الانتقال  إلى الحروب بالوكالة لعدم قدرة الحلف الأمريكي على دفع مزيد من الدماء.
علما أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعتمد أثناء عملها لبسط سيطرتها على القيم الانسانية أو حتى على القيم الأمريكية، بل استخدمت الكذب والمراوغة وفعلت سرا عكس ما تقوله في العلن، قالت للروس أثناء تفكك الاتحاد السوفييتي أنها لن تتقدم باتجاه الشرق خطوة واحدة إذا أنهت روسيا الحرب الباردة واعتمدت سياسة ودية جديدة نحو الغرب (أمريكا وأوروبا)، ولكنها فعلت عكس ذلك تماما وضمت دول أوربا الشرقية ودول البلقان المجاورة لروسيا في محاور وتحالفات ضد روسيا، وقالت أنها تريد نشر الديمقراطية والتخلص من أسلحة الدمار الشامل في العراق وهي تعلم جيدا بعدم وجود مثل هذه الأسلحة في العراق وسببت وفاة أكثر من مليون شخص في العراق أغلبهم من النساء والأطفال، وقالت أنها مع الديمقراطية في سوريا وأصبح الجميع يعرف أنها فعلا هي وأدواتها سبب كل هذا القتل والتهجير والخراب في سوريا لتحقيق مصالحها ومصالح إسرائيل الاستراتيجية في المنطقة. هذه السياسة التي تعتمد كل الوسائل غير المشروعة لم تكن مميزة للسياسة الأمريكية فقط بل كانت سمة عامة لدى كامل الحلف الأمريكي من الدول الغربية ودول المنطقة.  
أوروبا وهي الحليف الرئيسي للولايات المتحدة قامت بعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1990 بتأسيس الاتحاد الأوروبي عام  1992 وضمت إليه دول أوروبا الشرقية وبعض دول البلقان، وكان الهدف الأساس لتشكيل هذا الكيان هو محاصرة روسيا وإضعافها وتحقيق السيطرة مستقبلا على خيراتها الهائلة من قبل الحلف الأمريكي، ولعل هذا كان ما يبرر ضم دول من أوروبا الشرقية والبلقان، والتي تشكل عبئا ماليا كبيرا على الاتحاد الأوروبي، طمعا بالحصول على الكعكة الروسية التي ستعوض كل هذه الخسائر, وعندما تأكد عدم النجاح في تحقيق مثل هذا الطموح بدأ التفكك في الاتحاد الأوروبي من بريطانيا التي كانت وما تزال مركز الخطط السرية في العالم.  لقد بدأت الشعوب الأوروبية بشكل عام تعرف عدم صدقية النخب الأوروبية وبدأت موجة من الشعبوية الأوروبية تجتاح أوروبا وتهدد وجود الاتحاد الأوروبي برمته.  
الحليف الرئيسي الآخر للولايات المتحدة والعضو في حلف شمال الأطلسي إلى جانب الاتحاد الأوروبي هو تركيا، وكان الهدف الانكلوأمريكي هو أن تقوم تركيا، من خلال الربيع العربي، بتزعم مجموعة من الدول ذات الصبغة الاسلامية وبقيادة تنظيم الاخوان المسلمين، الذي يرتبط تاريخيا ببريطانيا، بتشكيل الامبراطورية العثمانية الجديدة (حلم الرئيس التركي) والتي تقوم بدورها بمحاصرة روسيا من الجنوب والعمل مع الاتحاد الأوروبي على نفس الأهداف بأضعاف روسيا وتحقيق السيطرة عليها.
لذلك بدأت تركيا بقيادة الربيع العربي وبدأ تنظيم الإخوان المسلمين يصل إلى الحكم في تونس ومصر وبدأت الرايات الإسلامية الكثيرة تظهر في سوريا والعراق واليمن ولبنان ودول أخرى بدعم من تركيا ودول الخليج، لقد جهدت تركيا ومن معها على تغيير نظام الحكم في سوريا وتحويله من نظام مقاوم ينتمي إلى محور القيم مع روسيا إلى نظام إسلامي ينتمي إلى المحور الأمريكي، لأن سوريا تعتبر مركز المحور المقاوم بين إيران وحزب الله وإنهاء المركز يعني إضعاف الأطراف وسهولة التغلب عليهم مستقبلا. 
