فصل الدين عن السياسة... الطريق نحو تحرير العقل والتطور في مجتمعنا
كما هو معلوم، فإن نواة المجتمع العربي- الإسلامي - هي الأسرة، وطالما الأسرة العربية – الإسلامية - مازالت ترزح تحت سلطة الأب الديكتاتورية، فإن أي حديث عن إنتاج دولة ديموقراطية بالمفهوم الغربي هو مجرد هراء سياسي غير مسؤول لأن إتحاد الأسر الديكتاتورية لا ينتج مجتمعا ديموقراطيا.
فالطفل المقموع في بيته لا يمكنه ممارسة الديموقراطية في المجتمع لأن الديموقراطية ليست شعارا بل، امتداد طبيعي لثقافة متوارثة أستاذها الأول هو رب الأسرة الذي يجب أن يربي أولاده على مبادئها وقيمها.
وليس هناك أخطر من نشرالديموقراطية بمفهومها الغربي في مجتمعات شرقية لا تمتلك تقاليد ديموقراطية. أنظمة الحكم في الغرب هي إمتداد طبيعي لثقافاتهم التي أنتجتها مجتمعاتهم خلال مئات السنين لذا، فالديموقراطية في الغرب تؤدي إلى التعددية الحزبية، أما الديموقراطية في بلادنا الرازحة تحت سيطرة شيوخ الظلام فهي ستؤدي إلى الانقسام الطائفي المدمر.
التعددية الحزبية في الغرب هي اختلاف بوجهات النظر والبحث عن أفكار جديدة لتطوير البلاد، أما الانقسام الطائفي عندنا فهو خلافات في العقيدة والبحث عن أفكار السلف لفرملة عجلات التاريخ وإغراق البلاد في التخلف، والبحث عن حجج وتبريرات مقدسة لقتل بعضنا.
أي تغيير في أي مجتمع ينبغي أن تتوفر له الظروف الذاتية والظروف الموضوعية وهذا مانفتقده لذا، علينا إتباع طريق التدرج وتهيئة الظروف الكفيلة لتوظيف الديموقراطية لخدمة المجتمع وليس الوقوع بفخها في سبيل تمزيق المجتمع وتدمير البلاد وفقدان الإستقلال.
والخطوة الأولى باتجاه التغيير هي إلغاء الدور السياسي للمؤسسات الدينية بشكلها الحالي في المجتمع. هذا ما حصل في أوربا التي لم تصل لما هي عليه الآن من تطور اقتصادي وثقافي وسياسي إلا على جثة الكنيسه التي كانت تستعبدهم بإسم الله وتقمع حرياتهم وتؤطر حياتهم بأطر ميتافيزيقية مقدسة تحكم على من يخالفها بالإعدام.
التغيير بحاجة لاأمثال الراهب جون هيس الذي إستنكر الفساد والدجل الذي كان يمارسه زملاؤه فجاء أمر البابا بإحرقه حيا فأحرقه أصدقاؤه وزملاؤه الرهبان لأنه فضحهم ودعا إلى تحرير العقل الأوربي من كذبهم ودجلهم وكان ذلك عام 1789.
نحن بحاجة لأمثال الراهب هرمان فان ريزويك الذي أُحرق بأمر البابا أيضا.
أما الراهب يافونا رولا فقد أعلن حربه ضد البابا وطالب بتحرير العقل من دجل رجال الدين وخرافاتهم وأباطيلهم، فأمر البابا بإحراقه حيا مع إثنين من رفاقه.
أوربا لم تصبح أوربا إلا على جثة الكنيسة. أوربا تحررت وأنتصر الرهبان الشهداء لأن شعبهم لم يخن فكرهم. أما شعوبنا فإنها خانعة وتخشى من دخول المرحاض برجلها اليسرى، ومازال المسلم يسال الشيخ عن تأويل قل هو الله احد.
