فرنسا تسعى للخروج من تحت عباءة الولايات المتحدة
اعتماد قرار الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان الفرنسي)، الذي يدعو الحكومة للتخلي وعدم تجديد العقوبات ضد روسيا، أمر مهم جدا، وفي المقام الأول، هو لفتة رمزية. وبما أن الإعلان غير ملزم، الحكومة الفرنسية، وفقا لذلك، ليست ملزمة بتنفيذ أحكامه. الأهم، هو أن هذا مؤشر جدي على توجه جزء كبير من النخبة الفرنسية والمجتمع الفرنسي. ومن الجدير بالذكر أنه في السابق، لم يناقش أي برلمان أوروبي هذه المبادرة ولم يعتمد مثل هذا القرار، على الرغم من حقيقة معارضة السكان المباشرة لتمديد العقوبات ضد روسيا، ومطالب تحسين العلاقات مع روسيا في بلدان مختلفة في أوروبا، بلغت نسبتها 30-40 في المئة، ما يشكل شريحة واسعة جدا من السكان. قبل ذلك، لم تكن النخبة السياسية تستمع لرأي هؤلاء الناس. فرنسا - أول علامة على أن الوضع آخذ في التغير، وعلى أن إرادة هذا الجزء من الشعب الفرنسي تؤخذ بعين الاعتبار.
لعبت العوامل الداخلية دورا جوهريا في تطور هذا الأمر، في المقام الأول الرد الروسي على العقوبات الأوروبية بعقوبات مضادة، وحقيقة أن حرب العقوبات ضربت الاقتصاد الفرنسي. الفرنسيون أنفسهم ينظرون سلبا للمواجهة مع روسيا، التي جرتهم الولايات المتحدة إليها، ويريدون الخروج منها. هذه العوامل، يتم استخدامها من قبل القوى غير النظامية، وأبرزها "الجبهة الوطنية"، التي كانت دائما موالية لروسيا ومعادية للولايات المتحدة، من أجل سيادة فرنسا. ولذلك، فإن أصوات المواطنين المستائين من العقوبات، بطبيعة الحال، ذهبت لصالح "الجبهة الوطنية".
المؤسسة الفرنسية القائمة أنزعجت من هذا الأمر، ونحن نرى كيف يحاول حزب نيكولا ساركوزي "الجمهوري" -على الرغم من أن ساركوزي نفسه شخصية موالية تماما للولايات المتحدة- اللعب على هذه المشاعر واستغلالها. الليبراليون الفرنسيون يفهمون أنه إذا استمروا في الدعوة لتمديد العقوبات، سيصبحون في عزلة عن شعبهم، وحينها ستنتهي مرحلتهم السياسية. هذا هو السبب في تبني حزب ساركوزي توجه إستعادة العلاقات مع روسيا. ليس لأنهم يحبون روسيا، ولكن لأنهم يدركون أن الأمر يخدم مصالح فرنسا ويرضي الكثير من السكان. وهذا هو السبب الذي دفع تييري مارياني، النائب عن الحزب الجمهوري بزعامة نيكولا ساركوزي، لطرح هذه المبادرة.
ومن اللافت أيضا، أن نوابا من "الجبهة الوطنية" اليمينية، ومن "حزب اليسار" بزعامة جان-لوك ميلانشون، صوتوا لصالح رفع العقوبات. وبهذا، اتحدت القوى اليسارية واليمينة والمناهضة للنظام، ضد تبعية فرنسا السياسة للولايات المتحدة.
وسنرى كيف ستكون الأمور في المستقبل، هل سيستمع البرلمان والحكومة الفرنسية لرأي أكبر أحزاب المعارضة. إذا فعلوا ذلك، هذا سيعني أنه حتى هولاند -الشخصية الليبرالية الفائقة والمثيرة للجدل نسبيا- لم يعد قادرا على مواصلة تتبع خطى سياسة الولايات المتحدة. ولكن، إذا رفضت حكومته قبول هذا القرار، يمكننا أن نستنتج أن هولاند وحكومته يعتمدون على الولايات المتحدة لدرجة الإستعداد للتضحية بمستقبلهم.
وبطبيعة الحال، ستلحق بفرنسا بلدان أوروبية أخرى، وفي أوائل الصيف في قمة للاتحاد الأوروبي، سنلاحظ الصورة التالية:
وفقا لمعلومات من الداخل، بعض دول الاتحاد الأوروبي تعارض تمديد العقوبات ضد روسيا. وفي وقت سابق، ظهرت مبادرات برفع العقوبات، على سبيل المثال، من قبل القيادة المجرية. ولكن ربما ستنضم لأصوات الحلفاء التقليديين وأنصار التقارب مع روسيا، أصوات جديدة ووجوه جديدة، ربما تكون مفاجئة.
نأمل أن تنتهي حرب العقوبات بين أوروبا وروسيا، والتي لا تخدم مصالح أي من الأطراف، وتعود بالنفع فقط على الولايات المتحدة، التي تجني أرباح التفريق بين قطبين جيوسياسيين. وحقيقة أن القوى المناهضة للنظام وجزء من النظام، يطالبون برفع العقوبات، يدل على صحة القوانين الجيوسياسية التي تؤكد أن أوروبا لا يمكنها الاستغناء عن روسيا. أوروبا لا يمكن أن تصبح قطب قوة مستقل، دون تكوين صداقات وتحالفات مع الدولة الرئيسية في آسيا وأوروبا - روسيا.