هل هناك صراع روسيّ – إيرانيّ؟
تستقي هذه الفرضية، مشروعيتها من الاهتمام الإعلامي الكبير بوجهات نظر تبدو متضاربة بين الفريقين في الميدان السوري حصراً.
فهذه هي النقطة الوحيدة التي يتلاقى فيها الفريقان الروسي والإيراني بشكل مباشر الى جانب وجود تاريخي متهادن في بحر قزوين وجهات اذربيجان، إلا أن مصالحهما متقاطعة في مناطق كثيرة من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
لا شك إذاً في أن سورية والعلاقة مع الأميركيين هما ما أوحيا الى الإعلام الغربي – الخليجي وجود صراع روسي – إيراني على سورية، يلعب فيه الطرف الأميركيّ «وبوسائل متعددة» دور مؤيد لطرد إيران من سورية وتجذير الوجود العسكري – السياسي الروسي فيها.
بداية يجب الإقرار بأن سورية أولاً وقبل أيّ نقاش آخر هي لأهلها السوريين الذين دفعوا مئات آلاف الشهداء مواصلين القتال من اجل استقلال بلدهم، وهؤلاء السوريون يعرفون أنهم مستهدفون من حلف أميركي يضم الخليج وتركيا وبعض اوروبا و»إسرائيل» والتنظيمات الإرهابية، بما يبيح لهم حق التحالف مع قوى دولية تمتلك المصلحة في منع سقوط سورية؟ ولولا وجود هذه المصلحة فلماذا يأتي الروس والإيرانيون للقتال الى جانب الجيش العربي السوري في سورية؟
إن استثناء حزب الله الذي يقاتل في سورية من مبدأ الجهاد من أجل المصالح ضروري جداً، لأنه يؤمن بوحدة الجبهة السورية – اللبنانية في وجه «اسرائيل» والأميركيين. هذا بالاضافة الى الجغرافيا الواحدة بينهما التي ترتقي من مجرد جوار لتصل الى مستوى البلد الواحد والشعب الواحد.
فهل هناك صراع دولي بين الروس والإيرانيين يبرر تنافسهما في سورية؟ هذا إذا كان موجوداً؟
هناك تجانس بين البلدين بدعم فنزويلا كدولة في أميركا الجنوبية تتمرّد على النفوذ الأميركي، وهناك تطابق في حركتيهما في بحر قزوين المشترك بينهما مع عديد من دول آسيا الوسطى، بما يجعل هذا البحر المغلق ميداناً لنفوذ ثلاثي روسي أميركي إيراني يمتد الى كامل منطقة آسيا الوسطى، مع تقدم فيها للأدوار الأميركية – الروسية.
لذلك تقتصر العلاقات الروسية – الإيرانية على تنسيق في وجه العدوانية الأميركية الدولية، بما فيها إيران التي تتعرّض لحصار أميركي – غربي خليجي يستهدفها منذ 1980، وتقف روسيا والصين فيه إلى جانب الجمهورية الإسلامية، لكنهما لا تمارسان دوراً كبيراً في تصديع الحصار.
أما نقطة الالتقاء الأساسية بين البلدين فهي سورية التي هبت إيران الى نجدتها منذ ست سنوات وسبقها حزب الله لارتباطه المباشر بالحرب ضد الإرهاب و»اسرائيل».
لقد كانت طبيعية ولادة تأييد إيراني لدعم الدولة السورية في دعوة روسيا الى مجابهة اكبر حلف صنعته أميركا للقضاء على سورية على مستوى الكيان السياسي والدولة، وبالفعل استجاب الروس بسرعة لأنهم متأكدون أن سورية هي الإطلالة الوحيدة لهم على البحر المتوسط والشرق والأوسط.
هنا تكاملت مصلحتا إيران وروسيا، فالجمهورية الاسلامية خرجت من الحصار المضروب عليها، لتقاتله في كامل الإقليم من خلال الساحة السورية، بالاضافة الى تطبيق عقيدتها المعادية للكيان الإسرائيلي غير القابلة لأي مساومة وبشكل جذري.
بالنسبة للروس، اعتبروا القتال في سورية فرصة لتوثيق العلاقة مع بلد صديق لهم منذ بدايات مورثهم الاتحاد السوفياتي أواخر خمسينيات القرن الماضي.
كما شكلت بالنسبة اليهم المكان الاستراتيجي الملائم للعودة التدريجية الى الفضاءات السوفياتية السابقة في العالم العربي.
