بين الدقائق الـ (12) الأمريكية ونظيرتها الإيرانية ... من الرابح ومن الخاسر؟
تتفاقم الأزمة الإيرانية - الأمريكية يوما بعد يوم، على خلفية خروج الأخيرة الأحادي الجانب في مايو/أيار العام الحالي، من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في يوليو/تموز 2015.
وتيرة هذا "التشنج" المستمر منذ عام 2002، تتغير طردا لما يفرضه المشهد العام الحاكم في منطقة الشرق الأوسط عامة، والميادين ذات الصلة (السوري، العراقي، اليمني، الفلسطيني) على وجه الخصوص، لما لهذه الساحات من أهمية استراتيجية للطرفين كلا على حدا.
لم تنجح أمريكا في إجهاض الثورة الإيرانية، وسحقها في مهدها، عبر حرب الخليج الأولى، التي فرضتها على طهران في مواجهة العراق صدام حسين، ما دفعها للبدء بتطبيق وفرض سياسة العقوبات و التطويق.
فغزت أفغانستان شرقا بحجة تدمير تنظيم القاعدة، وغزت العراق غربا بحجة امتلاكه أسلحة دمار شامل، مع تواجدها الضخم جنوبا، عبر قواعدها المنتشرة في الخليج العربي، لتطوق بذلك طهران ما أمكن، ولكن دون جدوى...
فواشنطن لم تتمكن من إسقاط نظام طهران عبر كل محاولاتها تلك، ما دفعها للاستثمار في قوة طهران المتنامية، "لابتزاز" حكومات الخليج، وتعزيز سيطرتها وتواجدها لديهم، عبر البدء بموجة دعائية "تهويلية" غرضها تسويق إيران كـ"بعبع" يهدد أمن الشرق الأوسط عامة، وحكومات الخليج العربي خاصة.
مستغلة اللعب على وترين، أولهما: القول بأن إيران "النووية" خطر وجودي على هذه الدول، والثاني: تعويم فكرة أن نظام طهران يسعى لنشر "التشيع" في كامل المنطقة المحيطة بها، ما أجَّج الخوف الخليجي، فبدأت واشنطن الحصاد في هذا الخوف، عبر عشرات الصفقات العسكرية والاستثمارية في شتى المجالات.
وصولا لعهد ترامب "الرجل الدولار" بجدارة، والذي وجد في انسحابه من الاتفاق النووي مع طهران، فرصة لا تعوض "للابتزاز" العلني لكبرى هذه الحكومات المملكة السعودية.
حيث نهج سياسة باتت تعرف عالميا "بحلب البقرة" السعودية، مقابل الحماية الأمريكية لعرش الرياض من الـ "بعبع" الإيراني، والتي كان آخرها قوله في خطاب له ألقاه أمام حشد بولاية آيوا الأمريكية، في العاشر من الشهر الجاري، إن إيران كانت "ستسيطر" على الشرق الأوسط في غضون (12 دقيقة) قبل أن "يتسلم" الرئاسة، مشيرا للمرة الرابعة على التوالي، إلى أنه على السعودية أن تدفع المال مقابل حماية أمريكا لها، "إن كنا سنحميك يجب أن تدفع" على حد تعبيره.
الرد الإيراني لم يتأخر، وجاء مباشرة في اليوم التالي لتصريحات ترامب، وذلك على لسان العميد حسين سلام نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، بقوله "إننا قادرون على إنقاذ الشرق الأوسط من شر أميركا خلال 12 دقيقة".
ما يفتح الباب على جملة تساؤلات هامة، عقب هذه التطورات الأخيرة، أهمها السؤال القائل:
بين الدقائق الـ (12) الأمريكية ونظيرتها الإيرانية من الرابح ومن الخاسر؟
الجواب جاء هذه المرة - كذلك دون تأخير - على لسان السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبناني، في آخر ظهور له الجمعة 12 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، قائلا: "أننا اليوم أمام نموذج أمريكي يوغل في استكباره وغلوه، لدرجة إهانة حلفاء أمريكا وبشكل متكرر"، ولافتا إلى أن "معايير" الرئيس الأمريكي ترامب هي "معايير المال"، فترامب لا يعترف بشيء آخر، وأنه في مقابل هذه الإهانات "لا نجد إلا البسمة والخضوع والصمت القاتل".
كما أكد نصر الله في الوقت ذاته، أنه أيا تكن "خلفية" كلام ترامب عن "إمكانية" سيطرة إيران على الشرق الأوسط "بمدة 12 دقيقة"، فهذا يدل على "عظمة إيران في عين ترامب". فإيران على حد وصف نصر الله "لم تساوم يوما على ثروتها وسيادتها"، أما "حلفاء" ترامب الذي "باعهم" السلاح بمئات مليارات الدولارات، هي في عين ترامب "ضعيفة" ولا "تصمد" لأسبوعين.
في الختام نعتقد أن الدقائق الـ (12) الأمريكية، هي في حالة أفول من منطقة الشرق الأوسط بشكل أو بآخر، لأن قوة التواجد الأمريكي في هذا الشرق مبنية على قوة حلفائها، وأي بقايا قوة لهذه الحلفاء الذين "يحلبهم" ترامب ذهابا وأيابا؟
في حين أن الدقائق الـ (12) الإيرانية، هي في حالة تنامي وتعاظم إقليمي ودولي، قد تكدره بعض المحطات الحرجة، ولكن في النهاية ستزول، لأن: "الشيء الذي لم يفهمه ترامب هو أن ماهية الثورة الإسلامية وإيران أنّها كلما كانت أكثر في ميادين الصراع كلّما أصبحت أقوى"، بحسب ما أعلنه اللواء محمّد علي جعفري القائد العام لحرس الثورة الإسلامي، في تصريح لقناة المسيرة اليمنية، مساء الحادي عشر من الشهر الجاري.
وأمام التغير الذي أصاب خارطة التوازنات الدولية القائمة، عقب ما أفرزته وستفرزه الحرب السورية، من توازنات جديدة، والتي ستحكم العالم لعقود طويلة قادمة، كما يبدو، حيث بدأت ملامحها بالظهور، عبر أحلاف وتكتلات جديدة - تشكل إيران حجر أساس فيها - مناهضة لسياسات الأحادية القطبية الأمريكية، التي سادت العالم لعقود ماضية.