لذلك، فلا تحلموا بأي تغيير حاليا لأننا لم نغير أنفسنا بعد. نحن مازلنا بمرحلنا شرب دماء بعضنا ولم نرتو بعد علما بأن إبليس قد سكر منها.
ومن سخرية الأقدار بنا، إن ما يسمى بالربيع العربي سيوصل رجال الدين التكفيريين إلى السلطة سواء عن طريق العنف أوعبر صناديق الإقتراع. وهذا يعني بأن ظروفنا الموضوعية والذاتية لتغيير أنظمتنا الحاكمة لم تنضج بعد لإقامة مجتمع مدني ديموقراطي لأن كل ثورة تجلب رجال الدين التكفيريين إلى السلطة هي عملية نكوصية إلى الوراء بعكس إتجاه التاريخ.
نحن شعوب نامت في القرن الثامن الميلادي على فتاوى فقهاء الضلال وأنين المناضلين تحت سياط الحكام ولم تستيقظ إلا اليوم على صرخات الله أكبر وأنين المذبوحين ونواح الثكالى.
إستيقظنا مرعوبين وفتحنا عينا واحدة، فرأينا مدى تغير العالم من حولنا، وأردنا التغيير ولكن، أخطأنا في إنتقاء الآلية المناسبة له، فحملنا السلاح ضد بعضنا لننفس ضغط وأحقاد قرون الإضطهاد بقتل بعضنا على مذابح الجهل.
يكفي أن يصدر لوطي أو لص أو مجرم فتوى بجواز قتل أعضاء هذه الطائفة أو تلك حتى يتسابق البعض منا لحمل السلاح لقتل إخوته وتدمير دولته وإسقاط حكومته. فهل وصل هذا الشعب إلى مرحلة إنتاج نظام ديموقراطي وهو يذبح أخيه العربي المسلم لإختلافه معه بالرأي؟ حتى لو قامت مائة ثورة فالشعوب العربية لن تحقق أمانيها بقفزة واحدة لأن الديموقراطية ليست عملية ثورية إنقلابية بل، ثقافة تمارس فعليا إبتداء من الأسرة التي ينشأ فيها المواطن وإمتداد ذلك إلى المدرسة ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى وهذا مالا تتوفر في بلادنا بعد. وفي ظل هذا العقم الثقافي والأمية السياسية، فإن أية ثورة في بلادنا حاليا ستنعكس سلبا على الوطن والمواطن لأن البديل للأنظمة الحاكمة ستكون أنظمة حكم دينية غيبية تكفيرية ستحكمنا حسب نصوص مقدسة تعتبر أن تصرفات الحكام وحي من الله، وتؤمن بأن الله يعطيهم أجرا حتى على أخطائهم.
أية ديموقراطية في العالم لم تأت إلا على جثة المؤسسات الدينية ( كما حصل في أوربا وأمريكا ) ولا بأس من أخذ العبرة منهم في هذا المجال. فماذا نرى في مجتمعاتنا؟ هل وصلت إلى مرحلة تحمل المسؤولية التاريخية للتغيير وفصل الدين عن السياسة؟ الجواب للاسف: لا. نحن لم نصل بعد إلى هذه الدرجة من الوعي السياسي والفكري الذي يؤهلنا للفصل بين المسلم والمتأسلم من جهة، وبين الدين والسياسة من جهة أخرى، لم ندرك بعد أن الديكتاتوريات العربية على مر التاريخ كانت محمية بالنصوص الدينية المسيسة التي إبتدعها فقهاء الضلال لتبرير ظلم السلاطين لشعوبهم، ولم نكتشف بعد بأن هناك حلف مقدس بين الدين المسيس والسياسة المتدينة حيث يستمد كل منهما نسغ حياته من الآخر. ولن نستطيع تحطيم قيود الديكتاتوريات السياسية لبناء مجتمعات مدنية علمانية قبل تحطيم الديكتاتورية الدينية التكفيرية المسيسة التي وفرت الغطاء الشرعي لهم.