هناك اذاً تطابق في الأهداف لجهة مجابهة النفوذ الأميركي لتخفيف العرقلة الأميركية للدور الروسي وتعطيل الحصار المضروب على إيران وذلك عبر تحرير سورية.
في إطار هذا المفهوم أنجز الطرفان ومعهما حزب الله بقيادة الجيش العربي السوري ودولته انتصارات نوعية حررت نحو 70 في المئة منها.
اما الباقي في الحدود الجنوبية وشرقي البلاد والشمال الغربي فتتصارع عليه قوات أميركية مباشرة والأكراد والأتراك وتنظيمات إرهابية مع وجود عسكري اوروبي تحت راية التحالف الدولي المزعوم.
بذلك وجد الأميركيون ان وضعهم في سورية لم يعد مشروعاً متكاملاً كما كان قبل نصف عقد تقريباً بل أصبح مصدراً للعرقلة والإزعاج وليس لإسقاط الدولة السورية.
فاندفعوا لاستعمال كامل اوراقهم العسكرية والسياسية، من الغارات الاسرائيلية المتواصلة التي تضرب من قبرص ولبنان وتركيا والأردن والجولان المحتل، الى إعادة تحريك داعش في مناطق درعا والجهات الريفية في حماة وحلب، والعبث بالقبائل العربية في الشرق عبر السعودية والإمارات.
هناك جانب آخر مخفيّ، بدا فيه الأميركيون وكأنهم فضلوا الدور الروسي في سورية، على الدور الإيراني متعمّدين الابتعاد عن استهداف روسيا سياسياً او عسكرياً مقابل تركيز نوعي من «اسرائيل» والإرهاب على قواعد ومراكز فيها مستشارون إيرانيون او مقاتلون لحزب الله.
اما الاسباب فواضحة، فإيران على عداء جذريّ لا يقبل بالكيان الإسرائيلي المحتل ذاهباً الى رفض اي مشروع آخر غير فلسطين بكاملها. هذا بالإضافة الى ان الجمهورية الاسلامية بنت نفوذاً كبيراً حاضراً منذ الآن في الشرق الاوسط وآسيا الوسطى، فلديها علاقات مع الهزارة في أفغانستان وثلث الباكستانيين وقسم كبير من مسلمي الهند واليمن والعراق وسورية ولبنان.
وهذه علاقات ثابتة، لها أساسات في الايديولوجيا الاسلامية غير قابلة للتغيير.
اما روسيا فهي قوة واعدة تبني أدوارها في الشرق الاوسط على اساس علاقات اقتصادية كالاتفاق الذي جمعها بالسعودية لتنظيم اسواق النفط او دورها في سورية، لكنها لم تتمكن بعد من بناء تحالفات استراتيجية راسخة في الشرق الأوسط.
هذا هو الميزان الذي اعتبر فيه الأميركيون ان روسيا أقل خطراً على نفوذها في الشرق الأوسط من إيران التي تستطيع بسرعة إعادة التوازن الى علاقاتها بالإسلام السني من خلال دورها الفلسطيني.
فكان الحل في الاستراتيجية الأميركية، محاولات تمرير رسائل الى الروس بأن طرد إيران من سورية لا يشملهم، بل يعزّز من دورهم فيها بموافقة أميركية خليجية وإسرائيلية.
وبالطبع لا تنطلي هذه الترهات على الروس الذين يعرفون أن الهدف الأميركي هو نسف الاتفاق الروسي الإيراني أولاً وطرد إيران ثانياً واخيراً طرد روسيا في مراحل لاحقة او تحقيق اتفاق معها على مبدأ التحاصص.
مع كامل الاعتقاد بأن الروس لم يوافقوا على هذا المخطط لا باتفاق مع الأميركيين او الإسرائيليين.
وتجب قراءة موقف الدولة السورية التي تعتبر بصرامة أن سورية لأهلها. وهذا لا يلغي ضرورة التحالف مع روسيا وإيران في آن واحد.
يتبين أن تصعيد الهجمات الأميركيّة المباشرة او بواسطة الإسرائيليين والإرهاب والأكراد، هو محاولة أخيرة لإنقاذ الدور الأميركي من الانهيار مع محاولة جذب روسيا الى اتفاقات تحاصص مع الأميركيين، لن يكتب لها النجاح لسببين: الدولة السورية القوية، وإيمان روسيا بهذا الأمر، هذا الى جانب الرعاية الإيرانية الداعمة لدولة سورية متمكنة في وجه «اسرائيل».