بين تعريف الإرهاب ومكافحته
بعد سقوط جدار برلين، شهدت السياسة الدولية متغيّرات عديدة كان لها الأثر في تغيير شكل وطبيعة النظام الدولي بشكل عام، والعالم العربي بشكل خاص. كان من أبرز هذه التغيرات التفرد الأميركي بالنظام الدولي، كما كان له أثر كبير في تضعضع النظام الإقليمي العربي، والذي بدأ يتحوّل نحو انفراط عقده بعد أحداث 11 ايلــــول واحتلال العراق وصولاً إلى «الربيع العربي» الذي شكل المسمار الأكبر في نعش هذا النظام، لاسيما مع انتشار الإرهاب وظهور «خــــلافة» «داعـــش» المزعومة وتمدّد مجموعاته من العراق الى سوريا واليمن وليبيا ومصر وتونس وغيرها من الدول العربية.
نحن اليوم أمام وضعية خاصة للنظام الدولي قائمة على شمولية العلاقات الدولية وتداخلها نتيجة العولمة الموجودة، وهذا ما بدأ يهدّد مصير الوحدات السياسية القائمة، لا سيما من خلال الظاهرة الجديدة القائمة على عولمة الإرهاب وتعميمه في النظام الدولي القائم، ما يجعل هناك رهبة من انهيار وحدات سياسية قائمة.
لقد ساعد التنافس الدولي على توسّع ظاهرة الإرهاب العابر للحدود، وما الحرب في سوريا والعراق سوى مثال بارز على الترابط بين الصراعات الدولية وتفشي هذه الظاهرة.
من المؤسف أن أروقة الأمم المتحدة أو المؤتمرات الديبلوماسية المتعددة الأطراف الخاصة بالأزمة السورية ما زالت تشهد تساؤلات حول مفهوم الإرهاب وتبرز عدم الموافقة على تقديم تعريف موحّد له، علماً بأنّ هذا المصطلح أصبح من أكثر المصطلحات شيوعاً في العالم، نظراً لتهديده السلم والأمن الدوليين. لذلك سنعرض في سياق هذه المقالة تعريفاً مختصراً لمعنى الإرهاب من وجهة نظر القانون الدولي.
الإرهاب في التعريف الدولي
لقد عرّف مجلس الأمن الدولي الإرهاب بأنه «كلّ عمل جرمي ضدّ المدنيين بقصد التسبب بالوفاة أو بالجروح البليغة أو أخذ الرهائن من أجل إثارة الرعب بين الناس، أو إكراه حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو الامتناع عنه، وكلّ الأعمال الأخرى التي تشكل إساءات ضمن نطاق المعاهدات الدولية المتعلقة بالإرهاب، ووفقاً لتعريفها، ولا يمكن تبريرها بأي اعتبار سياسي أو فلسفي أو إيديولوجي أو عرقي أو ديني».
وحظرت الأمم المتحدة في قراراتها الصادرة عن فروعها الإرهاب، واعتبرته مهدِّداً للسلم والأمن الدوليين. ففي العام 1994 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلاناً عالمياً لمواجهة الإرهاب الدولي، فضلاً عن 12 معاهدة دولية ملزمة ورد ذكرها في القرار 1373 الصادر العام 2001 عن مجلس الأمن، منها معاهدة «مونتريال» 1971 ومعاهدة «طوكيو» 1963 ومعاهدة «منع التعذيب» ومعاهدة «منع الإخفاء القسري»، وغيرها من المعاهدات. وهناك أيضاً قرارات صادرة عن مجلس الأمن قبل العام 2001، منها قرار صادر العام 1992 في مسألة طائرة «لوكربي» وقرار صادر العام 1996 في حقّ السودان عندما اتهم بإيواء أسامة بن لادن.
وصدرت قرارات عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وهي تعني المجتمع الدولي بأكمله ولا تعنى فقط بإرهاب دولة واحدة، وذلك بعد أحداث 11 أيلول، القرار 1373 الذي اعتبر أنّ «الإرهاب يشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين»، وأُنشئت لجنة دولية لمكافحة الإرهابCTC: Counter Terrorism Commission. بعد ذلك صدر قرار مهمّ عن مجلس الأمن، هو القرار 1540 العام 2004 يتناول حظر الإرهاب النووي، وصدر قرار ثالث 1566 العام 2004 أكد أنّ الإرهاب الدولي بكلّ أشكاله ومظاهره يشكل أخطر التهديدات للسلام والأمن الدوليين Threat To Peace and Security.
وكانت المحطة الثانية للجمعية العامة في مكافحة الإرهاب العام 2006 عندما أقرت الاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهابThe UN Global Counter Terrorism Strategy. كذلك تمّ تنظيم العديد من المؤتمرات والاتفاقات الإقليمية التي تؤكد هذه التعريفات. وقد أصدر مجلس الأمن قراراً مهمّاً هو القرار 2133 في 27 كانون الثاني العام 2014 يُعيد من خلاله تأكيد تنفيذ قراره 1373، ويشدّد على العودة إلى المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، ويدعو الدول إلى منع الإرهابيين من الاستفادة من أموال الفدية نتيجة الخطف وأخذ الرهائن.
الجماعات الإرهابية في سوريا
لقد سعى مجلس الأمن الدولي، عبر القرار 2170 تحت الفصل السابع، إلى قطع الإمدادات البشرية والمالية عن تنظيمَيْ «داعش» و «جبهة النصرة»، ونصّ القرار على نزع السلاح وتفكيك التنظيمين في سوريا والعراق، بالإضافة إلى تنظيمات أخرى على صلة بتنظيم القاعدة، وهذا يعني أنّ هذين التنظيمين هما على لائحة الإرهاب الدولي. وحثّ مجلس الأمن الدول الأعضاء كافة على اتخاذ إجراءات تهدف إلى وضع حدّ لتدفق مقاتلين إرهابيين أجانب ينضمون إلى «داعش» أو «جبهة النصرة».
وأوضح النصّ أنّ تحرُّك مجلس الأمن جاء بناء على البند السابع لميثاق الأمم المتحدة، ما يعني أنه يمكن تطبيق هذه الإجراءات باستخدام القوة.
وفي القرار 2178، الصادر في 24 أيلول تحت الفصل السابع، دان المجلس التطرف العنيف الذي قد يهيئ المناخ للإرهاب والعنف الطائفي، ودان أيضاً ارتكاب الأعمال الإرهابية.
ودعا مجلس الأمن في هذا القرار جميع الدول الأعضاء إلى التعاون بهدف التصدي لتهديدات الإرهابيين الأجانب، بما في ذلك منع انتشار الفكر المتشدّد وتجنيد المقاتلين، مؤكِّدًا أنّ مكافحة التطرف العنيف الذي يمكن أن يُفضي إلى الإرهاب، تشكّل عاملاً أساسياً في التصدي لتهديد الإرهابيين الأجانب.
إذاً من الواضح أنّ هناك تعريفاً موحداً للإرهاب عبر الأمم المتحدة، لا سيما من خلال تعريف مجلس الأمن الدولي الذي يُعتبر ملزماً لكلّ الدول، لكونه يأتي ضمن قرار صادر تحت الفصل السابع، بالإضافة إلى تعريف الجماعات الإرهابية التي تقاتل في سوريا والعراق وعلى رأسها تنظيم «داعش». لكن مع ذلك لا يزال هناك تراخٍ من العديد من الدول في مكافحة هذا التنظيم، وإن كانت تدّعي أنها تسعى الى القضاء عليه.
جريدة "السفير"