ضخت تركيا ودول الخليج وكل دول الحلف الأمريكي كل إمكانياتها خلال السنوات الست الماضية للتخلص من الرئيس بشار الأسد وإضعاف الدولة السورية وأحضرت كل التكفيريين من كل بقاع الأرض للقتال في سوريا ودربتهم وأمدتهم بالمال والسلاح والخبراء بعد أن تبين لها أنها لن تستطيع كسب المعركة السورية بالسهولة التي كانت تظن، ولكن حلف القيم وخاصة منه حزب الله وروسيا وإيران كانت تعرف جيدا الأهداف النهائية للمشروع الأمريكي، فدخل حزب الله المعركة مبكرا وأعلن السيد حسن نصر الله "أننا سنكون حيث يجب أن نكون"، كما دخلت إيران وروسيا المعركة أيضا بشكل مباشر، وبدأت المعركة العالمية العظمى في سوريا تقودها روسيا من طرف والولايات المتحدة من طرف آخر، فأصبحت المعركة في سوريا تحدد مستقبل المنطقة برمتها وتترك آثارها الكبيرة على النظام الدولي وتعلن بداية التحول من القطبية الأحادية إلى التعددية القطبية. 
ما يلفت النظر عندما نتحدث عن تركيا هو الموضوع الكردي، فالأتراك يعتبرون تشكيل كيان كردي في الشمال السوري هو تهديد كبير ومباشر لأمنهم القومي، وهذا مالا تقبله الدولة السورية أيضا التي تريد الحفاظ على أراضيها كاملة وعلى سيادتها الوطنية على كل الأراضي السورية، على عكس حلفاء تركيا (الولايات المتحدة وإسرائيل) الذين يسعون لتقسيم سوريا ويعتبرون الكيان الكردي حليفا استراتيجيا سيؤمن لهم الكثير من المصالح الجيوسياسية. لذلك دخلت تركيا بجيوشها النظامية إلى الشمال السوري لفصل الأكراد في الشرق السوري عن عفرين، طبعا دخلوا تحت مسمى محاربة داعش الذي يعرف القاصي والداني أنهم هم وحلفاؤهم من ساعده ومرر له الرجال والسلاح واشترى نفطه وتعاملوا معه كحليف على جميع الصعد.
الأكراد استغلوا الأوضاع في سوريا وبنوا جيشهم شبه النظامي ووقفوا مع مصالحهم ولكنهم وقفوا ضد المنظمات الارهابية بمختلف مسمياتها من أجل السيطرة على مناطق أكبر في الشمال السوري. ساعدت الولايات المتحدة الأكراد فأغضبت حليفتها تركيا، روسيا تتفهم وجود خصوصية للأكراد ولكنها ترفض انفصال الأكراد وتقف إلى جانب الحكومة السورية وسيطرتها على كل الأراضي السورية، الحكومة السورية وخاصة الرئيس بشار الأسد أعلن مرارا إعطاء الأكراد حقوقهم الثقافية والقومية ضمن دولتهم الأم سوريا وبأنهم جزء هام وأسٍاسي من الشعب السوري.   
الجيش السوري حقق نصره الاستراتيجي الكبير في حلب بالتعاون مع حلفائه وأثبت أن ما بعد حلب ليس كما قبلها، فقد وضع الحلف الأمريكي كل إمكانياته من الدعم المالي واللوجستي وقام بتجميع كل ما أمكنه من مقاتلين لحسم معركة حلب لصالحه، ولكن الجيش السوري وحلفاؤه هم الذين حسموا معركة حلب لصالحهم وأظهروا أنهم مستمرون بمحاربة الأدوات التكفيرية بمختلف مسمياتها من داعش أو النصرة أو "الجماعات المعتدلة" التي تمثل فكر الاخوان المسلمين، وانهم لا يراهنون على الوقت وأنهم لا يتذمرون ولا يبخلون بالتضحيات على الرغم من صعوبتها ومرارتها،  وأن الزمن يعمل لصالحهم.

الظروف الدولية المختلفة وانتشار الارهاب في أوروبا ومناطق كثيرة من العالم فرضت على المحور الأمريكي الظهور بمظهر من يحارب الإرهاب فاختار داعش عنوانا لحربه على الإرهاب، وترك النصرة جانبا على الرغم من تصنيفه لها كمنظمة إرهابية. اختار الأمريكيون أعداء تركيا (الأكراد) كحليف رئيسي لمحاربة داعش في الرقة، حاول الأتراك الضغط غلى الأمريكيين بإقامة تحالف مؤقت مع روسيا وأظهروا أنهم بدأوا الحرب ضد داعش ودخلوا الباب، مخالفين لكل اتفاقياتهم مع الروس، طمعا بالتقدم إلى منبج ومن ثم القول للأمريكيين أنهم الحليف الطبيعي في الحرب ضد داعش. ولكن الجيش السوري وبالتنسيق مع حلفائه وخاصة الروس (وربما بالتنسيق أيضا مع الأمريكيين من خلال الروس) قطع الطريق أمام الأتراك وحاصر الباب من الشمال والشرق والجنوب، ولم يعد الأتراك قادرين على التحرك باتجاه الرقة إلا بعد الاصطدام مع الجيش السوري، وبالتالي فإن هذا سيعرض الجيش التركي للصدام مع "حليفه الجديد" روسيا. 
