إدلب وآخر المعارك ضد الإرهاب

15.08.2018

لا يخفى على أحد التحضيرات والحشود الكبيرة، التي بدأها الجيش السوري مؤخرا وحلفاؤه، بما يخص معركة إدلب، والتي على ما يبدو انطلق شيئا من نيرانها التمهيدية، كإنذار بقرب بدء المعركة "الأضخم" ربما، بشكل أو بآخر.

إدلب التي باتت تشكل اليوم أكبر تجمعا للمسلحين نتيجة عاملين أساسين، أولهما: هو دخول العناصر المسلحة إليها بدءا من عام 2011، وصولا لسقوط المدينة بيدهم  بشكل كامل تباعا، وثانيهما: هو اعتماد الدولة السورية على تجميع المسلحين فيها، الرافضين لعمليات التسوية والمصالحة، التي طالت معظم المناطق التي حررتها الدولة السورية.

بين هذا الواقع وذاك، وكل ما تحمله هذه المعركة من احتمالات عدة، وتساؤلات عديدة، جلّها يدور في محور هل تكون المواجهة شاملة أم جزئية؟ وهل هناك تسويات في الأفق ربما؟ وهل من مكان جديد سيكون وجهة لمن يرفضون الانخراط في التسوية إن تمت؟ وهل سيحدث الصدام مع القوات التركية المتواجدة في الشمال والشمال الغربي السوري؟

جاء الجواب على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف موصفا الواقع الميداني الحالي في إدلب، خلال مؤتمر صحفي مشترك، عقده مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في أنقرة، الثلاثاء 14 أغسطس/آب الجاري، بقوله "أن الوضع في إدلب يعد اليوم أصعب بكثير" من الأوضاع في مناطق خفض التصعيد الأخرى، بسبب "جبهة النصرة"، كما أكد لافروف أن روسيا تقدم مساعدة للجيش السوري في "مكافحة الإرهاب في هذه المنطقة"، بما يحمله ذلك من دلالة واضحة، بأن روسيا ستكون شريكا أساسيا مع الدولة السورية، في كل ما يخص هذه المعركة - كما كل المعارك السابقة - خاصة وبعد مشاهدة ما تتعرض له القاعدة الروسية في حميميم مؤخرا، وبشكل شبه يومي "لأعمال عدوانية"، على حد وصفه.

كما أكد أيضا خلال هذا المؤتمر أنه: "لدى الجيش السوري الحق الكامل في قمع استفزازات النصرة، ومكافحة الإرهابيين في إدلب"، لينهي أيها جدل أثير هنا أو هناك حول ذلك، فالدولة السورية من حقها استعادة إدلب، كما الجنوب والغرب سابقا، والشرق المحتل من قبل القوات الأمريكية لاحقا ...

من جانبه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، صرح أن ضمان الأمن في إدلب في ظل وجود الإرهابيين "أمر صعب"، معبرا عن ثقته بأن روسيا وتركيا قد تجدان "طرقا لتسوية الوضع" في إدلب معا، مبينا أنه يجب التعاون مع روسيا والقوى الإستراتيجية الأخرى "لكشف الإرهابيين والقضاء عليهم"، خاتما كلامه بالقول: "علينا أن نكافح الإرهاب معا"...!

فهل بدأت تركيا تدرس خياراتها على ضوء كل هذه المتغيرات، على حدودها الجنوبية والجنوبية الغربية؟ وهل بات كل الحاصل في إدلب باتجاه الحدود الشمالية شرقا وغربا مع تركيا، هو مجرد إرهاب وخطر، على تركيا وأمنها وحدودها، يجب كشفه والقضاء عليه ومكافحته مع كل من روسيا و القوى الأخرى ...!

وهل هذه القوى الأخرى إلا الدولة السورية إحداها، وفي مقدمتها وعلى رأس القائمة فيها، فيما يخص مجابهة الإرهاب، على مدار ما يقارب ثمانية أعوام؟

بعد كل ما تقدم حول التطورات المترافقة من قرب إعلان بدء معركة تحرير إدلب، نخلص إلى الآتي: 

أولا: تركيا أمام خيارين لا ثالث لهما، أما التعاون والانسحاب من كافة الأراضي السورية دون قيد أو شرط، وإما المواجهة مع الجيش السوري وحلفاؤه، وعلى رأسهم الحليف الروسي، وهذا ما لا نرجح حدوثه، فقد سبق لتركيا أن خبرت نتائج الصدام مع روسيا.

ثانيا: المعركة ستنطلق  قريبا جدا، بحسب كل المعطيات، وستكون سريعة أكثر من المتوقع بكثير، على غرار معركة الجنوب السوري الأخيرة، وربما أسرع، وستتنوع شدة المعارك فيها، بحسب الجماعات المسلحة وسيطرتها وولائها، وستكون التسوية والمصالحات عنوان رئيس في هذه المعركة، كما كل المعارك السابقة التي خاضها الجيش السوري.

ثالثا: ستكون إدلب أخر المعارك، وأكبرها، وأضخهما ضد الإرهاب في سوريا، من حيث الكم، والنوع، والتوزع للجماعات المسلحة.

ما يعني بالضرورة شبه إعلان سوريا خالية من الإرهاب بحالة كحالة إدلب وما سبقها، فلا باصات خضراء تقل الرافضيين الاستسلام والتسوية، ولا مناطق جديدة تنتظرهم بعد إدلب، وقد أعذر من أنذر...

أما فيما يخص الشرق السوري، فالأمر مختلف هنا، حيث السيطرة هنا تتوزع بين الدولة السورية من جهة والقوات الأمريكية المحتلة مع القوات الكردية الانفصالية (قسد وأخواتها) من جهة أخرى، وبالنسبة للوجود الإرهابي يكاد يكون محدود ومحصور، مرجعيا ولوجستيا بالقوات الأمريكية هناك حصرا...