إدلب غير قابلة للتدويل

17.02.2020

يحاول الأتراك استنهاض السياسات الغربية والخليجية والإسرائيلية، لعرقلة تقدم الجيش العربي السوري في منطقة إدلب وأرياف حلب.

وهم أصلاً ليسوا بحاجة لبذل جهد كبير في تحريض القوى التي تعرف أن تحرير إدلب يعني اقتراب موعد تحرير كامل سورية، بما يفسر أسباب الاندفاعة الأميركية لدعم الجيش التركي والتنظيمات الإرهابية في احتلالها لهذه الاراضي السورية.

بالمقابل تستفيد العدوانية التركية من هذا الدعم الثلاثي الغربي «الجامع بين أميركا واوروبا» والامم المتحدة والخليج و»إسرائيل»، لتعلن حرصها على المدنيين السوريين وتصّرُ على انسحاب الجيش السوري من المناطق التي يحرّرها تدريجياً بمهلة حدّها الأقصى آخر الشهر الحالي.

ولتأكيد تهديدها أرسلت الى مناطق إدلبية لا تزال محتلة مئات من الدبابات والعربات المدرعة والمدافع والمركبات وآلاف الجنود، وزعمت ان تنظيمات إرهابية سطت على مضادات طيران محمولة أثناء تقدم جيشها نحو إدلب، واستعملتها لإسقاط مروحيتين للجيش السوري في أقل من أربعة أيام متتالية.

أما الحركة التركية الثانية فاستفادت من الإعلام الغربي لكسب الرأي العام الدولي بذريعة أن مذبحة يرتكبها الجيشان السوري والروسي في إدلب وأرياف حلب بمعونة الإيرانيين وحزب الله.

هذا جانب من حركة أردوغان التي استكملها غربياً بلقاءات تنسيقية مع الأميركيين يريد الأتراك دفعها نحو إسناد عسكري أميركي لهم او على الأقل من جانب الحلف الأطلسي او من خلال التحالف الدولي للمزيد من التمويه مع إضفاء طابع تدويلي على معركة إدلب وكأنها تندلع بين جيش سوري غريب عن سورية يقترف مجازر في حق مدنييها وبين جيش تركي ومنظمات إرهابية من سلالات القاعدة وداعش والوهابية لا همَّ لها إلا حماية المدنيين.

هذا هو المنطق التركي الذي يضيف أيضاً بأنه يريد وقف القتل الواسع للسنة في سورية، وهذا من باب التحريض المذهبي والطائفي.

بالمقابل، تضغط السياسة التركية على روسيا لتجميد حرب تحرير إدلب، فتستعمل كل ألاعيبها وحركاتها لإلغاء القرار السوري الروسي المشترك، لأنها تعرف أن خسارتها إدلب تؤدي تدريجياً إلى تراجع الدور التركي في سورية وبالتالي في العراق، وقد تنعكس على تدخلاتها في ليبيا واليمن.

هذه هي الأسباب التي يُسرع فيها الأتراك لتدويل «معركة إدلب» في محاولة لإجهاض عمليات تحريرها محاولين الاستفادة من التناقض الروسي ـ الأميركي والسوري الأميركي والسوري الخليجي وحالة الحرب المفتوحة بين سورية و الكيان الإسرائيلي المحتل.

وعلى الرغم من وجود تناقض بين الخليج السعودي ـ الإماراتي مع الأتراك والإخوان المسلمين عموماً، فإن قادة الخليج لم يتورّعوا عن إبداء جزعهم على المدنيين في إدلب، بما يكشف أنهم ميالون إلى «الستاتيكو الحالي» معتقدين أنهم بذلك يستنزفون سورية وتركيا في آن معاً لمصلحة إعادة تنشيط الدور السعودي المتراجع إلى حدود الاضمحلال في المنطقة العربية.

للتذكير فقط فإن الإرهابيين المدعومين من تركيا في إدلب هم من تلك التنظيمات الإرهابية التي لجأت إلى إدلب والشمال السوري من المناطق التي احتلتها في كامل سورية، وهي نفسها التي أبادت مئات آلاف السوريين المدنيين وسَبَت النساء وتاجرت بالأطفال باعتراف إعلامي دولي، وهي التي تعاونت مع «إسرائيل» في مناطق القنيطرة وحدود الجولان السوري المحتل لمهاجمة الجيش السوري وهي التي يزعم الأميركيون والسعوديون أنهم يحاربونها في كل مكان فكيف يؤيدونها اليوم وبأشكال صريحة.

لذلك، يحاول الأتراك اليوم في موسكو الضغط على الروس لوقف هجمات الجيش السوري، فيرسلون وفداً ليفاوض على مسائل عدة:

اولاً: الحدود التي يجب ان يتوقف الجيش السوري عندها في عملية تحرير إدلب، ثانياً: محاولة إحياء اللجنة الدستورية، وثالثاً: تحييد عفرين وبعض أرياف حلب والشريط الحدودي حتى عمق ثلاثين كيلومتراً في الشرق، من أي عمليات مرتقبة للجيش السوري.

ما هي الإجابات المحتملة للروس؟

لا بد أن الأتراك يعرفون أن قرار تحرير إدلب هو قرار سوري ـ روسي – إيراني، جرى اتخاذه بعد المماطلة التركية بتنفيذ مخرجات سوتشي منذ بداية العام الماضي.

لذلك من المنتظر الاتفاق على مناطق جديدة لخفض التصعيد تقع مباشرة بعد المناطق التي حرّرها الجيش السوري، على أن يكون الحل النهائي هو العودة الى اتفاق أضنة الذي يسمح للجيش التركي بمراقبة الحدود السورية حتى عمق يراوح بين خمسة وعشرة كيلومترات في حالات الشعور بأخطار كردية او إرهابية، وذلك بعد انسحاب قوات تركيا في كامل ما تحتله من أراضٍ سورية.

لجهة اللجنة الدستورية، فيتطلب انعقادها وجود معارضة روسية مشتعلة عن التبعية لتركيا والخليج و»إسرائيل»، وهذا ما تعمل عليه روسيا من خلال تشكيل معارضة تتجمّع في القاهرة العاصمة المصرية، وقد تكون حلاًً لإشكالية عدم وجود معارضة سورية فعلية لا تعمل لصالح الأتراك والخارج عموماً، وليس لدى الروسي أي ضمان لتدعيم الاحتلال التركي لعفرين وبعض الشمال والشرق لأن الحل موجود وفي اتفاق أضنة.

أما مسألة المحافظة على الدور التركي السياسي من خلال الاخوان المسلمين ومعارضات إرهابية اخرى، فهناك إجماع على رفض مشاركة هؤلاء في اللجنة الدستورية.

إدلب إلى أين؟ إنها عائدة إلى الحرية ضمن دولتها السورية ومعها أبناؤها الذين أذاقهم الإرهاب التركي الذل والهوان..

وباللغة السياسية، فإن الدور السياسي التركي مُسرع إلى تراجع شبيه بالتراجعات السعودية والأميركية انما بشكل تدريجي، فليعلم الأتراك وأشباههم من المحتلين أن جيشاً سورياً يقاتل منذ 2011، دولاً وجيوشاً وإرهاباً بشكل متواصل لن يسمح للأتراك بالسطو على اراضٍ سورية جديدة مهما كلفه الأمر من تضحيات. هذا هو جيش سورية الذي نجح في حماية كامل دول الجوار بحمايته لسورية وهو مستمرّ حتى عودة سورية الى دورها الإقليمي الكبير.