المملكة السعودية حاولت كثيرا أن تكون الممثلة الأولى للمسلمين في العالم وذلك من خلال ما تملكه من أموال البترودولار، ولكن المعركة العالمية العظمى في سوريا كشفت موقعها الحقيقي وأظهرت بأنها على الجانب الخاسر بعد أن عملت إلى جانب حلفائها لإسقاط النظام السوري وفشلت، وبعد أن حاولت تحقيق نصر على الشعب اليمني وفشلت، وبعد أن حاولت تصنيع عدو وهمي ووقفت مع المحور الأمريكي الاسرائيلي في تحالفاتها ضد إيران.
إسرائيل وهي المتضررة الأكبر من عدم سقوط النظام السوري وانتصار حلف المقاومة، عرفت بعد حرب عام 2006 أنها غير قادرة على الانتصار في الحروب القادمة لأنها غير قادرة على دفع الدماء الكثيرة جدا التي تتطلبها أية حرب قادمة مع سوريا وحزب الله ومحور المقاومة. وها هو السيد حسن نصر الله يقول في العلن أن أية حرب قادمة ستكون كلفتها أكبر مما تستطيع تحمله إسرائيل لأن صواريخ المقاومة ستطال كل المناطق الخطرة في إسرائيل.
في العراق نرى أن الحشد الشعبي الذي يعتبر ركنا من أركان محور المقاومة يفرض وجوده في العراق على الرغم من المعارضة الأمريكية والخليجية وهو يقود عمليات تحرير الموصل إلى جانب الجيش العراقي، ولكن الملفت للنظر أن الرئيس الأمريكي نفسه يعلن حذف اسم العراق من لائحة الدول السبعة التي منع من خلالها دخول رعاياها إلى الولايات المتحدة وذلك كله تحت ضغط الحشد الشعبي وارتفاع أصوات تدعو للمعاملة بالمثل.
في معركة الرقة القادمة ضد داعش تم استبعاد الأتراك من الشراكة، وتم اختيار الأكراد كحليف للولايات المتحدة في معركة تحرير الرقة من داعش، ولكن المعركة ضد داعش تتطلب التعاون الروسي الأمريكي، وعندها سيتم اعتماد حلفاء الروس وهم الجيش السوري وحزب الله، وبالتالي فإن التطورات الميدانية فرضت الحشد الشعبي في العراق وفرضت الجيش السوري وحزب الله في سوريا وباتفاق روسي أمريكي.
السعودية تتفق مع إيران حول موسم الحج ويعلن وزير الخارجية الإيراني قرب التوصل على اتفاق مع السعودية حول هذا الملف ووزير الخارجية الإيراني أن مباحثاته مع الدوحة كانت إيجابية جدا. وها هي السعودية تستجدي روسيا لتخفيض  انتاج النفط وتتعاون معها بدلا من الحرب التي أعلنتها ضدها من قبل وسببت لها الكثير من الخسائر.
أردوغان ونتياهو يسارعان إلى موسكو وكل منهما لديه مخاوفه المترتبة على ارتفاع رصيد الجيش السوري وبالتالي على معرفتهما ببقاء الرئيس الأسد وثبات المبادئ التي حارب من أجلها مع حلفائه. أردوغان يخشى من كيان كردي في الشمال السوري وبالتالي أمامه حل وحيد هو التمسك بقرارات الأمم المتحدة التي تنص على وحدة الأراضي السورية، وهذا ما سيدفعه للانسحاب من الأراضي السورية حتى لا يعطي ذريعة للأكراد بالتمسك بكيانهم وسيكون مضطرا للتقارب مع الحكومة السورية وإظهار الندم.
الإسرائيلي يعرف أيضا أن الجيش السوري لن يقبل بوجود أية مجموعة إرهابية قريبة من الحدود السورية مع إسرائيل، وأن الخيارات أمام إسرائيل ليست كبيرة ولن يستطيع أحد منع الجيش السوري من بسط سيطرته على كامل أراضيه إلا إذا كانت إسرائيل تريد الدخول في حرب ستكلفها الكثير ولا تستطيع تحمل نتائجها.  
وحده حلف القيم بقيادة روسيا عرف كيف يدير المعركة من مرحلة إلى مرحلة ومن نصر إلى نصر، لقد اقترب موعد النصر النهائي فتحملوا أيها الأحرار هذا المخاض المؤلم، فالمولود الجديد يستحق أن نصبر من أجله فهو يأتي كما رسمته أفكارنا ومشاعرنا وكما آمنت به وفعلت من أجله إرادة الأحرار في العالم، عالما يعم فيه السلام وينهي زمن هيمنة الأشرار بلا رجعه.