عفرين.. معركة الكبار ودمشق الرابح الأخير
مدينة عفرين في الشمال الغربي السوري باتت تشكل بوصلة الخريطة السورية المستقبلية وأرضية التحالفات القادمة. لنكن واضحين بأن الكرد السوريين في عفرين لم يتلقوا دعما أمريكيا طوال سنوات الأزمة، والسلاح الذي حملوه هو سلاح سلم لهم من قبل الدولة السورية لحماية أنفسهم من الجماعات المسلحة وعلى رأسها “جبهة النصرة” و”أحرار الشام” حيث أنهم طوال السنوات الماضية شنوا هجمات عنيفة ضد الكرد في عفرين.
ويرى الكاتب ابراهيم شير أن "هذا السلاح كان مهما للصمود بوجه الهجمات والحيلولة دون أن تقع عفرين وريفها بيد الجماعات المسلحة، وفي المقابل لم تقع مواجهات بينهم وبين الجيش السوري. أما الكرد السوريين في الحسكة وشمال شرق سوريا فكان الدعم الأمريكي علني لهم، إضافة إلى أنهم تواجهوا مع الدولة السورية في أكثر من منطقة وخصوصا في مدينة الحسكة، بالرغم من دعم دمشق لهم وإعطائهم السلاح ومدهم به في أكثر من مناسبة خصوصا في عين العرب عام 2014.
ومن وجهة نظر الكاتب فإن "روسيا هي اللاعب الأساسي في عفرين كما أن الولايات المتحدة هي اللاعب الأساسي في الشمال الشرقي لسوريا، ونشرت موسكو وحداتها العام الماضي في المدينة، إلا أن إعادة تموضعها وتنسيقها السري أو العلني مع أنقرة بخصوص العملية الاخيرة في عفرين دفع العديد من الشخصيات لاتهام روسيا بـ "الخيانة"، ولكن هل في السياسة "خيانة"؟ السياسة هي لعبة التناقضات وكان الهدف الروسي واضحا من السكوت عن عملية عفرين، وهو وحدة الاراضي السورية، والسؤال هنا كيف تكون هذه الوحدة بعملية عسكرية تركية؟
وأضاف الكاتب "منذ دخول الجيش الروسي إلى سوريا كانت هناك محاولات ودعوات للجماعات الكردية في عفرين لنبذ فكرة الفدرالية والدويلة وعودة الجيش السوري إلى المدينة وريفها، وخلال هذه الفترة أيضا كانت المدينة عبارة عن فزاعة سورية روسية بوجه أنقرة، وعندما اندلعت المعركة في إدلب أو بدأت تتحرك العجلة العسكرية فيها، وقع التركي في فخ عفرين وبمواجهة مباشرة مع شعب وليس فصيل مسلح، فمن يعرف الاكراد يعلم أنهم يقاتلون على أرضهم والجميع يحمل السلاح نساءا ورجالا".
وتابع: معركة عفرين هي رسالة واضحة للكرد السوريين، بأن موسكو تمشي خلف مصالحها وواشنطن لن تدعمهم وأنقرة تحاربهم، إذا ليس لهم من ملجأ غير العودة للحضن السوري الذي احتضنهم طوال السنوات الماضية، وهذه العودة ستكون رسالة واضحة للكرد السوريين في شمال شرق البلاد، وهو ما يسهل بعودة الدولة السورية لتلك المنطقة أيضا، وربما تكون العودة متوازية أو بعد فترة بسيطة من العودة لعفرين حيث أن أنقرة قررت توسيع عملياتها لتشمل منبج وشرق الفرات في الشرق السوري.
وختم: الخاسر الأكبر في عملية عفرين هي تركيا بلا أدنى شك، فعسكريا لا يمكنها التقدم لمسافات كبيرة واحتلال مدن وقرى مهمة، إضافة إلى أن التضاريس والطقس ومعرفة الأرض بشكل دقيق هو في صالح الوحدات الكردية، واذا استمرت المعركة كما هي عليه الآن فستتفاجئ انقرة بوجود الدولة السورية في عفرين وعلى حدودها وستكون قد تخلصت من عدو لكنها كسبت آخر. اما دمشق فهي الرابح الاكبر، فكل شبر تتقدم فيه الدولة وتبسط سيطرتها عليه هو مكسب لها، إضافة إلى أن جذب الصوت الكردي إلى صفها في المؤتمرات الدولية وعلى رأسها سوتشي سيكون عاملا أساسيا في اللعبة السياسية المقبلة.